كل ما لا تعرفه عن «راي هاري هاوزن»: أستاذ المؤثرات البصرية

«كان مهووسًا بالعالم المفقود، كان مهووسًا بكينج كونج، وكنت مهووسًا بالمثل. لذا أخذنا على أنفسنا عهدًا بأننا سنكبر في السن لكننا لن نشيخ أبدًا، سنظل بعمر 17 أو 18 عامًا، وسنحب الوحوش ما حيينا».

راي برادبوري

«شاهدت King Kong أول مرة عن طريق الصدفة. عمتي كانت ممرضة وكانت تعتني بوالدة سيد جورمان، وقد أعطاها ثلاثة تذاكر للفيلم فأخذتني أنا وأمي معها. كان عمري وقتها 13 عامًا.. وعندما خرجت من دار العرض كنت قد أصبحت إنسانًا آخر».

راي هاري هاوزن

القاعدة العامة دائمًا هي أن يتحمس الجمهور للفيلم - أي فيلم - من أجل أبطاله، النجوم والنجمات. هؤلاء هم عامل الجذب الرئيسي للمشاهد، وهؤلاء هم من تصب عليهم مواد الدعاية جل اهتمامها. فى حالات أخرى قليلة يكون المخرج هو عامل الجذب، وقد بدأ هذه الظاهرة المخرج الكبير ألفريد هيتشكوكفى الخمسينات، وتلاه بعد ذلك الكثيرون منهم ستانلي كوبريك و ستيفن سبيلبرج و تارانتينو، وغيرهم.

حالة واحدة فريدة سُجلت في تاريخ الأفلام كله عبر العصور المختلفة عن صانع مؤثرات بصرية تُسمى الأفلام باسمه وتيمنًا به. واحد فقط استطاع أن يجعل من مهنته المثيرة تلك عامل الجذب الرئيسى للمُشاهد.. واحد فقط استطاع أن يجتاز اختبار الزمن بنجاح.. إنه العبقرى راي هاري هاوزن، ساحر المؤثرات البصرية، الوحيد والأوحد.

التلميذ والأستاذ

قديمًا في ثلاثينات القرن الماضى، عندما كان فن السينما نفسه مازال طفلاً، ظهر للوجود فنان مؤثرات بصرية يدعى ويليس أوبراين وقدم فيلمًا حقق نجاحًا منقطع النظير هو King Kongعام 1933. وأضحى ما صنعه أوبراين فى هذا الفيلم وفى فيلم آخر سبقه بسنوات لم ينل نفس الشهرة هو The Lost World عام 1925، هو بداية تدشين فرع مستقل من فروع المؤثرات البصرية يسمى بفن الـ Stop Motion Animation أو التحريك بإيقاف حركة الفيلم.

فى عام 1949، عندما كان ويليس أوبراين متربعًا على عرش التحريك بإيقاف الحركة بدأ في صناعة قرد عملاق آخر لفيلم جديد هو Mighty Joe Young. وقتها قام باستئجار مجهودات شاب كي يعمل معه وتحت إشرافه، هذا الشاب كان اسمه راي هاري هاوزن.

قام الرجلان بعمل رائع فى الفيلم ونالا عليه جائزة الأوسكار في فئة أفضل مؤثرات بصرية. نعم قد لا يكون الفيلم بشهرة أو سمعة King Kong الكبيرة - والسبب فى هذا يرجع إلى القصة بالأساس - لكن تتابعات المؤثرات هنا كانت قد قفزت بفن التحريك بإيقاف الكادر قفزة كبيرة جدًا وشديدة الأهمية.

بعد فترة قصيرة من تاريخ صدور الفيلم بدأ نجم ويليس أوبراين ينطفئ وينزوي. وبدأ نجم آخر في السطوع مكانه هو نجم راي هاري هاوزن. تعلم الرجل أصول حرفة التحريك بإيقاف الكادر ورشفها رشفًا من أستاذه، وما أن جاءت الخمسينات حتى بات واضحًا أن أمجاد المُحرك العجوز قد آلت إلى هذا الشاب، وأصبح بقاء هذا الفن أو فناؤه بين يديه. وقد عاش أوبراين فترة كافية لأن يرى فيها نجاحات تلميذه السابق، إلى أن مات عام 1962. ومن وقتها يعتبر راي هاري هاوزن هو أستاذ وساحر أسلوب التحريك بإيقاف الكادر، وهي المكانة التى لم يتزحزح عنها إلى يومنا هذا.

