مؤلف يحمل طابع خاص في أعماله، اختار الاختلاف في كتاباته وأثار الجدل بها، محمد أمين راضي بعد سنوات من الإحباط واليأس، قدم ثلاثة مسلسلات شغلت الجمهور والنقاد معًا فأصبح واحدًا من أكثر المؤلفين أصحاب الجماهيرية الواسعة، والذي تتهافت عليه شركات الإنتاج.. وبعد سبع سنوات من تعاقده على أول أفلامه " من ضهر راجل"، طُرح الفيلم بالسينمات وتصدر قائمة اﻹيرادات في أسبوعه الأول بصالات العرض.
"راضي" في حواره مع السينما.كوم تحدث عن مشواره في بدايته وعن فيلمه والأخطاء التي رأها فيه، وسبب رد الفعل الصادم من جمهور مهرجان القاهرة حول الفيلم، وأسرار أخرى يكشفها لأول مرة في الحوار التالي..
حدثنا عن مرحلة اليأس والإحباط التي عشتها في بداياتك؟
بدأت التعامل مع السوق الإنتاجي منذ عام 2007 ولم أتوصل إلى أي شيء في هذه الفترة، وفي 2009 تعاقدت على مسلسل "ألف ليلة وليلة"، وأصبح هناك خطوات جادة لتنفيذ العمل، وفي النهاية لم يتم تنفيذه، وطوال ثلاث سنوات تقريبًا كان الأمر بالنسبة لي محبط بشدة، فقد واجهت خلال هذه الفترة كل الصعوبات التي تواجه مؤلف جديد إلى أن تعاقدت على " نيران صديقة" وتم عرضه ولاقى نجاحًا كبيرًا، لأصبح بعدها متواجدًا كل عام.
كيف تحولت من مرحلة اﻹحباط لمؤلف مطلوب من المنتجين حاليًا؟
يمكنني القول أنني تخطيت هذه المرحلة بتوفيقٍ من الله، وأتذكر جملة أضحكتني كثيرًا في فترة ما قبل "نيران صديقة"، حينما قالت لي إسعاد يونس أن أجري يرتفع كل فترة رغم عدم دخول أي عمل لي سواء سينمائي أو تليفزيوني حيز التنفيذ، لأنني كنت قد تعاقدت بالفعل على أعمال، منها رُفضت من قبل الرقابة وأخرى توقفت قبل التصوير، حتى وصلت لمرحلة خطيرة من اليأس، وبدأت أشك أن الله يريد تواجدي في هذه "الشغلانة"، ومع 2012، الحمد لله حصلت على جائزة ساويرس للسيناريو وتم عرض مسلسل "نيران صديقة" وانطلقت بعدها.
هل تعمدت الخروج عن المألوف في الأفكار لكي تظهر بشكل مختلف عن الآخرين وخلق فرصة لنفسك في الوسط؟
غير صحيح فـ"نيران صديقة" لم يكن العمل الأول الذي أكتبه، فقد كتبت قبله أعمال عادية جدًا منها الكوميدي والتراجيدي والميلودراما، ولم تدخل جميعها حيز التنفيذ، ومع مرور الوقت لم أجد نفسي فيها، وخلال الفترة التي سبقت "ألف ليلة وليلة" مباشرة، كنتُ قد بدأت أحب نوعية الأعمال التي تنتمي لفئة الخيال وشعرت أنني أستطيع التعبير عن نفسي من خلال هذا اللون في هذه الفترة من حياتي، وطموحي هو خوض كل تجارب الدراما بمختلف أنواعها ولا أجزم أنني سأكون جيدًا فيهم جميعًا ولكن لابد من التجربة.
هل تعتبر مسلسلاتك غريبة أو مثيرة للجدل؟
يمكن القول إن " السبع وصايا" مسلسل غريب و" العهد" أيضًا، ولكن "نيران صديقة" ليس كذلك، فإذا حذفنا الكتاب من أحداث العمل سيصبح المسلسل اجتماعي بحت، والجمهور هنا اعتاد أن مساحة التجريب تكون في السينما عادةً وفي حدود ضيقة، أما على مستوى التليفزيون فلم يكن هناك أي مساحة للتجريب، إلا من خلال الأستاذ أسامة أنور عكاشة، الذي قام بالتجريب في نفس القالب الدرامي العادي، والحمد لله أنني خلال فترة زمنية قصيرة استطعت التجريب في الدراما التليفزيونية، ولكن في النهاية أنا لم أقم بذلك من أجل أن يقول الناس إنني أقدم حاجات غريبة.
