تنويه: تحتوي المقالة على كشف لأحداث الفيلم ونهايته
لا يخفي على أحد - حتى لمن لم يتابع عن كثب - حجم الجماهيرية الضخمة التي حظت بها عروض ( مسرح مصر) والموسمين الأول والثاني من ( تياترو مصر) على خشبة المسرح وشاشة التليفزيون على حد سواء، وذلك لسببين: أولهما هو مساعدته في عودة الاهتمام بالمسرح مجددًا من قبل الجمهور الذي هجره لصالح سطوة السينما والتليفزيون، وتقديمه لمجموعة كبيرة من الفنانين الجدد على الساحة والذين نجحوا في كسب قلوب المشاهدين في زمن قياسي.
ولم تكن عائلة السبكي لتفلت هذه الفرصة الذهبية من أجل استثمار نجاحهم في فيلم سينمائي ذو طراز كوميدي يقترب كثيرًا مما قدموه على المسرح، محاولين في ذلك الجمع في قالب واحد بين كوميديا الفارس Farce والكوميديا اللفظية وكوميديا الموقف مع شيء من المحاكاة الساخرة التي اختاروا لها قالبًا عامًا يرتكز على الاستفادة من جماهيرية ثلاثية Ocean الشهيرة التي قام ببطولتها جورج كلوني و براد بيت و مات ديمون من أجل حبك السخرية بأيدي مصرية ليكون ( أوشن 14).
لهذا الغرض تم الاستعانة ليس فقط بكاتب سيناريو واحد أو حتى بكاتبين، بل بثلاثة كتاب سيناريو دفعة واحدة لكي يحققوا المزيج المطلوب بين ما ساعد فنانو مسرح مصر على الانتشار من خلال سلسلة عروضهم المسرحية، وبين ما حقق للأفلام التي تنتجها عائلة السبكي شعبيتها المعتادة.
نأتي الآن لما أسفرت عنه جهود اجتماع كتاب السيناريو الثلاثة، حتى النصف الأول كانت عملية الكتابة - من وجهة نظرهم - تسير على ما يرام، فهم يضعون نصب أعينهم هدف موحد للأبطال، وهو سرقة مجوهرات المطربة الإماراتية أحلام، ولذلك يتم تأسيس غالبية أحداث النصف الأول على جمع وتشكيل الفريق العصابي الذي سيقوم بهذه المهمة مع تكوين قصة حب موازية للأحداث بين طاعون وعبير ( عمر مصطفى متولي و بسنت السبقي) وصولًا إلى تنفيذ المهمة نفسها والذي يمتد حتى بداية النصف الثاني من الفيلم.
وعند هذه النقطة وقع كتاب السيناريو الثلاثة في حيرة، كيف سيكملون الفيلم بعد الانتهاء من عملية السرقة مع مطلع النصف الثاني من الفيلم، بهذا لم يكتبوا حتى الآن سوى نصف فيلم، ويبيتوا ليلتهم هائمون حائرون سارحون مفكرون من يكونون، آآآ، عفوا... أقصد فيما سيفعلون، ثم يفتشوا جميعهم في ما خطته أيديهم، ويأتي الحل في إضافة شخصية جديدة سيترتب على أفعالها الطائشة كل ما يحدث للفريق في النصف الثاني، وهذه الشخصية هى عبدالملك حنطور الذي يبرع أيضًا في تذليل كل العقبات التي تواجه أعضاء الفريق في النصف الأول بفضل التركيبات المخدرة التي يبرع في ابتكارها، فيهدي أهل عبير الرافضين لطلب طاعون الزواج من ابنتهم علبة بسبوسة مخدرة، ويتغلب على مدير أعمال أحلام بحبة محفزة جنسيًا، وينتصر على الحراس الشخصيين لها بوجبة كنتاكي مليئة بالمنومات.
وبالنسبة لمشكلة النصف الثاني من الفيلم الذي يحتاج لما يملؤه، فلا يشترط التقيد بإطار السخرية من أفلام Ocean، بل ويمكن بناء النصف الثاني بأكمله على واحد من أنجح الأفلام الكوميدية في السنوات الأخيرة على الإطلاق، وهو The Hangover، والوصول لدرجة محاكاة نفس بنيته ومواقفه بالضبط بافتراض أن الجمهور المصري غير مطلع كفاية على السينما الأمريكية، حيث يستيقظ جميع أبطال الفيلم في فيلا محمد السبكي نفسه وهم لا يتذكروا أي شيء مما حدث في الليلة السابقة بعد احتفالهم في الملهى الليلي، ومع تقادم الأحداث يكتشفوا الكوارث التي تسببوا بها جميعهم وهم مخدرين بفضل تركيبات عبدالملك، والتي يتم حلها جميعًا تباعًا بفضل تركيباته أيضًا، ليصير هو المشكلة والحل معًا.
إن اعتماد النصف الثاني من الفيلم بكثافة على The Hangover لم يقتصر فقط على نوعية المواقف المقدمة، بل امتد حتى لتتر النهاية الذي اعتمد على تقديم تسجيل مصور بالفيديو بالتوازي مع صعود أسماء العاملين بالفيلم لكل ما قاموا به خلال هذه الليلة الليلاء من مصائب في شرم الشيخ، وهو نفس فكرة نهاية The Hangover عندما قرر أبطال الفيلم مشاهدة كل الصور الفوتوغرافية لليلة التي عاثوا بها فسادًا في لاس فيجاس قبيل حفل زفاف أحدهم.
ولكي لا يتوقف كتاب السيناريو كثيرًا عند الوسيلة المثلى لإقناع عبير بالانضمام إلى الفريق، يقوموا طبعًا بتقديم الحل السهل، وهو تقديمها كفتاة جميلة بريئة ساذجة يمكن خداعها وتسقيتها "حاجة أصفرا" لكي تصدق حجة طاعون الخائبة بكون المطربة أحلام تنتمي لتنظيم ماسوني عالمي مع يسرا اللوزي و يسرا العادية - على حد قوله -، بالإضافة إلى الحل الأكثر سذاجة حينما ينتاب طاعون الندم على ارتكابه للسرقة، فيعيد المجوهرات لأحلام، وهى ببساطة تسامحه وتغفر له وتتنازل عن المحضر في سبيل إنهاء الفيلم بنهاية سعيدة ولكي تنتصر قصة حب طاعون وعبير، لاحظ أننا نتحدث عن أحلام يا إخوتي القراء الأحباء، أحلام بكل جبروتها وقوتها، إلا إذا كانت أحلام داخل الفيلم نسخة أخرى منها تعيش مسبقًا في مدينة أفلاطون الفاضلة، وليست أحلام التي كنا نشهد معاركها مع راغب علامة وسائر فنانو العرب.
وبهذا يمكن حل أصعب المشاكل الدرامية في السينما المصرية بطرقعة إصبع "تك"، وعلى كل من يرغب في كتابة السيناريو يجب أن يتعلم من كتاب سيناريو هذا الفيلم كيف يقفز فوق المشكلة ولا يتوقف عندها حتى تسير ولا تقف المراكب العائمة في النيل، ويظل مفهوم صنع فيلم كوميدي خفيف في أذهان صناع السينما المصرية مرتبط بالاستسهال وعدم التدقيق إلى الأبد إلى الأبد.