الآن، وقبل أن نستطرد في سرد تاريخ الرجل، يجب علينا أولاً الإجابة على سؤال مهم هو: ما هو أسلوب الـ Stop Motion Animation أو التحريك بإيقاف الكادر؟

التحريك بإيقاف الكادر هو أسلوب من أساليب الإيهام السينمائية. في هذه التكنيك، يقوم المُحرّك بصنع دُمية أو نموذج مصغر للوحش يتكون من هيكل معدني داخلي له مفاصل متعددة، هذا الهيكل يسمى armature، ويغطى بطبقة من المطاط السميك ويُطلى بالألوان المطلوبة ليكون الشكل النهائي للوحش. بعد ذلك يقوم المُحرّك بتحريك هذه النماذج حركة طفيفة للغاية أمام الكاميرا، يحرّك المفصل ثم يلتقط صورة، يحرّكه أكثر ويلتقط صورة أخرى، وهكذا دواليك.. في النهاية تتجمع مادة بالألاف من الكادرات المتتابعة تحكي قصة ما. وعند الإنتهاء من كل هذا، ومع دوران بكرة الفيلم بسرعة 24 كادر فى الثانية، تخلق الصور إحساسًا لدى المشاهد بالحياة، وكل ثانية تراها على الشاشة هي فى الأصل 24 صورة التقطت للنموذج.

بعد ذلك يتم دمج هذه اللقطات المصورة مع الحركة الحيه للممثلين قى مواقع التصوير بمنظور معين يسمح بتضخيم أبعاد المنمنمة المصنوعة لتصبح وحشًا عملاقًا، وهو ما يخلق خدعًا لا حصر لها. لهذا من الممكن لنموذج صغير لا يتعدى طوله قدم واحد - كينج كونج الأصلى كان ارتفاعه 18 بوصه فقط - أن يظهر أمام الكاميرا كعملاق مخيف رهيب الحجم. يعيب هذه التقنية شيء واحد هو تخشب حركة المخلوق وميكانيكيتها، ففي النهاية نحن نتحدث عن صور ثابتة يتم تجميعها سوياً لخلق الإيهام بالحركة، وهو الشىء الذى دفع بعض المُحرّكين لتطوير الأسلوب إلى ما يسمى بالـ Go Motion Animation، وهى التقنية التى استخدمها صانع المؤثرات فيل تيبيت فى أفلام عديدة مثل ثلاثية Star Wars القديمة.

تكنيك التحريك بإيقاف الكادر كان ذو تأثير كاسح على المشاهدين منذ العشرينات إلى أواخر السبعينات من القرن الماضي. أما الآن فمشاهدة مسوخ راي هاري هاوزن بمشيتها المتخشبة قد يكون غير مقنعًا للغالبية العظمى من المشاهدين، لكنه ممتعًا جدًا لمهاوييس الرجل ويعتبروه المادة التي تصنع منها الأحلام.

كان راي هاري هاوزن هو أستاذ هذا الفن وهو من قام بتطويره إلى أن وصل به لحدوده القصوى فى أواخر أفلامه.

السنوات الأولى

إذا استثنينا عمل راي مع أستاذه ويليس أوبراين فى فيلم Mighty Joe Young، وفيلم آخر وثائقي جمعهما سويًا يدعى The Animal World أنتج عام 1956، قاما فيه بصنع تتابع طوله 10 دقائق عن ديناصورات ما قبل التاريخ - وهو الشيء الوحيد الباقى من الفيلم الآن أما الباقى ففقد - فسنجد أن أول أعماله هو The Beast from 20,000 Fathomsعام 1953، وهو عمل مأخوذ عن رواية لكاتب الخيال العلمى الشهير راي برادبوري صديق راي منذ الطفولة.

تحكى القصة عن وحش قديم يتم إيقاظه من سُباته الطويل من جراء تجارب نووية. ليهجم بعدها على مدينة نيويورك ويعيث فيها فسادًا. الفيلم صُور بالأبيض والأسود وحقق نجاحًا مذهلاً وقتها وكان فاتحة لأفلام مسوخ الخمسينات، وأخذت تتابعات تحريك الوحش فى الفيلم خمسة أشهر من راي للانتهاء منها جميعًا.

