"بروكلين".. الترويج للحلم الأمريكي

  • مقال
  • 10:22 مساءً - 23 نوفمبر 2015
  • 1 صورة



Brooklyn

كيف تصنع فيلمًا بمعايير فنية وسينمائية جيدة يرضى عنها النقاد والسينمائيين وفي نفس الوقت يحافظ على المعايير الجماهيرية ويكون من نوعية أفلام "Chick Flick Movies" وهو التعبير العامي الذي يُطلق عندما يكون المستهدف من الجمهور هم النساء نظرا لحجم الدراما والرومانسية المفرطة المتواجدة بالفيلم.. الإجابة حتما ستكون موجودة عند مشاهدتك هذا الفيلم الرائع.

فيلم " بروكلين، Brooklyn" مقتبس عن رواية ناجحة للكاتب الأيرلندي " كولم تويبين" والتي حققت مبيعات وشعبية كبيرة وقت صدورها عام 2009 وقام بكتابة سيناريو الفيلم كاتب وروائي متخصص في تحويل الأعمال الأدبية للشاشة الفضية وهو الإنجليزي " نيك هورنبي" الذى سبق ورُشح لجائزة الأوسكار كأفضل كاتب سيناريو عام 2010 عن فيلم " An Education" المقتبس عن عملا أدبيًا أيضًا، بينما يتولى الإخراج المخرج البريطاني المميز " جون كرولي" والذي نال من قبل جائزة البافتا البريطانية الشهيرة كأفضل مخرج عام 2007، عن فيلم " Boy A".

نأتي إلى قصة وحبكة الفيلم والتي تدور أحداثها في الخمسينيات من القرن الماضي حول شقيقتين تعيشان في إحدى بلدات أيرلندا الهادئة وهما "أليس" والتي تعد الشخصية الرئيسية وبطلة الفيلم وتلعب دورها الممثلة الأمريكية الصاعدة " سواريز رونان" والشقيقة الأخرى تدعى "روز" وتقوم بدورها الأيرلندية " فيونا جلاسكوت".

وتبدأ أحداث الفيلم بالتركيز على علاقة الشقيقتين ببعضهما البعض والتي لم تستمر سوى بضعة دقائق على الشاشة ولكنها أظهرت مدى قوة وصلابة العلاقة على رغم من النقيض بين الشخصيتين فالأولى فتاة هادئة وغير واثقة بنفسها بالقدر الكافي ولكنها تتمتع بقدر كبير من الذكاء أما الأخرى فهي فتاة عملية مديرة حسابات وتهوى الرياضة والظهور الاجتماعي ومن هنا تبدأ التغيرات الجذرية لشخصية البطلة "أليس"، التي من الممكن أن نقسمها إلى ثلاثة أجزاء.

الجزء الأول تعانى فيه البطلة "أليس" من عدم العثور على وظيفة مناسبة لها بأيرلندا وعدم قدرتها على التكيف اجتماعيا خاصة في الحفلات والمناسبات الاجتماعية مما يدفع شقيقتها "روز" للاتصال بكاهن أيرلندي كاثوليكي يقطن بمدينة نيويورك على معرفة سابقة به لتطلب منه البحث عن فرصة عمل لشقيقتها بأرض الأحلام الولايات المتحدة الأمريكية، وبالفعل يستجيب الكاهن لتبدا رحلة "أليس" على متن إحدى البواخر للذهاب إلى وطنها الجديد أمريكا بمشاعر متضاربة بين الخوف والتطلع إلى المستقبل، ويتم تسكينها في غرفة على متن الباخرة تزاملها فتاة أيرلندية تبدو متسلطة ومتعجرفة بعض الشيء، إلى أن يأتي واحد من أهم مشاهد الفيلم حين تصاب "أليس" بغثيان ودوران البحر وتفقد توازنها وتشعر بالإعياء في إشارة رمزية لما ستواجهه من متاعب مستقبلا، ما يترتب عليه بعد ذللك توطد العلاقة مع زميلتها بالغرفة نظرا لظروفها الصحية وتنشأ علاقة صداقة بينهما مصحوبة بالنصائح حول كيفية التعايش بأمريكا نظرا لأنها أقامت هناك لفترة طويلة ولكنها عندما عادت إلى وطنها الأم أيرلندا لم تشعر بالراحة في إشارة أن أمريكا هي ملاذ الراحة النفسية للنازحين و المهاجرين من أوروبا و غيرها وقتها آنذاك.

"أليس" تكمل طريقها بعد ذلك إلى رحلة الأمل وفي مشهد اعتبره أضعف مشاهد الفيلم نظرًا لمباشرته الشديدة وهو بعد انتهاءها من إجراءات الهجرة والجوازات بميناء نيويورك تفتح "أليس" باب الميناء فيشع ضوء الشمس الساطع في رمزية على بدء حياة جديدة لـ"أليس" بالنور والأمل، وهو "كليشيه" معتاد منذ أيام السينما الصامتة.

