تتفق معه أو عليه لكنك لا تستطيع أبداً أن تنكر دور ممدوح الليثي فى إثراء الحياة السينمائية سواء كمنتج أو مؤلف وكذلك من خلال المناصب التى شغلها فقد كان من الإداريين الناجحين جداً.
بداية معرفتي بممدوح الليثى كانت فى الأزمة الشهيرة لجمعية كتاب ونقاد السينما قبل خمسة عشر عاماً تقريباً حيث انقلب عليه وقتها مجموعة من أعضاء مجلس إدارة الجمعية، وحاولوا عزله، وقدمت وقتها تحقيقاً متوازناً للأزمة بمجلة الكواكب برئاسة تحرير محمود سعد ولكن التحقيق أغضب الليثي، رغم أننى طرحت رأيه فى التحقيق كأحد أطراف الأزمة، حيث رأى أن المساحة المخصصة له صغيرة فاتصل بي معاتباً بل وطلب أن أجرى معه حوار منفرد فرفضت وقلت له لو لديك رد أو تعليق فعليك إرساله على عنوان المجلة.
أغلقت الخط وبعد مرور ثواني اتصل محمود سعد وقال لي "الليثى زعلان وعايزين نعمل له حوار يقول فيه اللى هو عايزه"، بل وقام سعد بإملائي عنوان الحوار وهو نفس ما حاولالليثي فعله معي ولكن سعد فوجئ برفضي، فقام بإرسال زميل أخر لإجراء الحوار وفوجئت به منشوراً باسمي بعد طباعة المجلة وكان هذا الخلاف بيني وبين محمود سعد سبب في تركي لمجلة الكواكب وخرجت من دار الهلال غير آسف على رحيلي.
أثرت تلك الواقعة على حالتي النفسية بشكل سىء للغاية ولزمت منزلي مكتئباً لشعوري بالقهر الشديد فى ممارستي للصحافة التى اعشقها بلا انتظار لأى مقابل فى الكثير من الآحيان، ومرت فترة وعدت لبيتي صوت الأمة والحقيقة أننى كنت املك مساحة غضب من ممدوح الليثي ممزوجة باحساس ضرورة التصدي لجبروته ونفوذه فى ذاك الوقت، ولا انكر أننى قد أكون مخطئاً بعض الشىء لأن الصحفي يجب أن يكون موضوعياً ويفصل بشدة فى كل واقعة يختلف فيها مع نفس الشخص وأنا اتحدث على الجانب النفسي فقط، فلم اكتب حرفاً واحداَ كتصفية لحسابات غير موجودة سوى بعقل الليثي.
فوجئت بعد فترة بأن مهرجان الإسكندرية ورئيسه ممدوح الليثي يدعونني لتغطية فاعليات المهرجان فذهبت وقمت بعملي، وهناك قابلني الإعلامي عمرو الليثي رئيس تحرير جريدة الخميس وكان يعرفني جيداً، وأثناء عشاء جمعني به فى شيراتون المنتزه دعاني لاحتساء فنجان قهوة معه بعد عودتنا للقاهرة وعرض على أن أكون رئيساً لقسم الفن بجريدة الخميس، وعدنا ولم التفت للعرض ظناً مني أن عمرو يحاول إزاحتي عن طريق والده، ولكنى فوجئت بعمرو يتصل بي ويدعوني لزيارته، وكرر عرضه فأكدت له أننى ربما اقبل شريطة استمراري للعمل بصوت الأمة وعدم وجود أى محاذير أو سقف لكتابتي، فوافق وبالفعل بدأت عملي وكان أول صدام بيني وبين عمرو حينما حدث خلاف شديد بين والده ممدوح الليثي والماكيير محمد عشوبرئيس شعبة المكياج بنقابة السينمائيين التى يرأسها الليثي أيضا فى هذا الوقت، وطرحت تفاصيل الخلاف ورأى عشوب والليثي على صفحات الخميس، ولكني فوجئت أن رأي الليثى تم تعديله ليكون هو صاحب الغلبة فى وجهة النظر فعدت لعمرو الليثي غاضباً ولكنه أكد لي أنه لم يتدخل وماحدث من تعديل جاء بمعرفة رئيس التحرير التنفيذي للجريدة إنذاك الصحفي عاطف زيدان.
لم اقتنع بشكل كامل بما قاله عمرو لذا ظللت غاضباً ومع اقتراب موعد الانتخابات على منصب نقيب السينمائيين قمت بتغطية الانتخابات بين طرفيها ممدوح الليثي والمخرج علي بدرخان، وأجريت مناظرة نارية بينهما على صفحات جريدة صوت الأمة وفى تلك المناظرة أعلن بدرخان أن ممدوح الليثي لم يكتب فيلم " الكرنك" بل أن صلاح جاهين هو الكاتب الأصلي للعمل، وأن الليثي كان مجرد فرد فى ورشة للفيلم أقامها جاهين، وهنا فوجئت بعمرو يطلبني لمقابلته وفى تلك المقابلة سألنى: "أنت ليه بتهاجم ممدوح الليثي فى صوت الأمة، فجاء ردي بأن هذا لم يحدث بل أن الهجوم من علي بدرخان" فقاطعني عمرو قائلاً "عموماً أنا تجاوزت الموضوع دا، أنا عايزك عشان موضوع تاني وهو أنى باخيرك بين البقاء معي بجريدة الخميس وبين صوت الأمة"، فذكرته بشرطي فى قبول العمل معه، فرد قائلاً "اتذكر ولكن لا يجب أن تكون فى الخميس رئيس قسم وأنا أنوي ترقيتك لمدير تحرير، بينما تعمل أنت كمحرر فقط فى صوت الأمة" وهنا جاء ردي الفوري بالاعتذار عن العمل بالخميس.
