صار تسابق صنّاع الدراما على موسم العرض الرمضاني أمراً طبيعياً ومتوقعاً فى كل عام، وخاصة فى الخمس أعوام الأخيرة، حيث يُعد هذا الموسم هو المنفذ الوحيد ﻹنتاجهم الفني. كما صارت الدراما التلفزيونية منافساً قوياً للفن السابع بل أن لها من الجمهور والمريدين ما يفوق السينما، حيث أنها تدخل إلى بيوت مشاهديها ولا تنتظر –كالسينما- أن ينزلون إليها.
وقد لاحظ متابعي الدراما التطور الواضح فى كافة عوامل الصناعة فى الأعوام الأخيرة ليس فقط على صعيد الإنتاج من صورة وتكلفة للتصوير والإضاءة والاهتمام بتفاصيل اللمسات النهائية للعمل كالمونتاج الذى اصبح يقوم عليه نخبة من المتميزين المصريين، ولكن أيضا على مستوى الكتابة التى أصبحت أكثر احترافاً بشكل ملحوظ وأكثر تنوعاً، وكذلك اجتهاد الممثلين خاصة الشباب منهم لتقديم شخصيات حقيقية –من لحم و دم- وتقديم رؤية السيناريو والإخراج بشكل راقي واحترافي.
إلا أنه فى رمضان 2013 نستطيع القول بأن الدراما المصرية تشهد صحوة قد لا نبالغ إن قلنا أنها غير مسبوقة: خاصةً على مستوى الكم والصورة. فعدد المسلسلات التى تعرضها القنوات الأرضية والفضائية المصرية والعربية هذا العام لا اعتقد أننا شهدناه فى عام مضى. وعلى سبيل الصورة والتقنيات فأننا نستطيع الآن مقارنة العديد من الأعمال المصرية بالأعمال التركية والسورية التى كانت مثالاً يحتذى فى جودة الإنتاج وخاصة الصورة على الأقل فى الثلاث أعوام المنقضية.
إلا أنه وكما لكل شىء من إيجابيات وسلبيات، قد أثر هذا الثراء المبالغ فيه –من وجهة نظري– فى كم المسلسلات على تلك الأعمال بالسلب حيث أن معظمها لن ينال معدلات المشاهدة المتوقعة أو التركيز والانغماس فى الأحداث والقصة إلا ما رحم ربي، حيث ليس باستطاعة المشاهد أن يشاهد ويركز ويتفاعل مع عشر أعمال تعرض جميعاً فى نفس الساعة وهكذا فى كل ساعة من أيام الشهر الكريم.
غير أنه وعلى الرغم من ذلك فأنه بانقضاء الأسبوع الأول من رمضان نستطيع أن نتبين بوضوح بعض الأعمال التى استحوذت على أكبر نسب للمشاهدة والنقاش عبر أحاديث الشارع ووسائل التواصل الاجتماعى.
فلو نظرنا للنجوم الذين اعتادوا تقديم أعمال رمضانية بصفة منتظمة سنجد أن غادة عبد الرازقوعلى الرغم من أنه لا جديد فى أدائها شخصياً أو تناولها للشخصية الذى لم يتعد الحرص الشديد على "اللوك" والأزياء إلا أن " حكاية حياة" قد أحدث جدلاً واسعاً سواء على مستوى الصورة والديكورات التى ترقى إلى الخيالية والتى اصبحت مادة للتندر فى أمسيات رمضان، وكذلك مشاهد الخيانة المتكررة بشكل مبالغ فيه، والمشاهد والألفاظ الصادمة الغير معتادة لدى الجمهور المصري حتى فى السينما. فمشهد وفاة والدة حياة وخروج جزء من مخها وسقوطه على الأرض، لا اعتقد أن أحدا توقعه أو سينساه، وكذلك استخدام ألفاظ لم تكن لتستخدم حتى فى الواقع بين اﻷسر المتوسطة والمحافظة والتى وصلت لاستخدام أحد التعبيرات الإباحية الفجة على لسان شاب لم يتم عامه السادس عشر حسب الأحداث.
