من ضمن الأفلام الأكثر جدلًا ونجاحًا من الناحية المادية والفنية هذا العام هو فيلم " الفيل الأزرق" للمخرج مروان حامد والروائي أحمد مراد، ليس لأنه فقط فيلمًا اتخذ نمط متقدم من المؤثرات الصوتية والبصرية ولكن لأنه يعد من الأفلام القليلة التي قدمت رحلة غريبة في خفايا النفس البشرية والعالم الأخر، فقد تجمعت كل عناصر النجاح فى الفيلم على مستوى القصة والسيناريو والأداءات التمثيلية أيضًا، من خالد الصاوي و كريم عبد العزيز وقدم الموسيقار هشام نزيه، خلفية صوتية وموسيقية أكثر من رائعة تلائم أجواء الفيلم غير العادية، أما على صعيد الإخراج فيعد واحدة من أفضل الأفلام المصرية من ناحية الإخراج بجانب " الجزيرة" و" ولاد العم" و" أرض الخوف".. كلها أسباب حجزت مكانة كبيرة للفيلم هذا العام، وجعلت البعض يصنفه كـ"نقلة" في تاريخ السينما المصرية، وبداية جديدة للدراما الروائية، وبالفعل حقق الفيلم نجاحات كبيرة في الوطن العربي وتجاوزت إيراداته في مصر فقط أكثر من 30 مليون جنية مصري.
ولكن هل كل هذه العوامل والمقومات تجعل الفيلم صالحًا للترشح إلى جائزة "أوسكار" كأفضل فيلم أجنبي؟
بالطبع لا فهناك أسباب عديدة تجعل الفيلم بعيدًا عن الوصول للتصفيات النهائية لأفضل فيلم أجنبي، أسباب جعلت القائمين على السينما المصرية يفضلوا "فتاة المصنع" وإن كان أقل بكثير من "الفيل الأزرق" من ناحية الإمكانيات.
1- نمطي من نواحي اﻹبهار..
لا شك أن الشكل العام للفيلم كان مبهرًا للجمهور العربي والمصري من كافة النواحي الفنية والإخراجية، ولكن مثل هذا النوع من الأفلام يصدر منه مئات النسخ باختلاف الأسامي في كل عام، فلا اتذكر يومًا أنه مر علينا عامًا سينمائيًا دون فيلم رعب أو فيلم يغوص في العالم الأخر وعالم الجن.
صحيح أن الحبكة في "الفيل الأزرق" كانت فريدة من نوعها ومختلفة، فمعظم الأفلام الأمريكية خاضت في عالم الجن من ناحية المس فقط، ولكننا لم نرِ من قبل فيلمًا يغوص في خفايا هذا العالم، ويأخذك في رحلة ممتعة حتى ولو كانت قصيرة، ولكن بشكل عام هذا النوع من الأفلام موجهة لإبهار الوطن العربي فقط، ومن الصعب أن تقدم شيئًا جديدًا لمشاهد أجنبي.
2- مؤثرات بعيدة..
مؤثرات الفيلم كانت محط جدل واسع وكبير بين الجمهور المصري، حيث لقى إشادات واسعة جعلت الفيلم عالمي، وجعلت البعض أيضا يعتبر الفيلم منافسًا للأفلام الأجنبية في هذه الفئة، ولكن تعتبر مؤثرات الفيلم أقل بكثير من المؤثرات المستخدمة في أفلام هوليوود، ولن يجد بها المشاهد الأجنبي شيئًا جديدًا، وإن كانت مؤثرات بهذا الشكل وبميزانية 25 مليون جنيه تثبت تفوق صناع الفيلم على أنفسهم.
3- ضعف مكانة أفلام الخيال..
تعتبر أفلام الخيال العلمي والفنتازيا من الأفلام التي لا تلقى قبول نقاد الأكاديمية، فدائمًا ما نسمع أن فيلمًا معينًا حقق نجاحات واسعة في العالم، وجمع إيرادات ضخمة تم تجاهله لأنه فقط قُدم في صورة الخيال العلمي، وخلى تمامًا من الدراما القوية.
وعلى الرغم من إدخال الدراما بشكل قوي في هذه الأفلام خاصة أفلام المخرج كريستوفر نولان، إلا أنها مازلت تلقى الكثير من التجاهل والسخط من الأكاديمية.
4- ضعف العمق الدرامي..
لا انكر أن الفيلم احتوى عمقًا دراميًا، لكنه لم يكن بهذه القوة التي تجعل الفيلم يصل إلى منصات التتويج، فمعظم الأحداث الدرامية بالفيلم قد حدثت بالفعل قبل بداية أحداث الفيلم، وجاءت في صورة سرد صاحبها لها، كما كان يحكي لنا "يحيى" عن زوجته وابنته وعما حدث لهم، وكذلك قصة حبه التي عادت للحياة مع "لبنى" ولكن الدراما الملموسة غابت بصورة كبيرة عن الفيلم.
5- مبهم قليلاً..
ربما إذا لم تكن من محبي القراءة والروايات فلن تمر عليك رواية "الفيل الأزرق"، ولكن الفيلم من المؤكد أنه سيمر عليك، وقد تشعر حينها ببعض الإبهام والضياع خلال أحداث الفيلم مع ضعف ربط الشخصيات وربط الأحداث ببعضها، وهذا يرجع بالطبع إلى عدم قراءتك للرواية والتي ستسهل عليك كثيرًا أثناء مشاهدة الفيلم.
إذا لم تصدق جرب ذلك، أذهب إلى دور عرض وتابع ردود الفعل حولك، فستجد من لا يفهم الفيلم، ومن يتابع بتركيز لكي يفهم، ومن يجد سهولة كبيرة في فهم أحداث الفيلم، ولذلك الفيلم كان بحاجة إلى مزيد من التوضيح والربط بين الأحداث، فليس كل قارىء متابع للأفلام، وليس كل متابع للأفلام قارىء.
ورغم كل ذلك يبقى الفيلم تجربة فريدة من نوعها لنا كجمهور عربي قدمت لنا وجبة سينمائية دسمة نادرًا ما تتكرر.