هممم، حسنًا، على الرغم من أهمية متابعة تجارب أوروبية مختلفة وغير معتادة من خلال بانوراما الفيلم الأوروبي، وخاصة من دول لا نعرف عن تجاربها السينمائية والفنية سوى النذر اليسير مثل أيسلندا، لكن ربما كنا في أمس الحاجة لفيلم أفضل وربما أكثر أهمية من Life In A Fishbowl للكاتب والمخرج الأيسلندي بالديفين زوفونياسون والذي عرض ضمن برنامج البانوراما.
يستهلك الفيلم ما يقرب من ثلث الساعة أو أكثر من أجل بناء عالمه الذي يتألف من ثلاث حكايات لثلاث أشخاص ينتمون إلى حيز واحد، وإن لم تكن هناك روابط مباشرة بينهم من قبل، لكنهم سرعان ما تتقاطع الطرق فيما بينهم: أم عزباء تعمل كعاهرة من أجل سد الرمق والإنفاق على ابنتها، وكاتب وشاعر شارد هائم على وجهه ومدمن على الخمر يرتقب صدور روايته الجديدة، وموظف ينضم حديثًا لعمل جديد ويحاول أن يثبِّت أقدامه في العمل الجديد وسط تشجيع من مديره الذي يثق به.
بعد كل هذا التمهيد، يحاول زوفونياسون لاحقًا أن يرينا كيف ستتفاعل مع الشخصيات الثلاث مع بعضها البعض مع الوقت بعد عزلة كل منهم في عالمه الخاص، ومن ثم يأتي هنا ذلك التوكيد اللفظي على فكرة الانعزال التي يتم تشبيهها بالعيش في حوض أسماك من خلال إشارة إلى عنوان آخر أعمال الكاتب المدمن على الخمور التي ستنشر قريبًا والتي يستلهمها من حياته الحقيقية.
المشكلة أن اللجوء إلى رمزية حوض السمك وإن لم تأتِ على نحو مباشر وفج في سياق الفيلم، إلا أنه قد بات رمزًا بالغ البديهية لا يقدم إضافة حقيقية للقصة حتى بعد اقتراب الشخصيات من بعضها البعض، كما أنه قد تم اللجوء إليه من قبل عدة مرات، وربما ما يحضر للأذهان كمثال فيلم ( جنينة الأسماك) للمخرج يسري نصر الله.
نقطة أخرى يشوبها الكثير من الالتباس في الطرح: هل من المفترض أن يقدم لنا المخرج حالة الانعزال التي يعيشها كل من الأبطال الثلاثة، أم أنه يريدنا أن نتعامل مع ما نراه وكأننا نشاهدهم في حوض كبير للأسماك. شعرت في معظم الأوقات خلال عرض الفيلم أن المنظور الذي يسعى المخرج لتقديم القصة من خلاله غير واضح الهدف على وجه التحديد، وهو ما يتجلى من خلال عدم اكتراثنا كثيرًا بما يفعلوه، وربما يكون ذلك بسبب الحاجز الزجاجي الذي يصنعه حوض السمك أو الحاجز الموضوع من قبل المخرج، والذي لا نعرف على وجه الدقة إن كان بقصد أم لا.
مشكلة أخرى تُضخِّم من هذا الحاجز بين المشاهد والشخصيات، هي أن كل مشاكل الشخصيات وأزماتهم الشخصية مقولبة لأبعد حد، مع الاعتماد على الصورة الذهنية المعتادة لكل قالب ينتمي إليه كلاهم، وليس على محاولة بحث أصيل لصياغة مختلفة تقرب الشخصيات أكثر في المشاهدين، فكل شخصية مخلصة للغاية للقالب الذي وضعت فيه: العاهرة تعاني من مشاكل مع الماضي بسبب جدها الذي اغتصبها، الكاتب شارد وعابث ومهمل لهيئته طوال الوقت، الموظف يستغل أول فرصة للقيام برحلة عمل من أجل خيانة زوجته ويحاول أن يثبت نفسه في العمل الجديد وإرضاء رئيسه في العمل.
كما أن التلويح دراميًا بورقة الماضي - خاصة مع شخصية العاهرة - يعد خيارًا استجدائيًا لا يضيف الكثير دراميًا لشخصيات مقولبة على هذا النحو، كنا في حاجة ماسة للشعور بأنهم شخصيات حقيقية يمكن تمثلها في الواقع ويمكن مصادفتها في الطرقات لكي نشعر بوطأة الماضي تلك، وإنما مع كل التسطيح والقولبة فسوف نكتفي بالمشاهدة من وراء حوض الزجاج الذي حُبسوا فيه.