فيلم آخر مُبكر لراي هو Million Miles to Earth 20 عام 1957، وفيه قدم الرجل مسخ شبيه بالسحالي قادم فى مركبة فضائية عادت لتوها من كوكب الزهرة، وبعد أن تتحطم المركبة يتحرر المسخ الذي يولد صغيرًا ثم يتضخم سريعًا في الحجم. تم تقديم الوحش وهو صغير لا يتعدى طوله القدم الواحدة، ثم بعد أن تضخم ليصبح بقامة 4 رجال طولاً. أيضاً هناك معركة بين الوحش وفيل، لكن الفيل كان غير مقنع إلى حدٍ ما. هذا كان آخر فيلم لراي هاري هاوزن يتم تصويره بالأبيض والأسود.

فترة الإزدهار

The 7th Voyage of Sinbad| 1958

يأتى التعاون الأول بين راي والمنتج تشارلز شنيير- الذى اشترك معه بعد ذلك فى معظم أعماله - ليخرج لنا فيلم رحلة السندباد السابعة. هذا هو أول فيلم ملون على الإطلاق تستخدم فيه خدع تكنيك إيقاف حركة الكادر، وفيه قدم راي تتابعات لسيكلوب (مخلوق أسطورى نصفه الأسفل ماعز ونصفه الأعلى رجل بعين واحدة فى منتصف جبهته)، وتنين مُقيد بالسلاسل، ورُخ ذو رأسين، وامرأة أفعى بأربعة أذرع، وهيكل عظمي يقاتل بالسيف، كما تضمنت تتابعات التحريك معركة بين التنين والسيكلوب. أخذ الأمر من راي 11 شهرًا كاملاً كى يكمل فيهم مشاهد الوحوش، تلك التى تكلف صنع النماذج لها 76 ألف دولار.

The 3 Worlds of Gulliver | 1960

الفيلم مأخوذ عن الرواية الشهيرة لجونثان سويفت رحلات جيلفر. لا يوجد هنا الكثير من تتابعات التحريك، باستثناء سنجاب عملاق وتمساح فى حجم عقلة الأصبع. معظم مجهودات راي وُجهت لتحويل جيلفر إلى قزم فى أرض العمالقة وعملاق فى أرض الأقزام. بالطبع الفلسفة العميقة فى رواية سويفت تم تدميرها هنا بسبب السيناريو شديد الرداءة، وهذا هو العيب القاتل فى كل أفلام هاري هاوزن كما سنعرف بعد قليل. استخدم فى الفيلم العديد من حيل الكروما والـ Travelling Matte والـ Split Screen خاصةً فى الماسترسين الذى رُبط فيه جيلفر بالحبال في أرض الأقزام.

Mysterious Island | 1961

استطراد لرواية جول فيرن الشهيرة 20000 فرسخ تحت سطح الماء. فيها يحاول كابتن نيمو أن ينقذ العالم من المجاعة باختراع مصادر جديدة للطعام. كجميع سيناريوهات أفلام هاري هاوزن هذا السيناريو شديد الضعف، لكن مُسلي إلى حدٍ كبير. ويكفى أن ترى ما يقدمه هذا الساحر من تتابعات تحريك لمخاوقاته الغرائبية بأستاذية فائقة. هنا يوجد دجاجة عملاقة، وسرطان بحري عملاق، بل ونحل أيضاً، تلك كانت فكرة كابتن نيمو فى حل مشاكل الطعام فى العالم.. تضخيم الكائنات! أيضاً الغواصة الشهيرة نيوتيلس كانت تتحرك بنفس التكنيك وبُنيت بطول 6 أقدام كاملة، وهي واحدة من المنمنمات الضخمة جدًا، بالإضافة إلى الكهف الصخرى الذى كانت تختبئ فيه الذى تم بناؤه من الفلين المقوى.