وما مصير الأعمال التي كتبتها ولم تُنفذ، هل أصبحت مشاريع ملغية؟
لا أستغنى عنها في أغلب اﻷحيان، فمثلا "ألف ليلة وليلة" أحداثها شكلت ثلث أحداث مسلسل "العهد"، فقد أخذت الخط الأساسي من السيناريو، استخدمته في "العهد"، وهناك أفلام أخرى كتبتها ولم أعد أحبها إطلاقًا، ومنها فيلم طلبته ليلى علوي مني منذ 6 سنوات، وتقدمت شركة إنتاجية ﻹنتاجه العام الماضي، وعندما عُدت للاطلاع عليه لم أجده يعبر عني، فطلبت من ليلى أن لا نقدمه ووافقت.
لماذا لم تقتحم السينما بفكرة بعيدة عن المألوف؟
لو كنت بدأت سينما قبل "نيران صديقة" كنت سأكون مُصرًا أن أدخلها بأعمال بعيدة عن المألوف، وهو ما كنت أنوي القيام به بالفعل، لأن الأفلام التي كنت أنوي تنفيذها قبل "نيران صديقة"، وهما "قصاقيص صور" و"عاصمة جهنم" واللذان رفضتهما الرقابة، كانا خارج المألوف، كما أن بدايتي مع التليفزيون جاءت من خلال نوعية غريبة من المسلسلات، وهو ما سبب صدمة للجمهور في "من ضهر راجل" عند عرضه بمهرجان القاهرة.
واجه فيلم "من ضهر راجل" بعض التعثرات، فلماذا؟
"من ضهر راجل" تعثر بالفعل، ولكن السبب قرارات اتخذناها طوال السنوات الماضية، فالفيلم كان مكتوبًا وتم التعاقد عليه مع السبكي منذ عام 2008، وقد عرض علي السبكي أسماء عدد من المخرجين والنجوم الكبار لتقديمه، إلا أنني رفضت، فصديقي كريم السبكي وقتها كان قد اعترف لي برغبته في خوض تجربة اﻹخراج السينمائي، ورغبته في أن يكون "من ضهر راجل" أول أفلامه، ولم يكن قد أخبر والده بذلك، فوافقت وطلبت منه الدراسة أولًا، وعملنا على الفيلم منذ هذا الحين دون علم أحمد السبكي، وسافر كريم بعدها للدراسة بالخارج.
وبعد عودته اضطرته الظروف لتقديم فيلم " قلب الأسد"، وتعطيل فيلمي، وبعد ذلك جاءت فترة لم يكن هناك أي نجم يصلح للبطولة سواء بسبب عامل السن أو النجومية، وطلب مني أحمد السبكي، وقتها كتابة فيلم آخر لتقديمه بدلًا من "من ضهر راجل"، فقدمت له فيلم من نوعية الخيال، ولكنه تخوف منه، وعندما عدنا لـ"من ضهر راجل" مرة جديدة اتفقنا مع آسر ياسين و خالد صالح وبنينا الديكور، فتوفي صالح... وهكذا، وهو ما تسبب في تعطيل الفيلم كل هذه السنوات.
ولماذا جاء رد فعل الجمهور صادم عند عرض الفيلم في مهرجان القاهرة؟
أرى أنه رد فعل طبيعي، هناك من أُعجب بالفيلم وهناك العكس، وهناك جمهور آخر كان ينتظر النوعية التي قدمتها في الدراما التليفزيونية، ولم يجدها فكانت صدمة لهم، وعن نفسي، لم أكن راضيًا عن نسخة الفيلم التي تم عرضها في المهرجان، وما حدث أنني كنت أكثر الناس فرحًا بعرض الفيلم في "المهرجان" وفي نفس الوقت ليس عيبًا أن يعترف الشخص بأخطائه ويتعلم منها.
"من ضهر راجل" لا يعد فيلم مهرجانات، هو فيلم تجاري، وقد أصريت أن ابدأ سينما بهذه النوعية التجارية، وكان من المفترض أن أقول إن الفيلم لا يصلح للعرض في المهرجان، ولكنني فرحت بأن أول أفلامي سيعرض في المهرجان.
