هناك شيئين واضحين خرجت بهما من مشاهدتين لفيلم American Hustle، الذي بدأ عرضه مؤخراً في دور السينما المصرية، الأول: أن المخرج ديفيد أوراسلأحد أفضل مديري الممثلين في السنوات الأخيرة، والثاني: أنه مخرج جيد ولكنه لا يعرف أحياناً كيف يحكي الحكايات التي يملكها.
النقطة الأولى تدعمها الأرقام: في السنوات الأربعة الأخيرة فقط استطاع «أوراسل» قيادة ممثليه في ثلاثة أفلام لـ11 ترشيحاً لجائزة الأوسكار، عبر أفلام The Fighter، Silver Linings Playbook وهذا العام في American Hustle، مع ثلاثة فائزين: أفضل ممثل مساعد ل كريستيان بيل وممثلة مساعدة ل ميليسا ليو عن The Fighter، وأفضل ممثلة رئيسية ل جينفر لورانسعن Silver Linings.
في American Hustle لا يشذ «أوراسل» عن ذلك، يدفع بالأربعة ممثلين الذين سبق أن عملوا تحت قيادته لأداءاتٍ كبيرة في أدوار مختلفة عن أنماطهم، بيل ولورانس، بالإضافة ل إيمي آدامز و برادلي كوبر، بالإضافة ل جيرمي رانير، لتقوم مشهدية الفيلم على وجودهم، الذي يحاول «أوراسل» استغلاله لآخر ما يستطيع بمشاهد مواجهات متتالية بين الجميع، والحصاد في النهاية كان الترشيحات الأوسكارية الأربعة في كافة الفئات التمثيلية، وهو الإنجاز الذي يحققه «أوراسل» للعام الثاني على التوالي، وهو المخرج الوحيد في تاريخ السينما الذي قاد أبطاله في فيلمين متتاليين للمنافسة على فئات التمثيل الأربعة في الأوسكار.
كل هذا جميل، ولكن قيمة الفيلم المهتزة تأتي تحديداً في خيارات «أوراسل» الإخراجية، الطريقة التي يحكي بها فيلمه عبر ساعتين عرض، وكاريزما ممثليه التي أعاقته في الحقيقة عند الكثير من الأجزاء.
يبدأ الفيلم، ولقرابة النص ساعة، مركزاً على «الشخصيات»، ويبدو متيناً في ذلك، أمر يجيده «أوراسل»، العلاقة بين شخصيتي «بيل» و«آدامز» تحمل الكثير من التفاصيل الصادقة، بدا أنهم «بوني وكلايد» بنسخة سينمائية مختلفة، وكان الأمر جيداً، المشاكل تبدأ بعد ذلك.. مع محاولة «أوراسل» الانغماس في حبكة بوليسية متداخلة، والاستناد على تفاصيل القصة الحقيقية التي جرت في السبعينات.
عند تلك النقطة، يبدأ الفيلم في الانفلات فعلاً، لم يعد يقاد بالحكاية بقدر ما يقاد بكاريزما الممثلين، ليس «الشخصيات»، ولكن «الممثلين» أنفسهم، الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تخص الحبكة لم تعد واضحة، المشاهد تطول جداً بأكثر من حاجتها الدرامية ولأن –كما أظن على الأقل- «أوراسل» يحب أن يجمع أبطاله لأطول وقت ممكن، يصبح فيلم جريمة دون اهتمام كافي بالحدث، يتحرك بحس كوميدي دون أن يكون ما يحدث خفيف الظل فعلاً!
الجانب الآخر من مشكلة الفيلم يكمن في الجانب التقني من إخراج «أوراسل»، ولذلك يتحمل عنه المسؤولية تماماً أكثر من سيناريو العمل، يبدو في هذا الفيلم متأثراً بتراث سينمائي لآخرين، ب مارتن سكورسيزي.. وتحديداً بـ Goodfellas، ببول توماس أندرسون –المتأثر بدوره بـ«سكورسيزي»!- .. وتحديداً Boogie Nights، الكثير من تقطيعات المونتاج أو حركة الكاميرا أو الفلاش-باكات العابرة أو حتى طريقة تقديم بعض الشخصيات والحركة الصاخبة في عالم الفيلم بـDolly In لا يتوقف، كلها يبدو فيها متأثراً بشدة بالفيلمين، شاهد مثلاً الافتتاحية التي يبدأ فيها من مشهد بمنتصف الحكاية قبل أن يعود للأصل –على نمط أفلام «سكورسيزي»-، وشاهد ظهور روبرت دينيرو في مشهده الوحيد والقطع في المنتصف للقطة له وهو يقتل أحد الأشخاص، كل تفصيلة تقنية في إخراج «أوراسل» تتأثر بشدة بـ«سكورسيزي» و«أندرسون».
ما فات «أوراسل» أن فيلمه ليس من تلك النوعية التي يصلح معها إخراجاً صاخباً بتلك الصورة، «سكورسيزي» كان يتحرك في عالم العصابات الإيطالية بأمريكا في Goodfellas، و«أندرسون» كان يتحدث عن صناعة أفلام البورنو خلال السبعينات في Boogie Nights، طريقة إخراج الفيلمين كانت مناسبة للحكاية وللشخصيات الكثيرة العابرة -والجذابة- التي تمر أمام الشاشة طوال الوقت، الأمر هنا مختلفاً، الحكاية والشخصيات والحاجة الملحّة للـ«فوكسة» على التضارب النفسي لأربع شخصيات، بالإضافة إلى التفاصيل الكثيرة في الحبكة الأساسية الممتلئة بالتفاصيل، كل هذا كان بحاجة لطريقة إخراج مختلفة، أهدأ ربما؟ أقل صخباً؟ أقل انقياداً وراء كاريزما الممثلين في مقابل الحكاية؟
بالمجمل، استمتعت كالعادة بإدارة «أوراسل» للممثلين، ولكني وجدته أقل من فيلمه The Fighter، وأقل كثيراً من عمله الرائع Silver Linings Playbook في العام الماضي، كانت خياراته الفنية كمخرج أكثر مناسبة للحكايات في العملين السابقين، أما هنا فقد كان منجذباً لـ«ستايل» إخراجي ولممثليه الأربعة الذين قادوه بدلاً من أن يقودهم.