Jason and the Argonauts | 1963

أشهر أفلام هاري هاوزن وأكثرها تماسكًا من ناحية السيناريو والإخراج والتمثيل وكل شيء. كذلك مشاهد التحريك هنا وصلت لذروتها وتم استخدام أساليب جديدة كلها من إبتكار هاري هاوزن. لأول مرة يدخل العبقرى عالم الأساطير الإغريقية الذى وقع فى هواه على الفور، وظل من حينها يحضر إلى فيلمه الأشهر بعد ذلك صراع المردة الذى ظهر فى عام 1981. قدم راي لنا هنا تالوس، العملاق النحاسي الذى تدب فيه الحياة ويتحرك مُحدثًا صريرًا بشعًا، وطيور الهاربي الإغريقية (طيور بشعة لها رأس امرأة)، وهيدرا بسبعة رؤوس، وكتيبة من الهياكل العظمية التى تقاتل بالسيف (هذا التتابع الأخير هو أكثر التتابعات التى يعشقها راي من بين كل ما صنعة). أخذ الفيلم عامان كاملان لإنجاز تتابعات التحريك الكثيرة والمعقدة التى ظهرت به.. وقامت الشركة المنتجة باستخدام سفينة جيسون مرة آخرى فى فيلم Cleopatraالذى ظهر فى نفس العام، في مشاهد معركة أكتيوم البحرية.

One Million Years B.C.| 1966

الفيلم رقم 100 فى تاريخ إنتاجات شركة هامر البريطانية التى تخصصت فى أفلام الرعب، هذه المرة بعودة مليون سنة إلى الوراء حيث إنسان الكهوف يعيش جنبًا إلى جنب مع الديناصورات، وهى الغلطة العلمية الأفدح. الفيلم كان فاتحة لعدد كبير من الأفلام تناولت ذات الموضوع بعد ذلك، وإن ظل هو أفضلها وأكثرها خلودًا. بالطبع كانت الفرصة هنا سانحة لراي كى يصمم تشكيلة متنوعة من الديناصورات، وهي وحوش راي المفضلة. أتى أفضلها معركة بين سيراتوسوروس - ديناصور لاحم – وتريسيراتوبس عاشب. هناك أيضًا تتابع جميل ومُثير للغاية لاثنين من رجال الكهوف من قبيلتين متنافرتين يوحدهما صراعهما مع ديناصور شرس وجائع للغاية. بالإضافة إلى زواحف مجنحة، سلحفاة عملاقة، سحلية عملاقة، والمزيد.. باختصار هو متعة كبيرة لعشاق هذا الضرب. النهاية بالبركان الإجباري فى هذا النوع من الأفلام (الذى كان نموذجًا مصغرًا بدوره)، والذى يضع حدًا لجميع الصراعات ويحل عقدة الفيلم.

عيبٌ قاتل

مشكلة أفلام راي هاري هاوزن ونقطة ضعفها الأساسية هي السيناريو، السيناريو شديد الضعف والابتذال. كُتاب هذه الأفلام يأتون من أسفل المراتب، والسيناريوهات نفسها لم تتعد كونها محاولة للربط بين معارك الكائنات الأسطورية المُحددة سلفًا، ولا تشعر أن الكاتب قد بذل أي مجهود ليلفق شيئًا خلّاقًا.

الشيء الوحيد المهم كان هو تتابعات التحريك - تلك التى تلتهم معظم ميزانية العمل - ثم بعد ذلك لا تقوم شركة الإنتاج صرف مليم آخر على كاتب سيناريو حقيقى محترم. لذا دائمًا ما تظهر معظم كلاسيكيات هاري هاوزن بازدواج عجيب. فهى من ناحية المؤثرات البصرية شيء فذ وشديد الروعة، والمتعة الوحيدة الحقيقية هو مُشاهدة تحريك هاوزن الفذ لمسوخه، أما من ناحية الدراما والدوافع ورسم الشخصيات ومسار الأحداث فهي شيء ساذج تمامًا وشديد البلاهة. الناقد الأمريكى بيتر نيكوللز علق على ذلك في كتابه الشهير السينما الخيالية وقال: «إن أفلامًا من هذا النوع هى أعمال بارعة للغاية، لكنها في نفس الوقت فجة نسبيًا».

بعض الإخفاقات

First Men in the Moon | 1964

رواية عظيمة لـ هربرت جورج ويلزتتحول هنا لمجرد كوميديا بلهاء. حيث القمر به نباتات وغلاف جوى وتسكنه مخلوقات حشرية وآخرى تدعى عجول القمر، هذا مع الكثير من الأخطاء العلمية القاتلة كانتقال الصوت فى الفراغ. لا ننكر أن كل هذا كان فى الرواية الأصلية فعلاً، لكننا نعيب هنا على المعالجة التى حولت الخيال الجامح الراقى لويلز إلى شيء أبله تماماً. بالتأكيد لا يستحق المشاهدة إلا لرؤية تتابعات تحريك هاري هاوزن، التي كانت قليلة بالمناسبة.

