هناك لعنة ما يعاني منها فيلم The Hobbit، في جزءه الأول الذي عرض العام الماضي تحت اسم An Unexpected Journey، أو في جزءه الثاني الذي طُرح في دور السينما قبل أيام قليلة The Desolation of Smaug، تلك اللعنة التي تضر السلسلة كثيراً هي «لعنة سيّد الخواتم».
من الصعب مُراوضة المقارنة بين الرحلة الجديدة الذي يخوضها بعض الأقزام في الأراضي الوسطى خلال ثلاثية The Hobbit، وبين الملحمة العظيمة التي مر عشر سنوات على إنجازها في The Lord of the Rings، وهو ما لا يكون في صالح العمل الجديد بأي حال، ولكن.. من قال أن المقارنة صحيحة من الأصل؟
حين كتب " جي.آر توكين" ملحمة الأراضي الوسطى، بدأ بقصة "الهوبيت" كحكاية للأطفال، وصدرت عام 1937، بخفةٍ ظاهرة وتفاصيل طفولية: مواجهة التنين، العناكب، الغورلات الضخمة، القصة ممتلئة بما يجذب الصغار، بعدها.. وبسبب نجاح رواية "الهوبيت" أو لشعور "توكين" بأن العالم الذي خلقه يحتمل المزيد.. بدأ في كتابة "سيد الخواتم"، استغرق 12 عاماً، وأنجز الحكاية في ثلاثة كتب صدرت منتصف الخمسينات، وبدت القصة أعمق كثير من حكاية الأطفال في "الهوبيت"، حيث يتناول بصورة عَميقة قيم الشرف والعدل والخير والصداقة والتناقضات الإنسانية عبر رحلة الخاتم والعديد من القصص الفرعية المتصلة به.
وبعد أن أنجز المخرج " بيتر جاكسون" ملحمته السينمائية العظيمة في مطلع الألفية وأراد تنفيذ "الهوبيت".. كانت المُشكلة الحقيقية التي يواجهها العمل الجديد هو أن النَّص أكثر خفة بكثير من مثيله في "سيد الخواتم"، بدا في "الهوبيت" أن هناك عودة إلى الوراء، أن العمل أقل من سابقه، في حين أن ذلك هو الأصل في الرواية، لأن "الهوبيت" كتبت ودارت في وقتٍ أبكر بكثير من "سيد الخواتم"، ولكن لعنة المقارنة أصابته، وبدا أنه لا مهرب منها.
والشيء المؤكد أن التعامل مع "الهوبيت" كثلاثية منفصلة هو أمر أصح، وسيجعل المشاهد أكثر قدرة بكثير على الاستمتاع بها.
في الجزء الثاني من الملحمة الجديدة يستمر الثلاثة عشر قزماً، بصحبة الهوبيت "بيلبو باجنز" ( مارتن فريمان) والساحر "جاندالف الرمادي" (السير إيان ماكلين) في رحلتهم من أجل هزيمة التنين "سموج" والعودة إلى وطنهم "إيرابور"، وسينبغي عليهم في تلك المرة مواجهة العناكب العملاقة، إيجاد حل لمتاهة غابة "ميركوود"، التغلب على وحوش الأورك، والهروب من الجان الذين رفضوا مساعدتهم من قبل، من أجل الوصول في النهاية إلى "سموج" نفسه، التنين الراقد في مملكة الذهب، ولن يسمح لأحد من الاقتراب منها.
التمهيد البطئ نسبياً في الجزء الأول يتحول هنا لإيقاع أكثر سرعة، اهتمام "جاكسون" ينصب على حكي الحكاية، وتتبع المغامرات التي يمر بها أبطاله، الواحدة تلو الأخرى، ويبدو كالعادة جيداً في ذلك، خبرة لسنوات في تطوير المؤثرات الخاصة وخلق العوالم والوحوش الخيالية تجعل مديح الرجل على التفوق التقني الذي تحمله مؤثرات العمل وتتابعات الحركة الأساسية فيه أمراً عادياً، فقد أصبح يجيد ذلك أكثر من أي شيء، ولا أدل على ذلك من تتابع "العناكب"، أو المشهد الطويل والأساسي في العمل لـ"بيلبو" والأقزام في مواجهة التنين "سموج".
في المقابل، يبدو قرار المنتجين التجاري بتحويل الرواية إلى ثلاثية، بدلاً من ثنائية فقط كما أعلن في البداية، مضراً للفيلم فنياً بشكل واضح، من الصعب أن تحكي رواية "الهوبيت" في تسع ساعات! مادة الرواية نفسها وأحداثها لا تحتمل ذلك، وإصرار المنتجين على أن يكون العمل ثلاثية سينمائية، وأن يكون كل جزء في قرابة الثلاث ساعات، دفع "جاكسون" إلى "اختراع" بعض الخيوط الفرعية، كالقزم "كيلي" الذي يقع في غرام الجنية "توريال" أو شخصية "لوجلاس" التي يفرضها على العمل من أجل وصله مع الثلاثية القديمة، تلك الخيوط لم تتواجد أصلاً في الرواية، والمشكلة ليست في كتابة السيناريو بشكل مختلف، ولكن أن يبدو ذلك دخيلاً ويؤثر في إيقاع الفيلم بشكل واضح من أجل إرضاء المنتجين والاستفادة بالنجاح التجاري المضمون للسلسلة، لتكون تلك الخيوط والمشاهد الحوارية الطويلة نسبياً وسط إيقاع مغامرة محتدمة هي النقطة السلبية الأساسية في العمل.
ولكن مجملاً، فإن الجزء الثاني من The Hobbit عملاً ممتعاً فعلاً، وباستثناء بعض الخيوط الزائدة لإطوال مدته.. فإنه يبدو أقوى من الجزء الأول، تحديداً بعد تحرره من التمهيد الطويل والاعتماد أكثر على الحكاية والمغامرة، وتحويل خيال "توكين" من جديد إلى صورة سينمائية مبهرة، وفي حال أدركت أن هذا العمل ليس "سيد الخواتم".. ليس الملحمة الكبيرة والممتلئة بعواطف وانحيازات مستمرة.. وتعاملت معه كفيلم منفصل أقرب لحكايات الأطفال الأسطورية.. فعلى الأغلب ستستمتع كثيراً بما يدور في الأراضي الوسطى.