The Nice Guys.. رجلان لا يمكن وصفهما باللطفاء

بوستر الفيلم

(تحذير، المقال قد يحتوي على كشفٍ لبعض أحداث الفيلم)

"The Nice Guys" هو فيلم جديد من نوعية "A Buddy Cop Movie" ولمن لا يعلم عن تلك النوعية فهي تمثل الأفلام التي دائمًا ما تجد بها قضية جريمة أو مؤامرة يعمل على حلها شخصيتين مختلفتين ومتناقضتين تمامًا من الشرطة أو من خارجها ودائمًا ما يكونان مجبرين على التعاون معًا لحل تلك القضية والإيقاع بالمجرمين.

هذه النوعية من الأفلام محببة جدًا إلى قلب شين بلاك، فبعد أن كتب اثنين من أعظم أفلام تلك النوعية، وهما سلسلة أفلام Lethal Weapon للنجم ميل جيبسون وفيلم The Last Boy Scout للنجم بروس ويلس وظهوره الأول كمخرج في فيلم Kiss Kiss Bang Bang، فإنه لخبر سار يدعو للطمأنينة عندما تعلم بأن صاحب الخبرة الكبيرة هو من أخرج الفيلم الذي نتحدث عنه بل وشارك في كتابته أيضًا.

لوس أنجلوس عام 1977، بعد أن توفيت نجمة أفلام خليعة في حادث غامض في مشهد افتتاحي، قامت جدة النجمة الراحلة بتعيين المخبر السري غير اللامع والمخمور دائمًا "هولاند مارش"، الذي جسد شخصيته النجم ريان جوسلينج، والذي كان لديه كتابة على يديه تقول له دائمًا "لن تصبح سعيدًا" بعد أن أقسمت له بأنها شاهدت حفيدتها حية بعد وفاتها بثلاثة أيام مما قاده إلى امرأة شابة تُدعي أميليا والتي قامت من جهة أخرى بتعيين "جاكسون هيلي" وجسده النجم راسل كرو، الذي يقوم بأعمال عنف نظير مقابل مادي لتجعل مارش يبتعد عنها مما ساعد على إنشاء شراكة بينهما بالرغم من البداية السيئة لتعارفهما باعتبار أن هيلي قام بكسر ذراع مارش في واحد من أكثر المشاهد مرحًا وذلك قبل أن تتم مهاجمة هيلي من قبل سفاحين باحثين عن أميليا ليتطوع بعدها للخدمة مع المخبر مارش وينطلق الاثنان معًا لمحاولة الكشف عن سبب ملاحقة هؤلاء السفاحين لأميليا، ومحاولة الوصول إليها قبلهم أيضًا وبالفعل يصلون للفتاة التي يتضح بأنها ابنة رئيسة وزارة العدل لولاية كاليفورنيا والتي تقودهم مباشرةً إلى منتصف مؤامرة مدبرة من رئيسة وزارة العدل كيم باسنجر لقتل ابنتها أميليا وكل من له علاقة بصناعة هذا الفيلم السياسي الذي يختبئ تحت عباءة الإباحية، كل هذا تم بمساعدة الأسترالية الصغيرة أنجويراي رايس، والتي قامت بلعب شخصية "هولي" ابنة "مارش"، وكان لها دور كبير في حل القضية.

جمال هذه القطعة الفنية يكمن في عنصرين واضحين، العنصر الأول هو السيناريو، أما الثاني فهو طاقم التمثيل. في بعض الآحيان كل ما تحتاجه لتقديم فيلم استثنائي هو حوار بسيط وجذاب ونابض بالحياة وأداء تمثيلي جيد من أشخاص متمكنين.

الغموض الذي يحوم حول قصة الفيلم ربما يستحق نصف متابعة ولكن الأحداث المزدحمة بالكوميديا والحركة هي التي حقًا تحتاج إلى انتباهك الشديد والفضل في هذا يعود إلى الكاتب شين بلاك ومساعده أنتوني باجاروزي، اللذان استطاعا إضافة طابع من الإثارة على كل سطر من سيناريو الفيلم، وتأكدا تمامًا أن كل مشهد تم وضعه في مكانه الصحيح، فكان يبدو أن "بلاك" على دراية بصعوبة التعامل مع القصة ليصنع منها فيلمًا سينمائيًا ذو معنى، لكنه بالفعل استطاع أن يقوم بعمل لا يصدق عندما تعامل مع النص بعناية خاصة ليصنع حس فكاهي هائل نابع من قصة بها العديد من المؤامرات والمكائد الخطيرة ودستة من القتلى.

وعند الحديث عن "بلاك" فالفيلم يعتبر نجاح كبير ومستحق له ويثبت أنه في تطور مستمر خلف الكاميرا، واستطاع تجاوز التحديات التي واجهته عند تحويل اسمين كبيرين في عالم الدراما إلى ثنائي مقنع كوميديًا، ففكرة عمل ثنائي مكون من "كرو" و"جوسلينج" كانت بارعة بشكل كافٍ لميلاد فيلم جديد من تلك النوعية، وربما تكون سلسلة ناجحة في المستقبل وشخصيًا أعتقد أن The nice guys هو أقوى فيلم له كمخرج حتى الآن، وأعتقد أيضًا أن الفيلم سيكون بداية لسلسلة طال انتظارها بعد سلسلة Lethal Weapon.

