منذ يومين كنت قد نشرت تعليقًا ساخرًا عن مسلسل "جراند أوتيل" على حسابي الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" لأشاهد مدى تعلق الناس بالمسلسل، ولأرى ما هي ردود أفعالهم.
وقد دفعني إعجاب الجمهور الشديد بالمسلسل، لمشاهدته للمرة الثانية، وقد استنتجت من بعض المناقشات مع جمهور المسلسل، أن السبب في التورط مع أحداثه، هو الحنين والاشتياق لأيام الماضي، نعم، فنحن مرضى بكل ما هو قديم أو كل ما هو "روبابيكيا" كما يطلق المصريين على الأشياء القديمة.
وهذا ليس شيئًا سيئًا، بالعكس؛ إذ نجد دائمًا في الماضي معاني الجمال متجسدة أمامنا سواء في المعمار أو الأشكال أو الصور، وهذا ما وجدناه في مسلسل "جراند أوتيل".
وبالخوض في كل تفاصيل المسلسل سنجد أن في المسلسل تم التألف بين كل مكوناته من قصة وسيناريو وشخصيات وموسيقى وإخراج، وهذا نادرًا ما يحدث في مسلسلات الدراما المصرية.
السيناريست تامر حبيب -صاحب رؤية السيناريو والحوار- دائمًا يفاجئني بأسلوبه الخاص وبالكيمياء الموجودة بينه وبين القلم، والتي تجعله يفاجئ كل شخص في كل مرة يطل علينا فيها من خلال عمل من أعماله الجميلة، والتي تعتبر حالة في حد ذاتها، فمنذ فيلم "سهر الليالي" والذي كان قد كتبه في 2003 وهو مستمر في إظهار قدراته الخاصة في التأليف وفي السيناريو والحوار.
أما بالنسبة للشخصيات، فلنا هنا وقفة، وذلك لأننا نجد أن كل الاختيارات كانت موفقة للغاية، وللحظة يمكن أن تشعر أن تلك الشخصيات هي شخصيات الممثلين في الحقيقة فعلًا، وإنهم ليسوا هنا فقط ليقومون بتقديم شخصية أو دور مدون على الورق، لا، فلقد استطاعوا أن يتقمصوا الشخصيات لدرجة تجعلك واقفًا في ذهول واندهاش لما تراه أمامك على الشاشة من اندماج بين الممثل والشخصية.
فمثلًا الفنانة القديرة أنوشكا أو "قسمت هانم" كما كان دورها في المسلسل، بالرغم من ملامحها البريئة والملائكية، استطاعت أن تصور للجمهور شخصية المرأة القوية التي لا يهمها أي شخص غيرها، فهي فقط من تستحق كل ما تتمناه؛ أما الأخرون فلا يعنون لها شيئًا!
والفنانة القديرة سوسن بدر أو "الست سكينة"، فقد استطاعت أن تمزج في الدور بين القوة والسيطرة وذلك في تعاملها مع العاملين بالفندق، ودور الحنين والمرأة المكسورة عندما تتذكر زوجها ووالد ابنها "أمين".
أما بخصوص "أمين" أو الفنان محمد ممدوح، فهذا فعلًا لا يمكن أن توصفه أي كلمات، فهو مُصر منذ ظهوره على الساحة الفنية أن يثبت للجميع أن هناك فنان قادم يشبه في فنه وإبداعه الفنانين الذي حُرمنا من فنهم منذ زمن طويل وبعيد.
محمد ممدوح أو تايسون كما يُلقب، استطاع منذ ظهوره في مسلسل "طريقي" مع الفنانة شيرين عبدالوهاب أن يجذب كل الأنظار إليه في شخصية الأخ الأناني والمغرور والذي لا يهمه سوى نفسه، ثم يفاجئنا بعدها بأدائه المقنع لشخصية الضابط في "ولاد رزق"، ثم يطل علينا مجددًا ليذهلنا بشكل غير مسبوق في مسلسل "جراند أوتيل"، وذلك من خلال شخصية "أمين".
أما الفنانة دينا الشربيني، والتي جسدت شخصية "ورد"، فهي نجحت بشكل كبير في تقديم الشخصية، لدرجة أن كثيرين برغم كل ما فعلته بحق "أمين" أو "علي" أو "ضحى"، تأثروا بشكل كبير لحظة مقتلها وغرقها.
وظهر أيضًا اهتمام المخرج بالشخصيات، إذ اهتم أيضًا بالأدوار الثانوية مثل اهتمامه بالأدوار الرئيسية بالضبط، فمثلًا دور القاتل المأجور والذي كان قدمه الفنان محمد خميس، جاء مقنعًا للغاية، ورأه الجمهور شريرًا يستطيع قتل أي شخص دون رحمة أو شفقة، وصدقه الجمهور في الدور.
وهؤلاء ليسوا فقط كل الطاقم التمثيلي فهناك شخصيات كثيرة تألقت في أدوارها سواء الرئيسية أو الثانوية، وهذا ما يثبت أن كل خطوة في المسلسل كانت مدروسة بشكل سليم ومخطط لها بشكل جيد جدًا، مما لا يدع أي مجال للنقد السلبي!
أما بخصوص الإخراج، فاستطاع المخرج محمد شاكر خضير أن ينقل لنا حالة لن تتكرر كثيرًا، وهذا نتيجة الإتقان الذي ظهر أمامنا في ثلاثين حلقة طوال شهر رمضان أخذتنا في رحلة في مدينة أسوان لتسرد لنا قصة تمت داخل الـ"جراند أوتيل".