"السحر الذي كان يغمر كل شيء، ذهب بلا رجعة"
جاك كويل، ناقد سينمائي | أسوشيتد برس
نحن مواليد الثمانينات والتسعينات عاصرنا طرح ثلاثية سيد الخواتم في دور العرض في عُمرٍ مثالي لتصبح هي Star Wars جيلنا... ولتحتل ركنًا خاصًا جدًا من أحلامنا وخيالنا، بل ربما تكون قد ساهمت في تغذية هذا الخيال من الأساس. لذا عندما سمعنا منذ سنوات بأن New Line Cinema تنوي تقديم رواية الهوبيت في ثنائية (تحوّلت بعدها إلى ثلاثية)، ثم اتفاقهم مع بيتر جاكسون ليخرجها (قبلها كان جيلموريو ديل تورو من سيتولى المهمَّة)، فتحنا عيوننا وقلوبنا على اتساعهم وذهبنا جميعًا إلى دور العرض بآمالٍ عريضة، مسحورين ومنومين مغناطيسيًا ومستعدين لتقبُّل أي شيء يعرض أمامنا... كنا مستعدين للتهليل المُتسرِّع، وهو ما حدث بالفعل.
لكن الحقيقة العارية التي باتت واضحة للجميع بعد نزول آخر فصل في الملحمة، هي أن ثلاثية الهوبيت قد تكون مُمتعة بالفعل، لكنها لا يَصح أن تُقارن بسيد الخواتم من الأساس... ومثلما حدث قديمًا مع ثلاثية Star Wars لم تأت الثلاثية التالية بنفس القوّة، أيضًا لأنها لم تكن تمتلك قوة الدفع السرديَّة التي كانت في الأفلام الأصلية. مشكلة أفلام الهوبيت الرئيسية هي في فقدانها للتكثيف الدرامي على مستويين... مستوى طول الملحمة، ومستوى الحكاية نفسها.
بالنسبة لطول الملحمة، هذا ما يحدث بالتأكيد حينما تُحوِّل كتاب واحد إلى ثلاثة أفلام (في مقابل ثلاثة كتب إلى ثلاثة أفلام مع سيد الخواتم)، بالتأكيد ستلجأ للحشو الذي لا داعي له، ستلجأ للتطويل ولإضافة شخصيات وأحداث لم تكن في الرواية الأصلية كي تمط بها فيلمك، وكنتيجة حتميَّة لهذا سيترهل الإيقاع، وستفقد اهتمام المُشاهد في لحظاتٍ كثيرة، حتى لو ملأت عيناه على أخرهما بالتأثيرات البصرية المبهرة.
أما على مستوى الحكاية ذاتها، فهذا أمر خارج عن إرادتك كمخرج، أنت ترتكز في الأساس لكتاب ليس بقوة روايات سيد الخواتم. الهوبيت ليست ملحمة أبدًا ولن تكون، بل هي إلى "حدوتة" أطفال أقرب، ولا شيء يعيب في هذا. المشكلة أنك قدمت للجمهور الوجبة الدسمة في البدء، ثم تبعتها بالمقبلات، وليس العكس... لذا كان لابد أن يعقد المشاهد مقارنة بين القوة الدرامية للعملين والشحنة الانفعاليَّة فيهما، مقارنة تصب في صالح سيد الخواتم بكل تأكيد... مقدار الإحساس بالرهبة، والتوحد مع الشخصيات، والتوتر، والانفعلات... كلنا ذرفنا دموعنا مع لحظة توهُّمنا بموت جاندلف في الجزء الأول من سيد الخواتم، كلنا شعرنا بالفاجعة وشاركنا رفقة الخاتم أحزانهم... لكن من منّا ذرف دمعه واحدة على ثورين أوكنشيلد ورفاقه وهم يذبحون بقسوة على يد آزوج المدنَّس قائد جيوش الأورك ورجله الأول بولج؟ أعتقد لا أحد، على الرغم من كونها نهاية موفّقة جدًا للفيلم (ربما من الأشياء القليلة الجيدة فيه)، لكن حتى مع جودتها لم تتمكن من الاستحواذ على مشاعرنا كما يجب... الحائل الذي وقف بيننا وبين التوحد التام معهم هو الافتقار للتكثيف الدرامي في السرد، الشخصيات نفسها ليست بثقل شخصيات الملحمة الأولى وكاريزماتهم.