1969 | The Valley of Gwangi

كان من المفترض أن ينتج هذا الفيلم عام 1942 بواسطة شركة RKO، وكان وقتها يحمل عنوان وادي الضباب. ويليس أوبراين كان من سيقوم بصنع ديناصورات الفيلم، لكن الميزانية لم تكن كافية وقتها لذا تأجل المشروع كثيرًا حتى عام 1969. تحكى القصة عن مجموعة من رعاة البقر يكتشفون وادي مازالت الديناصورات تعيش فيه، تنويعة آخرى على تيمة الأرض التي غفل عنها الزمن. يقوموا باصطياد أحدها وهو ألوسورس ضخم - أفضل تتابعات الفيلم هي تلك التى يربطونه فيها بالحبال - ثم يعودوا للمدينة حيث يهرب ويدمر كل شىء قبل أن يُحاصر داخل كنيسة وتحرق وهو بداخلها. نفس فكرة كينج كونج التى أعيدت عشرات المرات قبل ذلك واستهلكت للغاية، وهو ما أدى إلى فشل الفيلم جماهيريًا وقتها. لكن للإنصاف يجب أن نقول أن كلٍ من النقاد والجمهور اعترفوا بعد ذلك أن هذا أكثر فيلم لهاوزن لم ينل حقه. التمثيل هنا كان جيد جدًا، والسيناريو مترابط ومحبوك بحرفية. أيضًا مشاهد التحريك كانت فائقة في كل شيء. من وحوش الوادى الملعون أيضًا ديناصور عاشب، سحلية صغيرة، زاحف مجنح، وحصان بطول قدم واحد يدعى إيوهيبس. الفيلم ضم 400 لقطة تحريك، وكان هذا هو الرقم الأضخم وقتها.

التأثير الساندوتشي

الـ Dynamation، هذا هو ما أطلقه راي على الأسلوب الذى ابتكره واستخدمه فى فيلم Jason and the Argonauts. وهو الأسلوب الذى ظل قاصرًا عليه بعد ذلك. فى هذه الطريقة يستخدم هاوزن كل قدراته ومهاراته في الجمع الرؤيوي ما بين الحركة الحية والتحريك بالكادر الثابت بأن يُقدِم حركة حيه فى خلفية المشهد بتقنية تعرف بالـ Rear Projection، ثم نموذجًا متحركًا فى المنتصف، ثم Matte في مقدمة الكادر (الماتى هو الرسم على زجاج أو حجب جزء من زجاج شفاف يوضع أمام الكاميرا بملصق أسود كي لا يتعرض الفيلم الخام للضوء، وكان يستخدم في خلق الخلفيات والعديد من خدع فصل الصور الأخرى قبل عصر الـ CGI). الأمر الذي يؤدى إلى تجسيم المشهد بدرجة كبيرة عن ذي قبل (شاهد الصورة المرفقة مع المقال لمزيد من التوضيح).

انبهر الجميع بهذه الميزة الجديدة فى الديناميشن، وهذا "التأثير الساندوتشي" الذى يزيد جدًا من مستوى الإيهام بالواقعية. وبالتأكيد كان هذا أقوى بكثير من أن تُحرك النماذج أمام خلفية حيه مُسطحة فقط. هذه واحدة من ابتكارات العبقري راي هارى هاوزن الخاصة.

الصحوة الأخيرة

The Golden Voyage of Sinbad | 1973

يعود راي لعالم ألف ليلة وليلة من جديد أملاً فى تحقيق نجاح غاب عنه طويلاً من خلال فيلم رحلة السندباد الذهبية. وبالفعل يتحقق أمله ويحقق الفيلم أكبر نجاح تجاري بين جميع أفلامه، بل أنه حتى فاق نجاح فيلمه السابق عن نفس الشخصية رحلة السندباد السابعة على الرغم من أنه تكلف 982 ألف دولار فقط. يقدم راي فى هذا الفيلم خليطًا من المسوخ ليست كلها من أساطير عربية، بل هناك أيضًا مسوخًا هندية وإغريقية. بدءً بالإلهة الهندية كالي ذات الستة أذرع والتي تدب فيه الحياة وتحارب بالسيوف، مرورًا بقنطورس إغريقى متوحش، وانتهاءً بعنقاء عملاقة من الأساطير العربية. تضمنت مشاهد التحريك أيضًا معركة شرسة بين القنطورس والعنقاء.

