تيمة (السمكة خارج الماء) هي واحدة من عشرات التيمات الدرامية التي تم استغلالها في كافة الفنون الدرامية، لكنها تظل رغم ذلك من أكثر التيمات شعبية ونجاحًا، لأنها تعد المشاهدين بمادة ثرية من المفارقات التي يجد البطل نفسه في قلبها، والتي تعتمد في الأساس على الفروق الشاسعة بين البيئة التي اعتاد التواجد فيها، وبين البيئة الجديدة التي يقبل عليها البطل، وهو ما ينسحب بالتأكيد على أي عمل سينمائي يتعرض لشخص ريفي أو صعيدي ينتقل للعيش في المدينة.
لكن ما هي المنابع التي يستقى منها صناع فيلم ( واحد صعيدي) تصورهم الفكاهي عن رجلهم الصعيدي فالح عبد السميع فالح ( محمد رمضان)، هذا إن لم تكن نفس المنابع التقليدية والمستهلكة التي اعتمدت عليها عشرات الأفلام من قبل ما بين التصورات الذهنية المحفوظة سلفًا عن الحياة في صعيد مصر، وعشرات النكات التي تبدأ بجملة "مرة واحد صعيدي ...." أو "مرة واحد بلدياتنا ...." والتي اعتاد فناني المنولوجات على إلقائها، ومئات الرسوم الكاريكاتورية على نفس الشاكلة.
وعلى فرض أن صناع الفيلم كانوا يبحثون عن مدخل جديد لشخصية الصعيدي بعيدًا عن كل المصادر السالفة، فلماذا لا يختلف "فالح عبد السميع" في الثلث الأول من الفيلم في شيء عن حسنين البرطوشي ( عادل إمام) في فيلم المتسول، مع الوضع في الاعتبار أنه يفترض كونه في الأحداث شاب متعلم وتخرج لتوه من كلية الحقوق، فما الذي يدفعه للتصرف وكأنه لم يخرج يومًا من قريته، ولم يتعامل مع أي نوع من أنواع البشر خارج القرية، لدرجة أن يمد ساقيه نحو الكرسي الأمامي بكل أريحية في الميكروباص بينما يقضم ما يحمله في يديه من طعام وكأنه جالس في إحدى حقول القصب.
كما أن الفيلم يمعن لأقصى حد في التأكيد على المفارقة بين عالم فالح والعالم الجديد الذي يتوجه إليه، فبدلا من الذهاب إلى القاهرة أو أي مدينة أخرى كعادة الغالبية، فلماذا لا يذهب إلى إحدى المنتجعات السياحية في العين السخنة على سبيل تغيير المشهد العام، وحيث توجد "المُزز اللي بيرضعوا كراميل"، حيث "يهيص" بينهم كما يحلو له، وفي حضرة أربع فاتنات، ثلاثة منهن يحملن اسم سماح ( نيرمين ماهر/ راندا البحيري/ إيناس النجار)، وهو ما ينبني عليه عقدة الفيلم الواهية.
أما لماذا كانت العقدة واهية؟ لأن الإجابة متوقعة منذ البداية مثل إجابات ألغاز المفتش كرومبو، فالمستهدفة بالتأكيد من عملية القتل التي عرف فالح أمرها بالصدفة هى سماح المذيعة، خاصة في ظل استضافتها للرجل الذي ينوي كشف العملاء والجواسيس كالعادة وبالمستندات، وليست بالتأكيد سماح المطربة، أو سماح الشابة الغاضبة من خطيبها، ولأن الإجابة معروفة سلفًا، كان على صناع الفيلم أن يقوموا بعدة مناورات درامية ساذجة لكي تدفعنا للشك في اتجاه سماح رقم 2 وسماح رقم 3.
علي سبيل المثال، حدث عدة مرات مع سماح رقم 2 ( راندا البحيري) خلال أحداث الفيلم أنها تشعر بوجود من يراقبها أو من يحاول فتح باب غرفتها عنوة، وينتهي الأمر في كل مرة بلا شيء، وبالتالي فإن الظن الأغلب كان الغرض الوحيد من هذه المشاهد هو محاولة دفع الجمهور للشك أن من ستتعرض للقتل قد تكون هي.
المثير للسخرية أنه في المشهد الذي من المفترض أن يحاول من خلاله "فالح" أن يعرف هوية القاتل، ويتنكر خصيصًا لهذا الغرض، يضرب فجأة صفحًا عن التنكر الذي أجهد نفسه فيه، وعن الخطة التي وضعها بنفسه بمجرد انطلاق إحدى المهرجانات الشعبية، ليقوم بالرقص والمشاركة في غناء المهرجان على المسرح، وعلى مرأى ومسمع من جميع حضور الحفلة.
هذا عن منابع الفيلم، فماذا عن منابع محمد رمضان الأدائية؟ إن أدائه في المحصلة النهائية يأتي كهجين غريب من عدة أداءات سابقة لا تخطئها العين، ومن تفاصيل متناثرة شرقًا وغربًا يحاول جاهدًا أن يجعلها متماسكة ككتلة واحدة، فهو يحمل مزيجًا من عبد العال ( أحمد بدير) في ريا وسكينة، والبرطوشي (عادل إمام) في المتسول، وكتكوت ( محمد سعد) في فيلم كتكوت، وعبد السميع ( أحمد زكي) في البيه البواب، وهو ما يعني أن منهج الاعتماد على المحفوظات المعتادة عن الصعيد ليس قاصرًا على أحد، وإنما هو مسئولية جميع من شاركوا في الفيلم.