مع كون الكوميديا من أهم نوعيات الأفلام التي اعتمدت عليها السينما المصرية خاصة في الفترة التي تلت صعود محمد هنيدي و علاء ولي الدين في منتصف التسعينات، إلا أنها كانت في الكثير من الآحيان دائرة في فلك مجموعة من المعادلات التي أثبتت نجاحها كثيرًا من قبل على الرغم من التنوع الشاسع للغاية في أنواع الكوميديا ومساحة التجريب الهائلة التي يمكن بها تقديم أي فكرة مهما كانت صعوبة استيلاد المواقف الكوميدية منها ومهما كان جموحها.
تمرس كاتب السيناريو عمرو سمير عاطف لسنوات طويلة في صناعة الكوميديا وخاصة من خلال مسلسلات كوميديا الموقف (Sitcom) والتي كان يسير من خلالها على النهج الذي تقدم في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه من خلال أحدث أفلامه ( الجيل الرابع) للمخرج أحمد نادر جلال، كان ينشد تقديم معادلة جديدة في الكوميديا، على الأقل بالنسبة لما تقدمه السينما المصرية، وهو ما دفعه بالتالي للتعاون مع ثلاث كتاب عملوا من قبل في مجالات كتابة مسلسلات كوميديا الموقف والقصص المصورة ( محمد حماد، محمد إسماعيل أمين، أنديل) من أجل البحث عن هذه المعادلة الجديدة.
منذ اللحظات الأولى التي نستمع فيها إلى قائمة الاتهامات الطويلة الموجهة لأبطال الفيلم الأربعة رامي وهاني ومعتصم والجوب ( أحمد مالك، خالد أنور، علي إسماعيل، مارك حجار) وبعدها نعود مرة أخرى إلى نقطة البداية حتى ندرك أن الفيلم يحقق لنفسه منطقًا كاريكاتوريًا يسمح بحرية شديدة في الكثير من اﻷشياء: صنع جميع أنواع المبالغات التي يمكن التفكير بها، تكييف كافة العلاقات الإنسانية بما يتوافق مع هذا المنطق الكاريكاتوري، السماح بكافة المفارقات الدرامية التي لا تسمح بها أي أعمال أخرى لا تتمتع بنفس المنطق الذي يرتضيه الفيلم لنفسه، الاعتماد على المصادفات.
ما يزيد من سخرية الفيلم هو تواجد صوت الراوي على شريط الصوت طوال الفيلم، فبينما قد تسرد على شخص تعرفه قصة كاريكاتورية كمثل التي يسمعنا إياها الراوي بمعزل عن الدلائل المادية، لن يصدقك بالتأكيد، لكن النتيجة تصبح مضاعفة عند تحقق لامعقولية القصة المسموعة مع ترجمتها البصرية على الشاشة، وهو الأمر الذي يوثق أكثر طبيعة المنطق الدرامي للفيلم.
وفي ثنايا الفيلم، ستجد عدد من الإشارات التي تمجد الأصول التي يستقي منها كتاب السيناريو خيالهم المتجسد في الفيلم، مثل حب البطل رامي للحكايات المصورة والرسم بتأثر من زميله في المدرسة، وهو ما يستخدمه لإعادة صياغة ما يحلم به على الورق، مثل الطريقة التي يرى بها نسمة بعد أن رسمها بشكل مثالي يخالف طبيعتها أصلًا كفتاة لعوب، أو أن يتحول مشهد المشاجرة داخل الحجز بأكمله إلى قصة مصورة.
على نحو مكثف، يستوحي الفيلم الكثير من مفرداته من الواقع المصري المعاصر، لكنه يفرغ كل ذلك من صوره الواقعية ويخرجه حتى تمامًا من إطاره العام تطويعًا للرؤية الكاريكاتورية التي تصبغ كل شيء في الفيلم، ولكن دون أن ينجرف نحو تناول الشأن العام لينسى ما يقدمه للمشاهد في الأساس، ودون أن يغير نغمة الفيلم لصالحها، وهو أمر ليس سهل.
وتزداد قيمة الجرعة الكوميدية للفيلم مع ظهور ضيوف الشرف المشاركين في هذا الفيلم تباعًا – وهم كثر - فمن ناحية يقدم كل منهم حسه الكوميدي الخاص به الذي يتلاحم مع كل المكونات الكوميدية الآخرى للفيلم وبما يسمح به الشكل الحر للفيلم من مرونة شديدة من إضافات، وفي المقابل فهم يساعدون في دعم الممثلين الأربعة الذين يحملون الكثير من ثقل الفيلم بصفتهم أبطاله.
قد تعقد في ذهنك أثناء المشاهدة العديد من المقارنات بين هذا الفيلم وبين أفلام أخرى حملت نفس التركيبة مثل أفلام المخرج إدجار رايت وعلى رأسها Scott Pilgrim VS The World، لكن رغم كل المقارنات فإن الفيلم يحمل شخصيته الفريدة ونغمته الخاصة، ويملك القدرة على الصمود بذاته في سبيل توصيل روح جديدة في طريقة تقديم الكوميديا في السينما المصرية.