الجزء الثاني بعد رحلتها الشاقة الطويلة تذهب "أليس" تحت رعاية الكاهن الكاثوليكي للإقامة في بيت للمغتربات الأيرلنديات تديره سيدة صارمة وطيبة في نفس الوقت تدعى "السيدة كوهوي" والتي تلعب دورها الممثلة الكبيرة " جولي والترز" والتي سبق وتم ترشيحها لجائزة الأوسكار مرتين كأفضل ممثلة وممثلة مساعدة عامي 1983 و2000، وتتسلم "أليس" وظيفتها الجديدة بأحد المتاجر الكبرى كبائعة و تحاول الانخراط مع زميلاتها بالمسكن إلا أن شعورها بالحنين إلى الوطن وإرسالها الخطابات إلى شقيقتها بشكل مكثف يؤثر عليها في الساحة الاجتماعية ويفقدها التركيز بالعمل، إلى أن يقوم الكاهن بإرسالها إلى إحدى المدارس الليلية من أجل تعلم أصول المحاسبة بجانب عملها ويقوم بدعوتها إلى جميع المناسبات الأيرلندية للخروج من حالة الاكتئاب التي تمر بها، إلى أن تنقلب حياتها رأسًا على عقب في إحدى المرات بقاعة الرقص الأيرلندية المحلى، وذلك حينما تقابل الشاب الإيطالي الذى يعمل كسباك "تونى فيوريلو" وتنشأ قصة حب بينهما ليبدأ منعطفًا جديدًا في شخصياتها يمتاز بالرومانسية الشديدة والدفء على كافة المشاهد التي تمر بها في هذه المرحلة ومن أبرزها مشهد "السيدة كوهوى" واجتماعها مع نزيلات مسكنها وإعلان "أليس" أن في حياتها حب وعشق جديد ومن هنا أصبحت هناك تغيرات جذرية في حياة وشخصية "أليس" فأصبحت واثقة من نفسها لدرجة كبيرة وتعول على الاهتمام بمظهرها كثيرا بمساعدة أصدقائها ومديرتها بالعمل ومع هذه المتغيرات أصبح الفيلم رومانسي إلى درجة خلابة كأنك تأكل قطعة الحلوى المفضلة لك.

ومع الجزء الثالث تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فتتلقى "أليس" أنباء غير سعيدة تماما من الكاهن الكاثوليكي يخبرها فيها بأن روز شقيقتها ماتت من مرض القلب أثناء نومها في واحدة من أهم مشاهد الفيلم المؤثرة التي جعلت دموعي تنهمر، تضطر "أليس" بعد ذلك العودة إلى أيرلندا لتقديم العزاء لكن قبل مغادرتها أمريكا تتزوج سرا من حبيبها الإيطالي، "أليس" عندما ذهبت إلى وطنها بدأت تماطل لتمديد الإقامة هناك فعندما علمت بفرح صديقتها قررت تأجيل العودة إلى أمريكا لحين انتهاء مراسم الزواج.

وفي هذه الأثناء طلبت المؤسسة التي كان تعمل بها شقيقتها الاستعانة بها من أجل تنظيم صرف المرتبات وساعات العمل الإضافية وبالفعل ذهبت للمساعدة وأبليت بلاءً حسنا، ما جعل القائمون على مجريات الآمور هناك يقدمون عرض خيالي لـ"أليس" من أجل بقاءها وحل مكان شقيقتها بالعمل.

وعلى صعيد آخر بدأت تنمو قصة حب خفيفة بين "أليس" و"جيم فاريل" صديق صديقتها "نانسي" التي تنتظر فرحها. "جيم" كان أحد الشباب الذى كانت تود أن تتقرب اليهم "أليس" في بداية الفيلم قبل السفر إلى أمريكا ولكنه كان صعب المنال بالنسبة لها.

أما الأن فالآمور تغيرت وبدأ يلتفت إليها بعد التغيير الجذري الذى حدث لها على كافة الأصعدة. ولكن يا هل ترى ستتأثر "أليس" بكل هذه المتغيرات، فقد أصبح معروض عليها الآن وظيفة مرموقة وهى التي كانت تعمل بها شقيقتها الكبرى التي كانت بمثابة قدوة ومثل أعلى لها، ويبادرها الآن الإعجاب شاب من عائلة عريقة في بلدتها تحلم به أي فتاة فهل تستسلم لكل هذه المتغيرات؟ الإجابة ستكون لا لأن "أليس" تكتشف بنهاية الفيلم أنها لم تكن تشعر بالارتياح والحرية في بلدتها وعلى الرغم من تحسن الظروف بها الآن بشكل كبير إلا أنها لم تشعر بالحرية والانطلاق من قبل غير في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من زواجها من شاب متواضع مهنيًا لكنها تحبه بجنون، تعمل بوظيفة بسيطة ليس لها مستقبل كبير ولكن تشعر بالارتياح والثقة بها وهذا ما أضافته إليها أمريكا، "الحرية"، والانطلاق على عكس المجتمع الكلاسيكي الشبه المنغلق الثرثار الذي أتت منه.

