هل حدث لك يوماً أن توحدت مع رواية قرأتها..شخصية فى عمل فنى ..تجربة فى أغنيه ما ..أو حتى بيتاً من الشعر؟إن حدث هذا معك فلنحيى من كتب ..أو مثّل ..أو غنّى مقابل ما أوصلك لتلك الدرجة الغير معتادة من التأثير .
لست بصدد الحديث عن جماليات أو قواعد عمل الفنى قدر ما أحاول أن اشرككم معى فى تجربة نادراً ما تحدث على الأقل بالنسبة لى، وهى أن تشعر بعيداً عن الكلاشيهات المعتادة و المانشيتات سابقة التجهيز أن هناك عملاً يمثل واقعك ..واقعك انت وحدك .. يلمس احساساً ما يجول داخلك انت لا يراه أحد حولك و لا يتفاعل معه ..أو إنه يراه لكنه لا يفهمه .
هذا العام فى رمضان كنت على موعد مع مفاجأة كسرت الكثير من الملل و التكرار فى أعمال الدراما المصرية بشكل عام و الرمضانية بشكل خاص، " آسيا" عمل لا أحب أن أدعوه مسلسلاً ..لأنه يقف فى منطقة جديدة لا تنطبق عليها التعريفات التقليدية للمسلسل .
ففى البداية يمكن أن ترى الحكاية بسيطة و "مهروسة " فى أعمال أخرى عن زوجة تختفى و تبدأ جميع شخصيات العمل بالبحث عنها لحل اللغز وهو ما جعل البعض يعزف عن متابعة العمل قبل عرضه بعد تسريب ملخص القصة الذى اتضح فيما بعد إنه لا يمت بصلة للحدوتة التى نسجها السيناريست عباس ابو الحسن .
أسيا هى أنثى مختلفة عن المعهود يبدأ اختلافها من اسمها المنتقى بعناية و يمتد لكل تفاصيل الشخصية الحاملة لتناقضات العالم الرافضة لكل قيد مهما كان و التى تحتمل القيد مع ذلك و تتعامل معه.
منذ الحلقة الثانية للمسلسل استشعرت انه ليس عملاً معتاداً، وليس " نحتاية " رمضانية عادت بها منى زكى بعد غياب، ولا مجرد عمل يرغب ابو الحسن أو المخرج محمد بكير التواجد فى موسم المشاهدة الأكبر بل الأوحد على مدار العام ،و بغض النظر عن القصة فإن التناول ..التفاصيل..اللمسات التفرد و الخصوصية التى أثرى بها المؤلف شخوصه و أماكنه و حواره أهم عوامل جاذبية العمل .
آسيا هى امرأة ذات نفسية معقدة للغاية متشابكة ليست سطحية ولا سهلة الاستنتاج و علاقاتها بالجميع حتى اولادها تدور فى ذات الفلك، دائماً قريبة لكن عقلها مبتعد و احساسها يلهو فى عوالم اخرى مع شخوص آخرين و رغم الزواج و الاولاد الثلاث و الشكل الاجتماعى التقليدى الا ان بركانا ينفجر داخل ذلك القالب حيث تقرر الرحيل و الهجرة إلى مجهول تصنعه بيديها، رافضة كل ما يفرض عليها من اعتياد و ملل و تكرار .
العمل منظومة تحمل وسام الدقة و الاجتهاد فى كل شيىء بداية من التفاصيل المرسومة بعناية لكل الشخصيات حتى الثانوية منها كالكهربائى، وضباط المباحث المكلفين بالبحث عن آسيا، وانتقالاً إلى الديكورات المطابقة لرؤية و مود الكاتب كالتى تظهر فى بيت آسيا المليىء بالتفاصيل و القطع الفنية، وكذلك "الشيطانة" أو الملهى الليلى الخاص بـ "فارس انتيكا " الذى يحوى عدداً لا نهائى من الاقبية و الحجرات المخبأة و الدهاليز و التى تعكس نفسية صاحب المكان و حياته.
باسم السمرة قدم دورا علامة يحمل بصمته فأداء باسم عميق الصدق و التأثير جعل من فارس انتيكا او "البرنس" شخصية محبوبة مكروهة مخيفة وحالمة لا تشبه أحداً .
ويستمر سيد رجب فى تألقه ليؤدى دوراً لا تستطيع كمشاهد أن تصنفه فهو شرير طيب و رجل عصابات رومانسى للغاية و شقى يحمل ملامح اب حنون.
آسيا –وكما سبق أن ذكرت- ليس عملاً درامياً عادياً تستطيع سرد أحداثه و شخوصه و مطابقته بقواعد الكتابة و الإضاءة و الديكور المتعارف عليها، فهو حالة مميزة وصلت تصل إلى الوجدان منذ الحلقة الأولى و تتطابق فيها المشاعر بشكل مفاجىء مع مشاعر البطلة المتمردة فمن الممكن أن تردد حوارها يومياً بعد نهاية الحلقة ويبقى سؤال "هو عباس ابو الحسن ازاى عارف أوى الستات بيحسوا بايه " !!