محمود عبد العزيز.. الجان الذى تمرد على وسامته

  • مقال
  • 02:24 مساءً - 24 يونيو 2013
  • 1 صورة



محمود عبد العزيز

إسكندرية.. الورديان.. البدايةحينما بدأ الفتى السكندري الوسيم مشواره الفني عندما اختاره المخرج " نور الدمرداش" لدور صغير فى مسلسل " الدوامة" مع محمود ياسين و نيللى، توقع الجميع للفتى ذو العينين الملونتين والشعر الأشقر أن يكتسح "جانات" السينما فى ذاك الوقت ويتربع على عرش أدوار الرومانسية وقصص الحب.نقطة تحولإلا أنه وبعد القليل من الأعمال التى حملت ذلك الطابع فعلاً، طرأ تغيير مشهود وتحول واضح على مسيرة الشاب الجان خريج كلية الزراعة، ففى بداية الثمانينات اختاره المخرج علي عبد الخالق لأداء دور الطبيب ضعيف الشخصية المصدوم فى والده والمصاب بالاختلال لاحقاً من خلال فيلم " العار"، الذى كان على الرغم مما سبقه من نجاحات سينمائية فى تاريخ محمود عبد العزيز إلا أنه كان العلامة الأكثر قوة فى بدايات مشواره. ومنها انطلق محمود عبد العزيز يقطف من كل بستان زهرة ويحفر اسماً من ذهب فى تاريخ السينما المصرية.تطوُّر... وتنوّعحيث قدم تنويعة غير مسبوقة من الأدوار والأعمال السينمائية والتليفزيونية حظت باعجاب آلاف الجماهير حول الوطن العربى كله. فأنت كمشاهد حين تراه وتصدقه فى "العار" سيبهرك أن تراه وتصدقه فى " الكيف" وشتان المسافة بين شخصيتى العملين. محمود عبد العزيز أرستقراطى، المظهر راقى، الأسلوب الشعبى الروح حتى الثمالة، يستطيع ببسالة أن يبحر بمشاهديه ويرسو على الشاطىء الذى يريده بهم وقتما يريد. فبعد سلسلة من الأفلام السوبر كوميدية التى تحمل طابع "الفارس" البحت والفانتازيا الشديدة مثل " السادة الرجال" و" سيداتى أنساتى" و" سمك لبن تمر هندي" مع الميهى رائد الخيال الكوميدي، ستجد أنه من المدهش أن ينغمس ذات الشخص فى قصة درامية حاملة لعشرات المشاهد الحزينة ومشاهد الشحن عالية التأثير فى قصص مخابراتية حملت طابعه وحده وانفرد فيها بأداء سهل ممتنع قريب لقلوب الجميع غير أنه مستحيل التقليد فى رائعته " رأفت الهجان" التى باتت من كلاسيكيات الدراما التلفزيونية والتى يؤرخ بها لبدايه ذلك النوع من المسلسلات. والتى تبعها بالعمل الرائع أيضا فى ذات السياق " اعدام ميت".
حضور قوى وموهبة متفردةالحق أن النظر فى مسيرة محمود عبد العزيز ملهم للغاية. فموهبة الرجل وحضوره بل ونشاطه لم تتآكل مع مرور السنوات؛ بل على العكس زادته تجاربه العديدة ثقلاً وضياءً. وإن كان قد اختار بإرادته الابتعاد بين حين وآخر، فأن عودته دائما تؤكد أنه يدرك ما يفعل وأنه لا يسعى "للسبوبة" قدر سعيه أن يوضع اسمه فى موضعه وفوق العمل الذى يرضى عنه. فبعد سنوات من الغياب السينمائى يعود بـ" ليلة البيبى دول" وتحميلات نفسية عميقة اثرى بها محمود عبد العزيز تلك الشخصية الباحثة عن ليلة من المتعة مع زوجته التى غاب عنها طويلا: حيث لم يكتف النجم الكبير بسطحية الاحتياج المادى والغريزى لزوجته الذى كان محور أداء تلك الشخصية بل أضاف إليها بعد نفسي قويا ظهر فى ملامح وكلمات الشخصية طوال الفيلم وهو الاحتياج للأمان.. وللاحتضان.. وللوطن!