صناعة الأفلام موهبة، ولكن صُنع أفلام لها معنى هو الفن بحد ذاته. صناعة السينما لها أبعاد كثيرة، وينعكس ذلك على الجمهور بشكل أو آخر، فلديك نوع يشاهد الأفلام للمتعة وتمضية الوقت فقط، فلا تهمه التفاصيل البسيطة أو الربط بين العناصر المتعددة، بل يريد مشاهدة فيلم "مسلي" وفقط، بينما أخرون يجدون متعة كبيرة في مشاهدة الأفلام المعقدة، ففيلم بسيط لن يشبع رغباتهم، بل يريدون عملًا متكاملًا وذكيًا، ليحللونه وربما يحتاجون لمشاهدته مرة ثانية لفهمه تمامًا، وهناك فرق كبير بين المجموعتين، فالمجموعة الأولى ستشاهد أي فيلم يوهمها أنه مناسب، بينما المجموعة الثانية لن ترضى بأي عمل، حتى لو كان إعلانه مغري ومشوق.
هوليوود هي "المركبة الأم" لصناعة الأفلام، إذ تنفق شركات الإنتاج كل سنة المليارات على أفلام ينجح بعضها والبعض الآخر يفشل ويسقط. فالمال مهم جدًا في هذه الصناعة، وبالنهاية إن لم ينجح الفيلم ويحقق إيرادات، ستتوقف شركات الإنتاج عن صرف المزيد من اﻷموال على أعمال مشابهة له، حتى لا تقع بنفس الخطأ، لهذا السبب تعرضت أجزاء عديدة للإلغاء بعد فشل الفيلم الأصلي.
ومن المعروف أن هوليوود ستفعل المستحيل والشركات ستبذل كل ما بوسعها كي لا تخسر المعركة السينمائية، لذا، وعبر مرور الزمن، تواجدت بعض "الإستراتيجيات" التي يعتمدها صناع الأفلام لكسب المال، لكنها أثرت سلبًا على بعض الأفلام، حتى أنها ساهمت في انحدار مستوى الأفلام السينمائية سنة بعد سنة وذلك من وجهة نظر العديد من المتابعين والنقاد.
في هذا المقال سنفصّل بعض الحلول التي تعتمدها شركات الإنتاج للربح المادي ونرى تأثيرها المباشر وغير المباشر على صناعة السينما، وكي نكون عادلين، سوف نذكر في كل فئة أفلام نجحت وأخرى فشلت ونحاول تحليل هذه النتيجة:
الاقتباس هو نقل أو تكرار شيء مشهور أو قول معروف. في السينما يكون الاقتباس من عمل آخر ويأخذ أكثر من شكل..
1_ روايات
من المعروف أن كل كتاب ناجح، هو مشروع فيلم سينمائي محتمل، فاسم أي فيلم وإلى جانبه جملة: Inspired by the best-selling novel أو "مقتبس عن الرواية الأكثر مبيعًا"، كفيلًا بجذب الجمهور حتى لو لم يسمعوا بالكتاب من قبل. لائحة الكتب التي تحولت لأفلام لا تنتهي، وربما يفاجأك أن تكتشف أن أفلام شهيرة هي بالأساس كتب ناجحة مثل Silence of the Lambs وFight Club وحتى A Clockwork Orange. لكن فن اقتباس الكتب دقيق جدًا، فكتابة الفيلم يجب أن تكون مختلفة، يجب حذف بعض الشخصيات أو تقصير أحداث كانت تأخذ مساحة كبيرة بالرواية، وأن يتم كل هذا مع الحفاظ على تماسك القصة وسحرها.
ومن الاقتباسات الناجحة جدًا نذكر سلسلة أفلام هاري بوتر، التي حققت إيرادات خيالية، ونقلتنا إلى عالم من السحر، الأفلام الثمانية خرجت بمستوى عالِ، مع وجود فرق طفيف في المستوى بين فيلم وآخر، إلا أن النتيجة النهائية كانت إيجابية جدًا، نذكر أن كاتبة الروايات ج. ك. رولينج لم تكتب نص أي فيلم بل تولاها كتاب أفلام متخصصين، في مقدمتهم ستيف كلوفز.
طبعًا بعض الاقتباسات لم تكن ناجحة مثل فيلم Battlefield Earth بطولة جون ترافولتا، الذي فشل فشلًا كبيرًا بعيون النقاد والمشاهدين لدرجة أن جزء ثانِ منه تم الغاؤه ويعتبر حتى الآن أحد أكثر أفلام العصر إخفاقًا.
نذكر أيضًا بعض الاقتباسات التي تستهوي فئة معينة من المشاهدين مثل قصص نيكولاس سباركس الرومانسية، والتي تحولت جميعها تقريبًا ﻷفلامٍ سينمائية أيضًا بمستوى متفاوت بين الفيلم والآخر.
وفي المقابل جاء عدد لا بأس به من الأفلام مقللًا من قيمة الكتب الأصلية، ما جعلها تبدو باهتة، ليأخذ عنها الجمهور فكرة خاطئة.
2_ مسلسلات
عند نجاح مسلسل، من المنطقي أن ترغب شركة الإنتاج في تحويله أو اقتباسه على الشاشة الكبيرة، وذلك أولًا لاختبار نجاحه بالأرقام عبر شباك التذاكر، ولكسب المال بما أن نجاح فيلم يدر أموال أكثر من المسلسلات المتلفزة.
