"جحيم في الهند".. وفي شباك التذاكر!

  • نقد
  • 05:26 مساءً - 15 يوليو 2016
  • 1 صورة



جحيم في الهند

منذ لحظة إطلاق الإعلان التشويقي للفيلم – والتي مضى عليها قرابة الثلاثة شهور – لم يهدأ فضولنا قط، وأخذنا ننتظر صدور الفيلم لنشهد ما يكمن خلف هذا الإعلان المختلف الغريب؛ والذي شهدنا خلال لحظاته الأولى الفريق الحافل بنجوم أحببناها جميعًا وقد ارتسمت أجواء الألفة فيما بينهم، بعدها يندلع من خلفهم جحافل الهنود تطاردهم، لينطلق نجومنا فارين بأقصى سرعتهم بينما تترصد الكاميرا ملامحهم المكتسية بالشعور بالخطر والمثيرة للمرح في ذات الآن! ثم تحين لحظة الإعلان الأخيرة بغمزة عين من "محمد إمام" وكأنه يقطع لنا وعدًا بالمتعة التي يعدّونها لنا في فيلمهم.. الإعلان كان لا يُقاوم باستثنائية أجوائه تلك، وتوليفة نجومه القابضة للانتباه والتطلع بدرجة كبيرة، فتأجَّج فضولنا ولم نملك سوى الانتظار.

ومع اقتراب عيد الفطر المُبارك، اندلعت إعلانات أفلام العيد دون هوادة، وظهر فيلم ظننته سيُزاحم "جحيم في الهند" ويقطع عليه سُبله دون رحمة، أقصد طبعًا فيلم "من 30 سنة".. أصارحكم القول ظننت الفيلم الأخير سيظفر بنصيب الأسد من تذاكر دور العرض دون تردد؛ نحن نتحدث عن فيلم صُناعه بأسرهم من أصحاب الأسماء الثقيلة البارزة، بدءًا من كاتب السيناريو "أيمن بهجت قمر"، مرورًا بالمخرج "عمرو عرفة"، انتهاءً بفريق عامر من النجوم شَكلّهُ "أحمد السقا" و"منى زكي" و"نور" و"شريف منير" و"ميرفت أمين" و"صلاح عبدالله" و"جميلة عوض" و"رجاء الجداوي"، أنت تتحدث عن ترسانة نجوم قادرة على جلب شرائح عريضة من الجمهور لمجرد ما تشمله من أسماء فقط لا غير.. كنت أعلم أن "جحيم في الهند" سينافس وسيكون له جمهور غفير، لكني ظننت أن الغلبة ستكون لصالح "من 30 سنة" وقطعًا سترجح كفته بالنهاية.

ثم يحل العيد ويعلن الواقع عن كلمته، لأجد "جحيم في الهند" لم يقتصر جحيمه على الهند فقط، واندلع ليطول شبابيك تذاكر دور العرض مكتسحًا الرقعة دون منازع يقربه؛ لنبصر صفوف الجماهير المتزاحمة الملتحمة تسد أبواب دور العرض سعيًا لحضور الفيلم، حتى أن كثيرًا من دور العرض خصصت حفلات وقاعات أكثر لاستيعاب الراغبين بالمشاهدة، وأعلن الفيلم كلمته بأن توليفته كانت الأقدر على استجلاب كل فئات الجماهير بتبايناتها وتنوعاتها، وفي ظل وجود فيلم آخر ينضح بأعلام السينما في السنوات الأخيرة.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد لخروج الجماهير راضية تمامًا عن الفيلم وقد التهمت الضحكات وجوههم لما قدمه الفيلم لهم من متعة وسرور؛ ولهذا أسباب عديدة تستحق الذكر.

بدايًة دعونا نتفق أن صُناع الفيلم أذكياء، وذكائهم لم يتوقف عند اختيار نجوم الفيلم وكفى، لكننا نجد مخرج الفيلم "معتز التوني" يبرم معنا اتفاقًا منذ اللحظة الأولى بأنه سيضحكنا بالمبالغات، وأن تلك المبالغات ستتكئ على اللامنطقية التامة في كل تفاصيلها، وأنت ستحب هذا وستضحك له، فلا مجال لاصطياد ما هو غير منطقي أو ما هو مُبالغ فيه، لأن هذا هو عماد الفيلم الذي سيروقك، بدءًا من الخطأ العجيب الذي يرتكبه أحد العاملين حين يُقدِّم ورقة تحمل رقم فرقة قوات خاصة ستتولى مهمة خطيرة بشكل مغلوط؛ فيتسبب في تولية فرقة موسيقية لمهمة خطيرة تتمثل في إنقاذ سفير مُختطَف بدولة الهند، وتنطلق الفرقة الموسيقية بالفعل دون أن يكتشف أي مسؤول عن إجراء العملية هذا الخطأ الصارخ، ورغم أن الأمر تفعمه المبالغة واللامنطقية إلا أنك تتجرعه برحابة صدر وتضحك راضيًا، لأنه – كما ذكرنا سلفًا – ميثاق صُناع الفيلم معك، فلم يهيئوك لحبكة ذات أبعاد، ولم يُعشّموك بمنعطفات محورية، هي فقط المبالغة واللامنطقية التي ستبهجك تمامًا.