على مستوى المعارك، لم تخرج معركة الجيوش الخمسة بذات قوة معركة بيلينور فيلدز من الجزء الثالث، ناهيك عن معركة هيلمز ديب من الجزء الثاني الأفضل بين جميع معارك الأفلام الستة... في معركة هلمز ديب نجح التحضير المتأني والشحن البطيء في جعل كل شعرة في جسدنا تنتصب من القشعريرة، وكان للمطر والتصوير الليلي دور أساسي في تغذية الإحساس بالرهبة بشكلٍ كاسح. لم يكن هذا الحال مع معركة الجيوش الخمسة، التي كانت بالمناسبة أقوى بصريًا بكثير... لكنها دراميًا لم ترق حتى لنصف ما كانت عليه معركة هلمز ديب.
في المقابل جائت المعارك الفردية في الفيلم الجديد هي الأقوى على الإطلاق، والأكثر ابتكارًا من بين كل ما قُدِّم. ثلاث معارك فردية بالأسلحة وبالأيدي بين الجنيَّة تاوريل وبلوج، والقزم كيلي وبلوج، وليجولاس وبلوج في معركة مطوَّلة، ثم أخيرًا بين ثورين أوكنشيلد وأزوج المُدنَّس.. من الممكن أن أكتب مقالًا كاملًا عن جودة تلك المعارك الأربعة، لكن المجال هنا لن يسمح، لذا أُسجِّل هنا فقط أنهم بالفعل من أفضل ما شاهدت.
من اختيارات بيتر جاكسون السيئة أيضًا في الثلاثية الجديدة هو ختام الجزء الثاني وافتتاحية الجزء الثالث. لا أعرف ما الداعي لبتر محرقة سموج للمدينة من الجزء الثاني، وافتتاح هذا الجزء بها، وكأننا نشاهد إحدى حلقات الـ Cliffhanger الرخيصة التي اشتهرت في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. ماذا كان سيضير الفيلم إذا افتُتح بمحاولة لملمة الشتات بعد سقوط سموج؟ البتر في الجزء الثاني كان لا لزوم له، وإضافة دقائق أخرى إلى الجزء الثالث لم يخدم الفيلم في شيء، بل زاد من ضعفه... كان هذا اختيارًا سيئًا أضر كثيرًا بالجزئين.
إجمالًا، الهوبيت قد تكون ثلاثية ممتعة، أفضل أجزائها الجزء الأول، وأضعفها الجزء الثاني، بينما يقع الثالث في المنتصف. الجزء الثالث فيلم جيد، لكن مع ربطه بسابقيه ومحاولة الخروج بتقييم واحد للسلسلة ككل، نستطيع أن نقول أنها عمل مقبول ليس إلا... أكثر ما أعطى رونق لهذا الجزء هو استغلال بيتر جاكسون للحنين الذي نحمله في قلوبنا لثلاثية سيد الخواتم، وتوظيفه بشكل جيد جدًا بالذات في تتابعات الختام... أعتقد أن نجاح ثلاثية الهوبيت يرتكز بالكامل على ما تثيره في هذا الجيل من حنين، لكن من قال أن الحنين وحده يكفي لصنع عملًا خالدًا.
سمعت مؤخرًا أن هناك نيّة لإنتاج ملحمة The Silmarillion - الحكايات المفقودة للأرض الوسطى - في ثلاثية جديدة، لكنّ الخبر لم يؤكد بعد. أتمنى من كل قلبي ألا يحدث هذا، على الأقل ليس الآن... أعتقد أن الجميع قد تشبَّع من عوالم تولكين، وأي إضافة أخرى قد تسبب المزيد من الأذى أكثر بكثير مما قد تفيد.