ضمن عروض قسم مهرجان المهرجانات في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قام المهرجان بإعادة عرض أخر أفلام المخرج الكندي دافيد كروننبرج " Maps to the Stars"، الذي عرض من قبل في مهرجان كان السينمائي الدولي منذ بضعة أشهر، وحازت بطلته الرئيسية جوليان مور على جائزة أفضل ممثلة من نفس المهرجان.
هذه المرة يدخل كروننبرج بصحبة السيناريست بروس واجنر إلى عش الدبابير، وهو هنا المجتمع الهوليوودي، وعلى الرغم من كونه ليس بأول مخرج يحاول تناول هذا العالم سينمائيًا، إلا أنه لا يقدمه على نحو ساخر مثلما فعل روبرت ألتمان في The Player، أو حتى على نحو غرائبي وحالم كمثل ما قدمه دافيد لينش في Mulholland Drive، بل أنه يقتحمه على نحو صادم ومربك لكل من يشاهده للوهلة الأولى.
يقدم كروننبرج حكاية تتشابك فيها الأطراف والشخصيات، لكنها سهلة في تتبعها ومتابعتها، تتركز جميعها حول فكرة واحدة تقريبًا بتنويعات مختلفة، والتي ربما يمكن اختزالها في مدى تأثير تركة الماضي الثقيلة على الصورة الاجتماعية التي قد يستميت المرء في الدفاع عنها حتى أخر رمق، وما قد يفعله المرء في سبيل ذلك أو للهروب من تركة الماضي وإحباطات الحاضر.
هافانا سيجراند (جوليان مور) تحاول طوال الوقت الفرار من حقيقة انزواء نجوميتها والمقارنة المستمرة التي يعقدها الجميع في المجتمع الهوليوودي بوالدتها النجمة كلاريس تاجرت التي توفيت في حادثة حريق، وذلك عن طريق الجنس تارة، ومساعدة صديقها المعالج ستافورد وايس ( جون كيوزاك) تارة آخرى، ورفقة مساعدتها الجديدة أجاثا ( ميا فاشيكوفسكا).
لذا، فإن الفرصة السينمائية غير المؤكدة التي تلوح في الأفق لكي تقوم بنفس الدور الذي قدمته أمها في إعادة إنتاج جديد لنفس الفيلم القديم تصير "قشة الغريق"، التي تحاول السعي إليها بعد أن تصير الساحة مفتوحة أمامها، والتي ربما تحاول من خلالها أن تبعد شبح المقارنة بينها وبين أمها عن طريق تقديم الدور بطريقتها الخاصة، وربما قد يوقف ذلك الزيارات المستمرة لشبح أمها التي تقض مضجعها وتضعها أمام مخاوفها التي تحاول الهروب منها.
على الجانب الآخر، يحاول صديقها المعالج وخبير التنمية الذاتية ستافورد وايس الحفاظ على صورته اللامعة في عيون الرأي العام، وهو ما يجعله يزيح أي شيء بمقدوره أن يشوه هذه الصورة، لذلك ليس بالغريب أن يقوم بإزاحة ابنته المختلة نفسيًا "أجاثا" من الصورة تمامًا، حتى لو أدى الأمر إلى إصداره أمر من الشرطة بعدم تعرضها له وللعائلة.
وفي المقابل، يحاول ستافورد وزوجته الدفع بابنهما الصغير بنجي (إيفان بيرد) في صدارة الصورة، مستغلين في ذلك نجوميته الناشئة في السينما لتكون تعويضًا عما بدر من الابنة الكبري في الماضي، ومن أجل تدعيم الصورة البراقة للأسرة السعيدة التي تمتليء بالعورات الخفية.
لكن جزء كبير من ثقل الفيلم يعتمد على الرابطة التي تجمع كل من "بنجي" و"أجاثا"، وعلى ما يفعلانه مع الناس من حولهما كل على حدة، والتي لا تقل صدمة بالتأكيد عما نراه من أمر "هافانا" والزوجين "وايس"، وربما تكون مشاهد النهاية هي خير دليل على كل ما يمكن قوله في ذلك.