لنشهد ذات المعايير في الخط الرومانسي – إذا صحّ التعبير – بين سناء "محمد سلّام" والغوريلا، في واحد من أكثر الخطوط غرابة على الإطلاق وأثقلها صراخًا باللامنطقية، لكنك تحبه وترتبط به وتنتظره، فتضحكك تفاصيله مهما كانت، هم أبرموا الاتفاق بأنهم سيضحكونك بتلك المبالغات الصارخة باللامنطقية منذ اللحظة الأولى.

ويمتد ذكاء صُناع الفيلم لاستخدام بعض التفاصيل الصغيرة الرنانة، مثل أن يكون اسم محمد إمام هو "آدم صبري" إشارة لـرجل المستحيل "أدهم صبري"، وأن يكون اسم الشهرة لـ"محمد ثروت" في الهند هو "شاروخان" تيمنًا باسم النجم الهندي الكبير شاروخان، وهنا نقتنص الفرصة للإشادة بأداء محمد ثروت المُلفت في الفيلم، حيث أدى دوره ببراعة وكان قادرًا على اقتلاع ضحكات الجميع بلوازمه المختلفة وردود أفعاله المُضحكة في سلاسة تامة ودون أي تكلف.

حتى إفيهات الفيلم وإسكتشاته اصطبغت بذكاء القائمين عليه، فشهدنا إفيهات جديدة تخدمها المواقف لتُدوّي في ذاكرة متلقيها، مثل إفيه "أنا بأغير" الذي قاله آدم حين تظاهر بكونه تمثال فيدغدغه أحد الحراس، ليخرج آدم عن سكونه ويلكم الحارس في وجهه قائلًا بخفة ظل "أنا بأغير"، أو إفيه "وطي صوتك متفضحناش، إحنا في مهمة سرية" الذي كان يردده شاروخان بينما يرتكب بنفسه هو وزوجته مواقف تكشف للعالم كله حقيقتهم التي يُفترض مداراتها، وغيرها من الإفيهات التي ارتبطت بمواقف عِدة في الفيلم.

غير الإسكتشات التي اقترنت بمجهود واضح لابتكار جديدًا يُضحِك بها أو لخلق أجواء طريفة تُغلفها، مثل مشهد "محمد عبدالرحمن" ومحمد إمام في بداية الفيلم، في واحد من أجمل مشاهد الفيلم قاطبةً إن لم يكن أجملها على الإطلاق، محمد عبد الرحمن يتألق في كل ما يصدر عنه بالمشهد ويترك بصمته الواسعة بالفيلم من خلال مشهد وحيد فقط لا غير، أدى فيه دور العالِم "أبو العينين"، ليتبادل هو ومحمد إمام إلقاء الطرائف والنكات بشكل تلقائي سلس يقتنص بسمتك دون تفكير.. غير المشهد الذي يلعب فيه أعضاء الفريق مع الزعيم الهندي لعبة "صلَّح"، ويكرر خلاله "أحمد فتحي" سُبّة يعتقد أن الزعيم الهندي يقذفه بها مرارًا، المشهد طريف للغاية وباعثًا على السرور بشكل غريب.

أما النقطة التي أعتبرها أذكى ما صدر عن صُناع الفيلم، هي عدم اللجوء لفرد مساحات درامية لا طائل منها ولا جدوى، فلا تجد تحولًا دراميًا سافرًا، ولا تقابل صحوة أحد الشخصيات وقد نبتت من أرض العدم، ولا تصادف مشاهد درامية دخيلة مقحومة رغمًا عن طبيعة الفيلم، المبالغة فقط واللامنطقية الصارخة منذ مولد الفيلم وحتى احتضاره، وهي لعمري من أذكى ملامح الفيلم وأبرزها لمعانًا.

بقي أن نُسلِّط الضوء على بعض اختيارات معتز التوني، فاختياره محمد إمام كان مُوفقًا تمامًا، حيث أن مقومات محمد إمام البدنية تؤهله لمثل هذا الدور كما تؤهله طريقة إلقائه الدعابات للتعامل مع وضع الفرقة المغلوطة التي يُبتلى بها في مهمته، ثم يأتي اختياره للآسرة "ياسمين صبري"، ورغم أدائها الذي يشوبه كثير من الافتعال، إلا أن طلّتها وحدها تستحوذك تمامًا، وجمال ملامحها يحكم حواسك لمتابعتها بشغف، ومقوماتها البدنية هي الأخرى تؤهلها تمامًا لطبيعة الدور، فضلًا عن باقي اختيارات التوني التى لازمه بها التوفيق.. ولن نغفل الاستعراضات الهندية بخاتمة الفيلم، والتي خرجت بشكل جيد ينُم عن مجهود ليس بهين لتظهر بمثل هذا الشكل.

فيلم "جحيم في الهند" فيلم كوميدي لم يُعارض هويّته، منذ أنفاسه الأولى يعمل على الفوز بضحكتك، وإقناعك بأنه فيلمًا خفيفًا روحًا وقَدرًا، لا رسالات يزيفها لك، ولا انعطافات يقحمها عليك، بل سيظفر باحترامك بضحكتك التي سيُحدِثها وبسمتك التي يرسمها، لهذا لاقى النجاح ولهذا أسعد جمهوره؛ ولهذا سيطول الجحيم في الهند وستلتهب حرارته في دور العرض وشباك التذاكر فترة لا بأس بها.



تعليقات