العبقرية تكمن في التفاصيل (1)

يقولون أن الشيطان يكمن في التفاصيل.. في عالم السينما العبقرية هي التي تكمن في التفاصيل.. واهتمام صانعي الأفلام ببعض التفاصيل في أفلامهم يبلغ حدود التطرف في بعض الأحيان إلا أنه تطرف يصب في الأغلب في صالحنا كجمهور ويقدم لنا عمل متقن الصنع لدرجة الإعجاز. من تقديم الشخصيات بطريقة محاكية لواقعها ومُغرقة بتفاصيلها، إلى بناء المشاهد ومواقع تصويرها بعناية فائقة وباحترافية غير مسبوقة. كل هذا وأكثر أقوم بتقديم بعض لمحاته لكم هنا في هذه السلسلة القصيرة من المقالات في إشارات سريعة وكبسولات مركزة من حقائق قد يجهلها الكثيرون عن أفلامهم المحببة.

Harry Potter
سلسلة الأفلام الأعلى إيراداً في تاريخ السينما. العالم الساحر لمدرسة هوجورتس للسحرة سحرنا بالفعل وأثرنا في حكاياته وبين مفرداته. مشهد القلعة المهيب لمدرسة هوجورتس بحد ذاته كان مهيباً في أغلب اللقطات وساهم في صنع تأثر المشاهد بهذا العالم. ما لا يعرفه الكثيرون أن القلعة ليست من تصميم فناني ومبرمجي الجرافيك، بل هي مجسم حقيقي متقن الصنع استخدم في أغلب المشاهد الخارجية لمدرسة السحر هذه! مجسم يبلغ عرضه أكثر من خمسين قدماً يحتوي على حوالي 2500 ضوء صناعي من الفيبر لمحاكاة مشاعل القلعة وإضاءتها. النموذج بلغ من الاتقان والتفاصيل أن استوديوهات ورنر بروزر احتفظت به ليشاهده الزوار في جولاتهم بداخلها.

The Pirates! In An Adventure with Scientists
فيلم الأنيميشن الظريف هذا القائم على تقنيات تحريك الدمى والمجسمات لقطة وراء لقطة وحركة وراء حركة والذي يعد أحد أهم الأفلام التي استخدمت هذه التقنية بدرجة اتقان مبهرة اظهرت حركات الشفاه في الحوارات بين الشخصيات بشكل مقارب للنطق الواقعي لها، استغرق صنعه خمس سنوات وأكثر من 525 شخص لتحريك الدمى بهذا القدر الهائل من التفاصيل والاحترافية! العمل من الصعوبة والتفاصيل لدرجة أن أسبوع من العمل لهذا الفريق الهائل كان ينتج حوالي 4 ثواني من الحركة الفعلية على الشاشة! إضافة لاستخدام أكثر من 10318 فم للشخصيات الرئيسية في حواراتها! سفينة القراصنة نفسها احتوت على 44 ألف جزء متحرك. الأرقام مرعبة لكن الانتاج كان أكثر من رائع.

Inception
هذا الفيلم الأسطوري لم يحتوي على عبقري واحد فقط هو المخرج كريستوفر نولن، لكن جمع أيضاً عبقري الموسيقى التصويرية هانز زيمير. الفيلم في بدايته و في سياق الحبكة لإيقاظ الحالمين من حلمهم استخدمت الشخصيات أغنية الأسطورة الفرنسية إيديث بياف Non, Je Ne. هانز اللئيم العبقري استخدم ذات الأغنية وإيقاعها الافتتاحي في موسيقى آخر ساعة من الفيلم وهي الموسيقى التي يألفها الجميع. فقط قام بإبطاء الأغنية الرئيسية ووجد من سماعها بهذا البطء إلهاما لتقديم ما قدم!! الأمر مرعب لكن يجب عليكم مشاهدة الفيديو المرافق للمقال لمعرفة أين تكمن المفارقة وكيف عمل هذا العبقري على هذه التفاصيل!
[http://www.youtube.com/watch?v=UVkQ0C4qDvM]

Se7en
واحد من أقوى الأفلام التي لا تنسى، أغرق في دقة التفاصيل لدرجة أن هنالك مشهد في مقدمة الفيلم لدفتر يوميات سايكوباتي يظهر ويعطي إيحاء قوي بما ينتظرنا في الفيلم. هذه اليوميات نفذها المصمم جون سابيل وقام بإنفاق حوالي 15 ألف دولار على مجموعة من الجرائد القديمة! قام بتمزيقها ثم جمعها وخياطتها معاً، ثم قام بإلصاق صور متنوعة لجزز وأشلاء وصور أخرى كابوسية وقام باالكتابة عليها بشكل محموم ويوحي بالرعب. كل هذا لمشاهد في المقدمة لن تستمر إلا بعض ثواني على الشاشة وأشك أن كثيرا منكم يذكرونها!

Scott Pilgrim vs. the World
المخرج إدجار رايت قرر أن يولي اهتمام فائق بالأرقام وظهورها الخفي في هذا الفيلم الغريب والطريف عن شخص ضعيف الشخصية يقرر أن يحارب مجموعة الأصدقاء السابقين لحبيبته للفوز بها كما في لعبة فيديو! حينما قرأت هذه المعلومة اضطررت لمشاهدة الفيلم قبل ذكرها للتأكد من هذه الإشارات! أول هؤلاء الأحباء السابقون يملك عين واحدة! الثاني يقول العبارة التالي: " it will take two minutes to kick your ass"! الثالث في فرقة موسيقية مكونة من ثلاث أعضاء! الرابع يقاتل البطل سكوت في نادي ليلي إسمه "4"! الخامس والسادس على التوالي يملكان خمس وست مقاطع صوتية في أسمائهم اليابانية وفي مشهد القتالي الموسيقي يضغطان الزرين السادس الأبيض والخامس الأسود من البيانو/الأورج أمامهم! السابع إسمه Gideon ويطلق عليه G وهو الحرف السابع من الإنجليزية!! آه وفي مشاهد البداية سكوت نفسه يرتدي تيشيرت لعيه الرقم صفر!!!

The Matrix
كنت أظن أنني متوهم حينما لاحظت الأمر لكن تخيلوا قدر المفاجأة لدى معرفتي بالتالي: من فيلم The Matrix الأسطوري والسابقة التي قد تكون قد غيرت شكل أفلام الخيال العلمي إلى الأبد، أحد المشاهد المحورية التي يطلعك بشكل كاشف عن عالم الميتريكس هو المشهد حينما يقوم مورفيوس بتدريب نيو بأخذه للشارع وجذب انتباهه بمرور إمرأة شقراء جميلة في ثوب أحمر، ليطلب منه إعادة النظر لها ليفاجئ أنها ليست كذلك. الكل يذكر المشهد أليس كذلك؟ هل لاحظتم أن المشهد في واقع الأمر يضم هذه الجموع التي مثلت المارين في الشارع كان يظهر لكل فرد من المارين فرد مطابق له ومشابه تماماً! الغرض كان إيصال العيب واصطناعية العالم ووجود الإشارات الدالة أنه عالم مبرمج! مخرجي الفيلم الأخوين أندي و لانا واتشوسكي أمضيا أيام في سيدني الاسترالية حيث صور المشهد في البحث عن العشرات من التوائم المتطابقة لتأدية أدوار المارة!!!
[http://www.youtube.com/watch?v=L9p8LXD5UDs]