كيف استفاد صناع الفيلم من عرضه في المهرجان؟
اعتبرت أنه عرض خاص كبير للفيلم، ووجدت بعض الأمور التي لم أرض عنها سواء في المونتاج أو الموسيقى، وهو ما دفعنا لتعديلها، ولولا عرض الفيلم بالمهرجان لم نكن لنكتشف هذه اﻷمور وكنا قد عرضنا هذه النسخة للجمهور تجاريًا، ولكننا سمعنا تعليقات كثيرة بعد العرض بالمهرجان، لذلك أعدنا المونتاج وحذفنا 17 دقيقة كاملة من الأحداث، وغيرنا تيمات موسيقية، ويمكنني القول أنني أصبحت راضيًا عن الفيلم بعد هذه التعديلات، وأعتقد أنه يحقق نجاحات جيدة في دور العرض حاليًا.
ما رأيك فيما يقال حول إن "من ضهر راجل" هو نسخة جديدة من " عبده موته" و" الألماني"؟
هناك من لم يعجبه الفيلم من الأساس وهذه حرية شخصية، فطارق الشناوي وهو من أكثر المحبين لأعمالي والمدافعين عنها، لم يُعجب بالفيلم، لكن هناك آراء غريبة ولن أعيب في أفلام أخرى، لكن شتان بين فيلمي وهذه الأفلام، وهناك رأي مضحك جاء من أشخاص لا يفهمون كثيرًا في النقد السينمائي، يقول إنني قد اعتدت على كتابة الدراما التليفزيونية ولذلك جاء الفيلم طويلًا، وهو غير صحيح لأنني كتبت الفيلم في 2008، قبل كتابتي لأي مسلسل، بالإضافة إلى النقد الذي قيل عن مسلسلاتي بإنني أكتب بشكل سينمائي مكثف زائد عن الحاجة.
هل كان للسبكي بعض الإضافات على فيلم "من ضهر راجل"؟
بالعكس، فعندما كتبت الفيلم كنت أعرف أن أحمد السبكي سيكون المنتج، وكنت أضع في اعتباري أن يحمل الفيلم المواصفات التي يحبها ويقدمها في أعماله، وفي نفس الوقت أن يحمل قصة وحدوتة أكون راضيًا عنها ومن ضمن ما يحبه السبكي وجود أغنية، ووقتها كانت أغنية عبد الباسط حمودة "أنا مش عارفني" مكسرة الدنيا، وكان من المفترض أن تكون أغنية للفرح ضمن اﻷحداث على أن يظهر رحيم الذي قدمه آسر ياسين ويرقص عليها، ولكن السبكي هو من رفض ذلك وأكد أن الفيلم لا يحتمل وجود أغنية، واختار أن تكون هناك أغنية أخرى للدعاية فقط.
أعمالك جميعها تعتمد على البطولة الجماعية، فهل هذا يعني أنك ترفض كتابة عمل مفصلًا لنجمٍ بعينه؟
لا أستطيع ذلك للأسف، لكنه مع ذلك ليس عيبًا، فهناك نجومًا كبارًا بالمسرح كان لديهم فريق مسرحي يكتب لهم خصيصًا، مثل نجيب الريحاني ويوسف وهبي، وهو ما نطلق عليه هذه اﻷيام "تفصيل"، لذلك فإن تفصيل عمل لنجمٍ ما ليس عيبًا، ولكن يجب القيام بذلك بشكل صحيح.
يقولون إنك ديكتاتور في سيناريوهات أعمالك، ولا تحب أن يتدخل أحد فيها؟
من أكثر اﻷمور التي عطلت ظهور أول عمل لي، هو قراري بالسير على النظام القديم للعمل، وهو وجود مخرج وسيناريو وبعدها اختيار الأبطال، وهو ما تغير حاليًا بالتعاقد مع النجم أولًا، الذي يختار السيناريو والمخرج المناسب بعد ذلك.
وقد طلب مني نجم كبير في عام 2007 كتابة فيلم له، إلا أن طريقته في طلبها مني لم ترضيني، حيث قال لي نصًا "ما تيجي نكتب فيلم" وكان ردي عليه "اسمها أكتبلك فيلم" ولم أكن متحمسًا لذلك، ولكن ليس من السهل السير بالطريقة التي اخترتها، ومع ذلك لن أنسى وقوف فريق عمل "نيران صديقة" إلى جانبي في أول سيناريو لي، فمثلا نجمة بحجم منة شلبي أو باقي الأبطال كان من الممكن أن يغّيروا في الحوار، ووقتها كانت طموحاتي ستتحطم أمامي، ولكن ما حدث هو العكس، فقد حرصوا جميعًا على تقديم النص كما هو، ونفس الأمر مع خالد مرعي، فهناك مخرجين يحاولوا إثبات أنفسهم على حساب النص، لذلك فأنا أطالب برجوع العُرف الصحيح مرة أخرى.