عموماً The nice guys هي عودة مرحب بها لـشين بلاك مع نفس نوعية الأفلام التي يعشقها في معالجة فنية منعشة ومبهجة من زمن السبعينات، في انتظار ما سيقدمه لنا في المستقبل.

لقطة من الفيلم

كرو ذو الوجه المتجهم وجوسلينج الوسيم الذي يتسم بالجدية من أفضل الممثلين المعروفين في عالم هوليوود، ولكن ليس للعب أدوار كوميدية، فقد لعبا في الماضي العديد من الشخصيات السوداوية بشكل رائع مثل A Beautiful Mind وBlue Valentine، ولذلك ففكرة إحضارهم معًا لصناعة فيلم كوميدي هي فكرة غريبة، وقد قاما بتشكيل ثنائي رائع بالرغم من البداية السيئة في أول لقاء بينهما، ولكن هذا لا يهم، فالفيلم يجب أن يمضي في طريقه بصرف النظر عن الأحداث المنافية للعقل ويجب على هولاند وجاكسون أن يكونا شركاء بصرف النظر عن سخافة الدوافع، لذلك يجب عليك عند مشاهدة الفيلم أن تتوقع ما هو غير متوقع، فالطبيعة الهزلية للفيلم سمحت للأفعال المنافية للعقل بأن تحكم العمل فتجد الصدفة تتحول إلى خيط لحل اللغز والأخطاء تقودهم إلى الطريق الصحيح.

إذا كنت من محبي الكوميديا الكلاسيكية ستندهش مما قدمه الثنائي وبالتحديد جوسلينج صاحب الـ35 عامًا، والذي إذا نظرت إلى أعماله السابقة ستجده عالقًا بين الدراما مثل دوره في فيلم Drive والرومانسية مثل دوره في فيلم crazy, stupid, love مبرهنًا على موهبته في كل عمل يقوم به ولكن The Nice Guys منحه الحرية التامة لإظهار مهارات خطيرة كممثل كوميدي، وبالفعل تمكن شين بلاك من استغلال شخصيته المخمورة في تقديم بعض من كوميديا الموقف الكلاسيكية مثل محاولته لتهديد هيلي من مقعد الحمام محاولًا الإبقاء على الباب مفتوحًا أو السقوط من البلكونة برغبته ليقنع أحد السيدات بأنه ممثل جيد أو اللحظة الكوميدية الهستيرية عند اكتشافه لجثة تجلس بجانبه.

أما كرو صاحب الـ52 عامًا والذي كان بارعًا من ناحية التعمق في الشخصية وقدم أفضل أداء له منذ فترة كبيرة، فقد كان حكيمًا ويتميز بالحزم والثبات والاستقامة، أما على الجانب الكوميدي فكان يتميز بتلك النظرات التي يصوبها نحو جوسلينج عندما يتفوه بحماقات، والتي تذكرني بنظرات صامويل جاكسون إلى جون ترافولتا في التحفة الخالدة Pulp Fiction عام 1994.

كرو وجوسلينج في لقطة من الفيلم

الفيلم قدم إلينا هدية كبيرة تتمثل في الموهبة الصاعدة القادمة بقوة أنجويراي رايس والتي قامت بتقديم الجانب الأخلاقي من الفيلم، وظهر ذلك عندما كانت تسأل هيلي: هل أنت شخص جيد؟ وأيضًا عندما قامت بمنعه من قتل شخص في نهاية الفيلم، وقالت له بكل براءة بإنها لن تتحدث معه مرة أخرى إذا قام بقتله. لقد كان لها حضور قوي ومفاجئ، حيث كانت تتميز بالحكمة التي تفوق سنها كما أنها تقول الحقيقة دائمًا دون شوائب مما جعلها تترك انطباعًا قويًا، أيضًا كانت من العوامل الرئيسية الحاسمة لحل القضية، واستطاعت بعيونها البريئة أن ترفع الغطاء عن خيوط حاسمة ومصيرية في القضية فهي جالبة الحظ لهم، بالرغم من إهمالها حيث أن والدها مارش كان يستخدمها كسائق خاص له بسبب أنه دائمًا ما يكون ثملًا.

وبينما القضية لم تكن مثيرة بنفس قدر الشخصيات ونهاية الفيلم لم تكن مرضية تمامًا، لكنه من الممتع مشاهدة فيلم كوميدي ومرح يحمل معه هالة من الغموض مثل The Nice Guys. فالمواقف الكوميديا والنكات تم وضعهم في توقيتات مناسبة في الفيلم وجاءت نتيجة لمهارة السيناريو، كما أن مشاهد الحركة كانت بارعة وتتميز بالمرح، أيضًا تفاصيل فترة السبعينات تم رسمها للمشاهدين بدقة خيالية عن طريق التصميم الإنتاجي، واختيار الموسيقى التصويرية التي ساعدت الفيلم كثيرًا حيث أنها تتماشى مع فترة السبعينات. كل هذا إذا قمت بخلطه مع مخرج كبير مثل شين بلاك، وقتها سيكون لديك فيلم يحفر طريقه إلى قائمة الأفضل في مكتبة أفلامك.

عمومًا إذا أتيحت لك الفرصة اذهب مباشرةً وشاهد الفيلم فعلى الأرجح لن تندم على مشاهدته وبالرغم من أن كرو وجوسلينج بعيدين كل البعد عن وصف لطيف "Nice"، إلا أن قضاء ساعتين معهما كان أمرًا ممتعًا.