بتوليفة منتقاة من الإفيهات...وأداء مبالغ فيه من الممثلين...وسلسلة من الحركات الهزلية ...قدم كتاب الدراما شخصية المدرس، وأصبحت نمطية الإبداع عند الاقتراب من تلك الشخصية درامياً تنحصر فى كل مايثير الضحك، حتى الأفلام التى حاولت تقديم المدرس من منظور أنه صاحب رسالة سقطت فى براثن طرحها فى إطار أنه مغيب عن الواقع، وجعلت صدمته من الانحدار العلمى والأخلاقى للمجتمع وسيلة للضحك
وإذا تناولنا بعض اﻷمثلة التي قدمتها السينما المصرية عن حال المدرس والمدرسة والتعليم بصفة عامة سنلاحظ أنها قدمتهم في أكثر من شكل كان أغلبه إما تشويه لشكل المدرس أو السخرية منه ووضعه في إطار واحد فقط، حيث المدرس المطحون الغلبان، وبالرغم من أن تلك الشخصية مليئة بالعديد من التفاصيل الدرامية التي تحتاج إلى أكثر من عمل فني لرسم تلك الشخصية بجدارة سواء بتناول حياتهم الوظيفية أو حياتهم الخاصة إلا أن المؤلفين والمخرجين اختصروا كل ذلك ليقدموا شكل متواضع لتلك الوظيفة المهمة الثرية بالكثير من المعاني والأبعاد الإنسانية.
مدرس اللغة العربية:
فمثلا نلاحظ أن السينما المصرية قدمت مدرس اللغة العربية في شكل واحد مرتكزة على ساذجته وبساطة أدائه، وبالرغم من أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم فإن مدرس اللغة العربية في أغلب الأفلام السينمائية المصرية نلاحظ أنه يستخدمها بشكل سيئ، وأنه رغم التزامه بقواعدها وحرصه عليها، وتأثيرها على أخلاقه وعلاقاته بمن يحيطون به إلا أنها لا تعود عليه بأي عائد مادي، باﻹضافة إلى النيل من كرامته وهيبته.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن فيلم غزل البنات للراحل نجيب الريحاني والذي أخرجه الفنان أنور وجدي عام 1949 وشارك في التمثيل فيه بدور هامشى، نجد أنه تناول دور مدرس اللغة العربية من خلال شخصية الأستاذ (حمام) صاحب المبادئ والقيم واﻷخلاق، والذي يصر على الالتزام بحذافيره بالرغم من حالته المادية السيئة، ومع كل هذا نجده يهان من ابنة الباشا ( ليلى مراد) ويفقد كرامته عندما تسخر منه هي وزميلاتها ثم يظهر الجانب الشخصي فيه من خلال قصة حبه لها ومحاولة إخفاء ذلك.
ونلاحظه أيضا في دور الأستاذ (فرجاني) بفيلم " أخر الرجال المحترمين" و نور الشريف الذي يتوجه إلى مصر برفقة مجموعة من التلاميذ في رحلة مدرسية، وهناك يتخبط بتقاليد الحياة المدنية والروتين مع محاولة ﻹلقاء الضوء على أهم مشاكله الشخصية وعالمه الخاص وكيف أثرت أخلاقه ومبادئه في تعامله مع المريضة النفسية ( بوسي) بعد خطفها ﻹحدى الفتيات الصغيرات المسئول عنها في الرحلة، وفى( مدرسة المشاغبين) عام 1973 والمأخوذ عن المسرحية الشهيرة بنفس الأسم نجد الأستاذ علام، الذي يقوم بشرح الدرس لنفسه بالرغم من تأكده من عدم وجود أي طلاب بالفصل الدراسي إرضاء لضميره المهني وأخلاقه فقط، وفى فيلم( ممنوع في مدرسة البنات) عام 1992 والمدرس الذي يحاول أن يقود مدرسته وطلابه إلى النجاح ولكنه يفشل عندما تتعارض جميع الظروف المحيطة به مع أخلاقه ومبادئه، وفى فيلم ( اغتيال مدرسة) وكيف بعد كل ما سعت له المدرسة (هدى) من مساعدة الطالبة (ميرفت )في حل مشكلة أخلاقية تقع فريسة سهلة وتنتحر بإطلاق الرصاص عليها.