وبعد ذلك بفترة فوجئت بممدح الليثي يشن علىّ هجوماً ضارياً فى جريدة ابنه عمرو، وينعتني بالبلطجة وأننى استغل نفوذي كصحفي.. هكذا كان ممدوح الليثي لا يملك ثقافة الاختلاف فأنت لو كنت صديقه فستصبح أفضل انسان بالكون، وإذا اختلفت معه فمساعيه فى تشويهك لن تتوقف، وبعد ذلك خضت معركة ضروس مع الليثي على صفحات صوت الأمة وكتبت كلاماً حقاً يغضب بل ويجرح أحيانا، ورغم ذلك كان كلام بمنطق دون أى تلفيق أو ادعاء، ولم تتوقف هذه الحرب بيننا إلا بمكالمة من عمرو الليثي يعاتبني بشدة، والحقيقة أنه أشعرني بالحرج حيث قال لي: "أنا أتابع المعركة جيداً مع والدي ولا أرى أزمة فى الخلاف فى وجهات النظر بينكما، ولكن أن تدعو لنفسك بأن يحميك الله من تخاريف كبر السن فى إسقاط على والدي، فأنا غاضب جداً وكان عليك أن تنظر لسن والدي وكأنه والدك" وفسرت لعمرو الهجوم الشرس من والده فى جريدة الخميس وانتهت المكالمة باعتذار متبادل وانتهى الأمر.
قابلني ممدوح الليثي بعدها أثناء ترشحه لمنصب رئيس اتحاد النقابات الفنية فى أحد الفنادق مع بعض الوفود العربية وكان يقدمني لهم قائلاً: "الاستاذ هاني سامي الصحفي اللى عمره ما كتب عني كلمة كويسة دايماً بيشتمني بس" وينهي التعارف بابتسامة ممزوجة بالمرارة.
كان الليثي يعد لفيلم هام عن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر وتأخر الفيلم كثيراً فى الظهور، فقمت بإجراء حوار مع الليثي فقال ليّ أن المخابرات الحربية لم ترد بالموافقة حتى الآن، كما أن برلنتي عبدالحميد وابناءها قد اعترضوا على الكثير مما جاء بالفيلم، ونشرت وقتها مشاهد من السيناريو وحقق الموضوع مردوداً طيباً لما كان به من أسرار ودخول فى مناطق شائكة فى العلاقة بين الرئيس والمشير.
بعد ثورة 25 يناير دخل الليثي فى مشاكل مع النقابات الفنية التى أرادت عزله بدعوى أنه "فلول نظام مبارك" وقمت بإجراء تحقيق فى الأمر بجريدة الفجر التى كنت أكتب فيها إنذاك وكعادتي طرحت كل وجهات النظر وفوجئت بعدها بممدوح الليثي يتحدث إلى ويشكرني على ما رأه منصفاً له فقلت له أنا لم أقل رأيي فى الأمر بل فقط طرحت المشكلة برمتها، والتي كانت تُنظر أمام القضاء، وكانت تلك المكالمة ودودة لأقصى مدى حيث اشتكى ليّ الليثي من تحريض مسعد فودةالنقابات ضده وهو الذى ساعده لأن يكون نقيب السينمائيين من بعده، وكذلك يوسف شريف رزق الله الذى شن هجوماً عليه بمجرد توليه منصب رئيس جهاز السينما الذى كان يشغله الليثي، والذى تحدث عن أشياء أخرى كثيرة وبعدها انسحب تدريجياً من الحياة الفنية إلى أن فوجئت بخبر تحويل فيلمه "الرئيس والمشير" إلى مسلسل " صديق العمر" للسوري جمال سليمان فى دور عبدالناصر و باسم سمرةفى دور المشير عامر، وتحدثت إلي الليثي الذى كان قد ترك مهمة الرد للـ"أنسر ماشين" ويبدو أنه كان يستعد للمغادرة.. وبالفعل رحل الليثي منذ أيام قليلة ولأول مرة أشعر أن عمرو الليثي ضعيف مثل الأطفال لم يستطع منع دموعه من السقوط حتى وهو يتلقى التعازي من علية القوم، وشعرت وقتها أننا فقدنا رغم كل شىء قيمة هامة وشخصاً كان يمتعني فى الدخول المستمر معه فى مساحات مختلفة من المشاغبة.
رحل ممدوح الليثي بعد أن شغل عدة مناصب منها رئيس قطاع الإنتاج بالإذاعة والتليفزيون، نقيب السينمائيين، رئيس مهرجان الأسكندرية السينمائي، رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما، رئيس جهاز السينما، رئيس اتحاد النقابات الفنية.
غادر ممدوح الليثي صاحب أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية أهمها " ثرثرة فوق النيل"، "أميرة حبي أنا".. غادر الليثي بعدما قام بتطليق الشرطة بالثلاثة وخلع بدلة الضابط ليعمل صحفي لعدة سنوات قبل أن يكتشف موهبته فى الكتابة السينمائية والإنتاج.