وبعدها بعام يطل علينا من خلال " إبراهيم الأبيض" حيث عبد الملك زرزور.. تلك الشخصية الأسطورية التى رسم لها السيناريو خطوطاً عريضة تصلح لمئة فنان وأضاف محمود عبد العزيز لها تفاصيلاً دقيقة وجمل حوار مكثفة تصلح له وحده وتحمل بصمته وحده.أغانى الأفلاموإن كان أداء محمود عبد العزيز التمثيلى قد مكّنه من حصاد اعجاب الالاف وتعلقهم بجميع ما يقدمه من شخصيات فقد ساهمت أيضا أغانى أعماله وخاصة السينمائية منها فى توثيق تلك المكانة والتصديق على تأثيرها وبقاءها فى قلوب الجميع. فقد اعتدنا مع أعمال محمود عبد العزيز أن تظل أغنية الفيلم عالقة فى الأذهان والقلوب لسنوات بعدها وأمثلة ذلك كثيرة مثل "الكيميا" و"القلب منك مليان جفا" وكذلك "تعالى تانى" فى "الكيف" و"الهاشاباشاتاكا" فى" سوق المتعة" و " الجنتل" فى الفيلم الذى حمل نفس الاسم.الساحرمحمود عبد العزيز كان ولا يزال قامة كبرى فى فن التمثيل وتاريخ الفن المصرى بشكل عام فهو بناية تزداد رونقاً وثقلاً وثباتاً كلما سكنها ساكن جديد وازدانت أرجاءها بعمل وشخصية مختلفة يؤديها بكيانه كله ويضع فيها من روحه الحقيقية ما يجعلك كمشاهد تنفصل فى كل مرة ترى له عملاً جديداً عن كل ما سبقه وتصدق حتى الادمان أنه هو تلك الشخصية لا شك.ففى " الشقة من حق الزوجة" و " النمس" و"الجنتل" مثلاً لا يمكن أن تصدق أن ذلك الراجل هو خريج جامعى حاصل على درجة الماجستير فى تربية النحل! وحينما يداهمك صدقه ودراميته وغوصه فى الشخصية حتى النخاع فى " الكيت كات" حتى التصق اسم الشخصيه به لسنوات واصبح محمود عبد العزيز الشهير بالشيخ حسنى فأنك لا تستطيع إلا إن تحمل كل اعجاب وتقدير لذات الشخص الذى قدم العمل العظيم "سوق المتعة" بلا أدنى تداخل أو تأثير بين الشخصيتين.وقد يرى البعض أن هناك خطاً ثابتاً قد يسمونه "مكرراً" ميّز أداء محمود عبد العزيز وصاحب تقمصه للشخصيات منذ أن كان شاباً غضاً فى " شفيقة ومتولى" مثلاً وحتى وصل إلى قمة النضج والتوحد فى " باب الخلق" والشخصية ذات الألف بعد.. "محفوظ زلطة". إلا أننى ارى أن هذا الخط الثابت ليس سلبية تؤخذ على الفنان الكبير بل أنها تضاف إلى ميزاته بحفاظه على بصمة وروح خاصة وشم بها جميع أعماله والصق عليها "نيم تاج" باسمه هو فقط.
فلغة جسده وضحكته المميزة أضافت الكثير للشخصيات التى قدمها ولم تكن دخيلة أو موضوعة عنوة؛ بل غزلها فى مهارة صانع متمكن داخل نسيج شخصياته فجعل كل ما يقدمه يشبهه وإن لم يشبهه.احتفاءمحمود عبد العزيز..67 عاماً من التألق والعطاء.. وأربعون عاماً من الفن الحصرى الذى يحمل اسم فتى وسيم تمرّد على قالب "الجان" وكسره. ليقترب منا ويقدم شخصيات أقرب وأحب وأكثر حقيقية.



تعليقات