وكما لم تقدم غادة جديداً فى أدائها فأن يسرا فى " نكدب لو قلنا مابنحبش" قدمت مسلسل بالكاد يحسب جديداً بعد تكرار طاقم العمل بالكامل، وتقريباً نفس أجواء مسلسل العام الماضي. إلا أن رمضان شهد بطولة مطلقة لبعض النجوم الذين شاركوا الأخرين البطولة على مدار سنوات منقضية مثل محمود عبد المغنى و أمير كرارة اللذان يقدما أولى بطولاتهما المطلقة فى التليفزيون من خلال مسلسلي " الركين" الذى لا أدرى مرجعية تسميته، و" تحت الأرض" الذى أشاد به وبأداء أمير معظم من تابعوه منذ الحلقات الأولى. وعلى ذات الصعيد فى البطولة التليفزيونية الأولى يقدم نجم السينما هاني سلامة أول أعماله التلفزيونية مع العدل جروب " الداعية"، وهو التجربة التليفزيونية الإخراجية الأولى للموهبة المتميزة محمد العدل، والذى اعتقد أنه سيصبح اسماً هاماً فى السنوات القادمة. وقد جذب المسلسل حوله الكثيرين حتى ممن هم ليسوا بجمهور هاني سلامة المعتاد، وذلك لتناوله عالماً فرض أبطاله وجودهم على الساحة والواقع المصري بقوة، بينما لا نعلم –كجمهور- الكثير عن خلفياتهم وحياتهم خلف الكاميرات وهم من يسمون "بالدعاة الجدد" الذين ينجذب إليهم الشباب وصغار السن لأنهم يكسرون قالب الشيوخ المعتاد.
وقد حظى أيضا العمل الأول للسيناريست الشاب ياسر عبد المجيد وشريكه فى العمل السيناريست عمرو الشاميبمعدلات مشاهدة عالية ومتابعة كثيفة لـ " فرعون"، الذى يعد عودة قوية ل خالد صالح وعملاً هاماً يضاف إلى سجل المخرج الموهوب محمد علي.
وبالحديث عن التأليف والسيناريو يجعلنا ذلك نتطرق إلى وجود أسماء هامة مميزة وتبشر بمستقبل واعد وحافل. المؤلف الشاب محمد أمين راضي الذى يقدم مع المخرج خالد مرعى أولى تجاربه التليفزيونية فى " نيران صديقة"؛ قد أجمع الجميع بشكل ملفت جمهوراً كانوا أو نقاد أنه عمل مختلف يغير بشكل ما وجه الدراما المصرية ويكسر قالب الاعتياد والتقليدية التى باتت فيها المسلسلات المصرية لسنوات.. وكذلك يمكن لـ" آسيا" أن تنضم لذات التصنيف المختلف والذى يغير جزئياً فى شكل المسلسل التلفزيوني المعتاد حيث نسج خيال السيناريست والممثل الموهوب عباس أبو الحسن قصة معتادة فى مضمونها لكنها بديعة ومبتكرة ومبهرة فى شكلها وتفاصيلها حرصت منى زكىبها أن تعود فى قالب جديد ومبهر بعد غياب سنوات، وكذلك نرى فى " موجة حارة" معالجة درامية شيقة، واقعية وقاسية أحيانا، لكنها متفردة وحقيقية لرواية العبقرى الراحل أسامة أنور عكاشة صاغتها وقدمتها لنا السيناريست المتميزة مريم نعوم من إخراج الموهوب محمد ياسين. وكذلك أبدعت مريم فى إعادة صياغة " ذات" للروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم وقدمت فيه نيللى كريم أداءً ناضجاً ومغايراً لما اعتدنا عليه منها.
وفى رمضان 2013 أيضا يواصل كلاً من المخرج أحمد نادر جلال والنجم يوسف الشريف والسيناريست محمد سليمان عبد المالك نجاحاً وتألقاً صار واقعاً منذ " رقم مجهول" و" باب الخلق" فى العام الماضى ليحققا معاً نجاحاً جديداً ودراما خاصة مشوقة وغامضة ولا تشبه غيرها فى " اسم مؤقت".
بينما واصل مصطفى شعبان إخفاقه وإضفاء المزيد من الابتذال على ليالى الشهر الكريم فى " مزاج الخير"، وكرر أحمد مكى نفسه حتى كاد الجمهور يملّه للموسم الثالث على التوالى فى " الكبير أوى" وكذلك يعيد سامح حسين نفسه ويعتصر كوميدياه حتى الرمق الأخير فى " حاميها حراميها" بينما يتألق الثلاثي شيكو و فهمي و هشام ماجد فى " الرجل العناب" المسلسل الذى حقق نجاحاً مدوياً على الرغم من عرضه على شاشة واحدة فقط لأبطال بلا تاريخ كبير أو شعبية حاشدة، إلا أنهم استطاعوا بأبسط الإمكانيات أن يبدعوا عملاً يمكن أن يطلق عليه "كوميديا" وسط الزخم والسخف الحادث حولهم.