1981 | Clash of the Titans

أضخم ميزانية تتاح لفيلم من أفلام راي على الإطلاق. 16 مليون دولار كاملة. أيضًا مع وجود نجوم من العيار الثقيل فى فريق العمل مثل لورانس أوليفييه، بيرجيس ميرديث، وماجى سميث فى سابقة هي الأولى من نوعها. تتابعات مسوخ هاوزن كانت ممتازة لكن الإبهار كان قد بدأ يقل كثيرًا فى هذا الفيلم، والسبب ليس ضعف التنفيذ، ولكن لأن رحلتنا قد وصلت الآن إلى الثمانينات. وفن التحريك بإيقاف الكادر كان قد شارف على الإنقراض وحل محله العديد من الأشياء الأخرى كالأنيماترونك والـ Go Motion، وبعدها بفترة ليست كبيرة أتته الضربة القاضية من الـ CGI أو الكمبيوتر جرافيك الذى قضى عليه نهائيًا.

16 شهرًا كاملة قضاها هاري هاوزن في صنع تتابعات تحريك آخر وأفضل مسوخه على الإطلاق.. الحصان المجنح بيجاسوس، الكراكين، عقارب عملاقة، والميدوسا الرهيبة، المرأة البشعة التي وردت فى الأساطير الإغريقية والتي تحيل نظرتها الإنسان إلى حجر، وشعرها عبارة عن عشرات الثعابين السامة.

ميراث الذهب

بعد مضي أكثر من 22 سنة على آخر أعماله، وبعد حصوله أخيرًا على جائزة الأوسكار الشرفي الخاص عام 1992 عن مجمل إنجازاته فى مجال المؤثرات الخاصة، وبالتحديد فى عام 2002.. قام المُحرّكان الشابان سيموس والش و مارك كابلرو فى مساعدة راي هاري هاوزن فى إكمال أحد مشاريعه التى كان قد بدأها فى عام 1952 وهو فيلم The Story of the Tortoise & the Hare. قام والش وكابلرو بإعادة توضيب الدُمى التى صممها هاري قديمًا، وأعادوا طلائها من جديد تحت إشراف الأستاذ بالطبع، وأكملوا الفيلم. واستطاعوا به أن يقتنصوا جائزة Annie كأفضل فيلم قصير.

وفى عام 2007 يقدم لنا هاري هاوزن كمنتج هذه المرة وأيضًا كمشرف على المؤثرات فيلمًا قصيرًا آخر بعنوان The Pit and the Pendulumوهو مأخوذ عن قصة رهيبة وشهيرة جداً لإدجار آلان بو سبق أن قدمت فى السينما مرتين الأولى عام 1961 والثانية عام 1991. يمزج الفيلم بين الكمبيوتر جرافيك وفن التحريك بإيقاف الكادر بشكل فريد. ومع موسيقى تصويرية أستاذيه وإضاءة أكثر من رائعة وبصمة هاوزن التي لا يمكن أن تخطئها، نجح الفيلم فى خلق أجواء كابوسية حقيقية فاقت تلك الموجودة في الفيلمين الطويلين السابقين، ليكون هذا آخر ما قدمه لنا الأسطورة هارى هاوزن الذى اعتزل المهنة بعد ذلك مباشرةً، وتفرغ لترميم مجسماته القديمة، وكتب أكثر من كتاب يحكى فيهم تاريخه وخبراته في عالم التحريك بإيقاف الكادر، قبل أن يرحل في هدوء في 7 مايو سنة 2013 بعد أن ترك بصمته على جيل كامل من صناع الأفلام.

راي هاري هاوزن ومسوخه الأيقونية:
link]

تحية إلى راي هاري هاوزن :
link]

المصادر:

السينما الخيالية، بيتر نيكوللز، ترجمة مدحت محفوظ. الألف كتاب الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

أنواع الفيلم الأمريكي، ستانلي سولومون، ترجمة مدحت محفوظ. الألف كتاب الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

Ray Harryhausen: An Animated Life

The Art of Ray Harryhausen

الفيلم الوثائقي Ray Harryhausen: Special Effects Titan, 2011