الفيلم على مستوى أداء الممثلين كان أكثر من رائع ولعل المفاجأة الأبرز هي نضوج ممثلين اعتدنا أن نراهم في مجال التمثيل منذ نعومة أظافرهم وهم بطلة الفيلم "سواريز رونان"، التي قدمت أداء صعب به تحولات ومتغيرات درامية صعبة من فتاة غير واثقة بنفسها ومترددة إلى فتاة خجولة وخائفة من المصير المجهول إلى فتاة جميلة ورومانسية ومنطلقة إلى مشهد النهاية العبقري الذي استطاعت أن تبرز فيه بتعبيرات الوجه فقط كيف أصبحت الآن فتاة ناضجة محملة بخبرات حياتية مكتسبة كبيرة.

"سواريز" من المتوقع بسب أداءها في هذا الدور أن يدخل اسمها بقوة دائرة ترشيحات الأوسكار والجولدن جلوب لهذا العام، "سواريز رونان" التي تبلغ من العمر 21 عامًا من المعروف أنها مشهورة بأدوارها وهي صغيرة في أفلام مثل " Atonement" عام 2007 و" The Lovely Bones" عام 2009.

الممثل الثاني الذي فجاءني هو " دومنال جليسون" الذي اشتهر بتجسيده لشخصية "بيل ويسلى " في سلسلة أفلام "Harry Potter" الشهيرة، "دومنال" يلعب دور "جيم فاريل" ضمن أحداث الفيلم وعلى الرغم من قصر دوره إلا أنه ترك بصمة واضحة داخل الفيلم وأثبت أنه ممثل له مستقبل باهر.

على صعيد آخر بالنسبة لمستوى الصورة والألوان كانت متوازنة إلى حد كبير وجعلتني أشعر في كثير من الأحيان أننى أشاهد فيلم كلاسيكي من الخمسينيات، أما بالنسبة إلى الديكور والملابس فكانت الاختيارات أكثر من موفقة ومناسبة جدا للفترة الزمنية التي تدور بها أحداث الفيلم، وبالنسبة للموسيقى التصويرية فاعتبرها واحدة من الأبطال الرئيسيين للفيلم فجاءت معبرة في الكثير من الآحيان خاصة في مشهد وفاة "روز".

السيناريو جاء متماسكًا وأعتقد أن كاتب السيناريو نقل الرواية بأمانة شديدة لشاشة السينما مع اختلاف بعض التفاصيل الصغيرة بين الرواية والفيلم وذلك للضرورة الدرامية، أما عن مخرج العمل "جون كرولي" فأحب أن أصفه بأنه قائد الأوركسترا لهذه السيمفونية السينمائية الرائعة وكان متحكمًا بإيقاع الفيلم بشكل مبهر وأن كنت انتقده في شيء واحد فقط، هو الإفراط في الكثير مشاهد الترويج لفكرة الحلم الأمريكي رغم أن طبيعة الرواية والفترة الزمنية التي تدور بها الأحداث تتطلب ذلك.

في المجمل فيلم "بروكلين" عمل درامي مبهج يجعلك تخرج من دار العرض مفعم بالطاقة والحيوية والأمل.

ملحوظة أخيرة: فيلم "بروكلين" واحد من أهم الأفلام التي تم عرضها خارج المسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن فعاليات مهرجان المهرجانات، السؤال هنا كيف لفيلم بهذه الأهمية متوقع له أن يدخل دائرة الترشيحات بقوة سواء لجوائز الأوسكار والجولدن الجلوب أو جوائز البافتا البريطانية لهذا العام أن يتم عرضه مرة واحدة خلال عروض المهرجان في يوم في منتصف الأسبوع حفلة الـ10 ونصف صباحا!

والسؤال الأهم لماذا لم يشارك بالمسابقة الرسمية للمهرجان فإذا كانت الإجابة بأنه وفقا للوائح وقوانين المهرجان لا يمكن لفيلم شارك بمهرجانات آخري أن يشارك بالمسابقة الرسمية، أعتقد أنها ستكون إجابة غير منطقية لأن هذا العام شهدت المسابقة الرسمية عدد كبير من الأفلام التي شاركت بمسابقات آخري على سبيل المثال فيلم أفغانستان " Mina Walking"، الذي شارك في وقت مبكر من هذا العام بمهرجان برلين السينمائي الدولي.



تعليقات