وبالعودة إلى أفلام الأبيض والأسود والستينيات مرة أخرى نلاحظ شخصية الأستاذ (حكم) الذي قدمها الراحل الكوميدي عبد المنعم إبراهيم بفيلم السفيرة عزيزة، وطريقة تحدثه وإلقائه التي تثير السخرية منه بجانب الإشارة من بعيد إلى اختلاله عقليا أو جعله أقرب إلى شخصية البهلون والمهرج.
الأخلاق السيئة:
وفي نفس اﻹطار الساخر الهزلي يتم تقديم العديد من الأعمال الفنية مع دخول السينما عصر أفلام الثمانينات ولكن تلك المرة بتقديم المدرس المنحل أخلاقياً والفنان عادل إمام بفيلم ( اﻹنسان يعيش مرة واحدة) وكيفية عرض شكل المدرس المستهتر الذي أعرض عن تلك القيم والمبادئ من خلال مدرس اللغة الانجليزية، الذي يلعب القمار ويتناول الخمر بالليل برفقة أصدقائه ويتوجه إلى مدرسته في الصباح مخموراً.
الحالة المادية:
وإذا تحدثنا عن محاولة التفكير في حال المدرس وعرض مشاكله الشخصية في محاولة لحل تلك المشاكل نلاحظ أنه تم الوقوف على مشكلة واحدة دائما بالنسبة للمدرس وهي مشكلته المادية فقط، فمثلا نجد السينما المصرية قدمت ذلك من خلال ناظر المدرسة بفيلم ( المذنبون) الذي لا يجد ملجأ للهروب من مشاكله المادية إلا ببيع أسئلة الامتحانات، وهناك مدرس الفلسفة ( أحمد زكي) بفيلم البيضة والحجر الذي يترك عمله ودراسته ويلهث وراء الفلوس ويعمل دجالاً، ونجده أيضا في المدرس الذي انتحر بعدما واجهته العديد من المشاكل المادية الصعبة وتدني مستوى المعيشة وذلك من خلال فيلم ( انتحار مدرس ثانوي) بطولة حسين فهمي.
وتستمر تلك الصورة المشوهة من خلال إعادة تقديم نفس العمل مرة أخرى من خلال فيلم ( عودة مدرسة المشاغبين) عام 2002 للمخرج جمال التابعي، ثم الفيلم العربي ( الناظر) وجعل مربي الأجيال هو عنصر الضحك الأول والأخير، ثم فيلم ( رمضان مبروك أبو العلمين حمودة).
واعتقد أن مؤلفي ومخرجي السينما المصرية عندما قرروا تناول تلك الوظيفة فإنهم تناسوا مقولة أمير الشعراء أحمد شوقي (قم للمعلم وفيه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا).
وفى محاولة من مؤلفي الدراما التلفزيونية لتناول شخصية المدرس بشكل مرضي وتوضيح سحرها الخاص وإلقاء الضوء بشكل أكبر على تفاصيل تلك الشخصية، فنلاحظ أن المؤلفين خرجوا بالمدرس من الجلباب الواحد والتقاليد المتعارف عليها والبعد عن نمط الإساءة له، مؤكدين أنه صاحب رسالة مميزة فنجد في مسلسل ( امرأة من زمن الحب) المثالية العليا وقدرة المدرسة على تغيير نظام المنزل وتوجيه الجميع، وأيضا مسلسل ( حضرة المتهم أبي) ودور الفنان نور الشريف الذي يرفض دائما إعطاء الدروس الخصوصية بالرغم من حالته المادية، وإصراره على مبادئه ومع دور يسرا بمسلسل ( أين قلبي)، وأخيراً الممثل جمال سليمان بمسلسل ( قصة حب) والذي يعد نموذجاً مثالياً للمدرس.