في ظل الظروف اﻹبداعية المؤسفة التي تعاني منها السينما المصرية، بات من الصعب والعسير ﻷقصى درجة أن تجد فيلمًا كوميديًا يقدم لمشاهده حالة متماسكة ومتسقة مع ذاتها في محصلتها النهائية بغض النظر عن هدف هذا الفيلم الكوميدي إذا كان ينشد فيلم كوميدي اجتماعي أو كوميدي سياسي أو كوميدي ﻷجل الكوميديا في ذاتها كغاية أسمى، حيث بات عدد كبير من اﻷفلام الكوميدية يعتمد في اﻷساس على المجهودات الفردية لمن يشارك بها، وليس على خلق حالة من الهارموني المطلوب بين الفكرة وتنفيذها على الشاشة، وربما يكون في جميع اﻷفلام التي يشارك بها أبطال مسرح مصر أول ما يتبادر إلى الذهن على ذلك.
يبدو على أحدث أفلام ياسمين عبدالعزيز "أبو شنب" الذي شارك في سباق أفلام العيد مؤخرًا أنه يحاول طيلة الوقت أن يقدم لعبة توازنات: أولهما توازن بين كوميديا الشخصية، وهي هنا ضابطة شرطة تحاول إثبات كفاءتها وسط مهنة يسيطر عليها الرجال بطبيعة الحال، وبين كوميديا الموقف وهو خضوع ضابطة الشرطة لتنويعات هائلة من المواقف العصيبة.
أما التوازن الثاني الذي يحاول الفيلم إقامته، فهو التوازن بين تقديم كوميديا اجتماعية عن دور المرأة في المنظومة المجتمعية التي تهيمن عليها السيطرة الذكورية ومحاولاتها الدائمة والمشروعة ﻹيصال صوتها، وكوميديا مستهدفة بذاتها بإدخال البطل/ة في سلسلة من المفارقات الكوميدية، ليحين وقت السؤال: هل أتت هذه التوازنات بثمارها المنشودة؟
في رأيي المتواضع، كانت لعبة التوازنات تلك تصيب حينًا وتخيب حينًا بحسب التوجه المسيطر مع كل مشهد جديد، لتميل في بعض اﻷوقات مع توجه بطل المشهد، وفي أوقات أخرى مع طبيعة الموقف الكوميدي بالرغم من إمكانية إقامة توازن أكثر فاعلية من خلال السيناريو، فالفكرة العامة للفيلم تسمح بذلك، وأكثر.
وعلى الرغم - مثلًا - من طريقة التقديم التقليدية للملازم أول عصمت أبو شنب "ياسمين عبدالعزيز" من خلال توظيفها في وضعين متناقضين في النفوذ ما بين السطوة في المنطقة التي تعيش بها والخضوع ﻷوامر من يعلوها في الرتبة في عملها بسلك الشرطة، إلا أنه كان تقديم متسق مع نفسه للغاية ويؤدي الغرض المنوط به.
بينما ينقلب الحال تمامًا مع طريقة تقديم الرائد حسن أبو دقن "ظافر العابدين" فقبل ظهوره، كان يتم إظهاره طيلة الوقت بمظهر الضابط الصارم الذي يهابه الجميع، وفي نفس الوقت هو شخص مرغوب من النساء، لكن تقديمه هذا مع اﻷسف يتنافر تمامًا مع ما يليه من مواقف كوميدية يقع فيها.
من الواضح أن كاتب السيناريو خالد جلال قد جانبه التوفيق تمامًا في إقامة توازن بين ما يبدو عليه حسن من الخارج للجميع وبين طبيعته الرقيقة التي لا يظهرها إلا في حالات خاصة، باﻹضافة إلى ظهوره أصلًا في المواقف الكوميدية التي يظهر عليها بمظهر يناقض تمامًا صورته الصارمة وينسف التقديم بأكمله.
للتدليل على ذلك، ففي مشهد مطاردة يقوم حسن بالركوب مع عصمت التي تقود السيارة بسرعة جنونية ينهار معها فور توقف السيارة، وفي موقف آخر يقومان من خلاله بمراقبة إحدى العصابات، تقوم عصمت بمنتهى البساطة بخطف سلاحه لتهاجم المجرمين دون أن يحاول منعها أو ردعها كما هو مفترض.
قد يكون الفيلم كمجمل عمل كوميدي مسلي بشكل عام وغير مزعج في المجمل، لكنه في الوقت ذاته لم يوفق في تقديم كل ما كان يحاول تقديمه على النحو اﻷمثل.