المسلسلات التي تحولت لأفلام كثيرة، ونذكر منها Mission Impossible و21 Jump Street، وهي أفلام نجحت بما أنها استعملت القصة بشكل ذكي مع ممثلين موهوبين، فمثلًا سلسلة The Simpsons الشهيرة كان لها فيلمها الخاص عام 2007، والذي حقق نجاحًا، ونال إعجاب الجمهور بما أنه كان فيلم مستقل وليس حلقة تليفزيونية مطولة.
أفلام أخرى فشلت، نذكر منها Avatar: The Last Airbender من إخراج إم. نايت شيامالان، الذي حصل على انتقادات سلبية لدرجة اعتبار البعض أنه تسبب في تشويه صورة السلسلة الأصلية الناجحة.
إذًا اقتباس مسلسل للشاشة الكبيرة يجب أن ينبع من فكرة لا يمكن تقديمها على التليفزيون، ولكن تحتاج لشاشة كبيرة وأن تكون فيلم، فمع الأيام اكتشفنا أن الأفلام التي كان الهدف من ورائها الربح المادي البحت لم تفز في النهاية بجائزة الجمهور.
3_ ألعاب الفيديو
مصدر آخَر للأفلام هو ألعاب الفيديو المنتشرة بكثافة بأيامنا هذه، وتستحوذ على اهتمام الشباب بشكل كبير، يقتبس صناع السينما هذه اﻷلعاب ويحولونها ﻷفلام سينمائية يجذبون من خلالها مدمني ألعاب الفيديو لصالات السينما لمشاهدة فيلم هو تصوير حي للعبتهم المفضلة، لن يأبه أحد إذا كان السيناريو ضعيف، وحتى إذا كان التمثيل عادي، فعاشق اللعبة لن يلتفت لهذه التفاصيل فهو يريد مشاهدة عالمه المفضل يتحرك أمامه.
سلسلة أفلام Resident Evil مقتبسة عن اللعبة الشهيرة التي تحمل نفس الاسم، الأفلام الخمسة كانت من بطولة ميلا جوفوفيتش، وحققت نجاحات متفاوتة، فالفيلم الأول كان جميلًا، حاول البقاء في إطار اللعبة، لكن الأجزاء التي لحقت به كانت كلها تدور حول نفس المشكلة، وتخلق مشاكل جديدة لتطويل السلسلة بلا فائدة. آخِر جزء من المقرر عرضه عام 2017، ونتمنى أن يكون خير ختام لهذه السلسلة.
لعبة Angry Birds هي لعبة شعبية اشتهرت كثيرًا في الأونة الأخير، فأصبحت الشخصيات في كل مكان وتم صناعة عدد كبير من الألعاب. طبعًا صناع اللعبة قرروا نقلها للسينما بفيلم تم عرضه هذا العام. كل النقاد اجتمعوا على رأي واحد: الفيلم طفولي ولا يملك أبعاد، ففي زمن بيكسار ودريموركس أصبحت أفلام الأنيميشن أكثر نضوجًا وتحمل رسائل مهمة قد تهم الكبار قبل الصغار، لكن Angry Birds Movie جاء باهتًا يعتمد على نكات سخيفة قد تضحك الأطفال. دون أن ننسى أن لعبة "الطيور الغاضبة" لا تحتمل أن تصبح فيلمًا بما أنها لا تحتوي على قصة أصلًا، هي مجموعة طيور يتم قذفها على خنازير خضراء، فحاول الكُتاب جاهدين تركيب قصة لكن دون أي جدوى، فشل الفيلم.
كل الأنظار الآن متوجهة نحو فيلم Assassin’s Creed الذي من المفترض إصداره في ديسمبر المقبل، اللعبة مشهورة والبطولة لـ مايكل فاسبندر، الذي يدرس خطواته ويقدم أدواره بشكل محترف، وتشاركه البطولة الجميلة ماريون كوتيار. فهل يكون أنجح الأفلام المقتبسة عن ألعاب فيديو؟ أم سيُخيب آمالنا؟
4_ المجلات المصورة "الكوميكس" أفلام الأبطال الخارقين هي موضة هذا العصر، فأكثر من 80% من شخصيات الكوميكس تم تجسيدها ولو لمرة على الشاشة الكبيرة ومنها أكثر من مرة. الشركتان اللتان تسيطران على هذه النوعية هما "مارفل" (الرجل الحديدي، كابتن أميركا، سبايدرمان...) و"دي سي كوميكس" (باتمان، سوبرمان...)، ولكن حتى هذه الأفلام تكون متفاوتة، فبعضها يكون خلاب وساحر ويقدم الشيء المطلوب وأكثر، كفيلم Guardians of The Galaxy، الذي حقق نجاحًا كبيرًا، أو تكون الأفلام مخيبة للآمال كفيلم Daredevil عام 2003 بطولة بن أفليك.
المقارنة بين "مارفل" و"دي سي" صعبة لأن كل واحدة منهما لديها نقاط ضعف ونقاط قوة; مارفل قدمت سلسلة أفلام مربوطة ومتماسكة كأنها فعلًا تدور بنفس العالم، أفلامها تحقق نجاحًا ومرتبطة من كل النواحي، لكنها أحيانًا تقدم أعمالًا عادية لا تلغي الأفلام الناجحة السابقة ولا تزيد عليها شيء، مخطط مارفل لسلسلة أفلامها مستمر وهي تدرس كل خطوة بحذر وكأن كل شيء مخطط له. بالمقابل "دي سي" كان لديها سقطات أكبر، نشعر أن عالمهم "ضبابي" بعض الشيء، فلا ربط ذكي بين مختلف الأفلام، وبعض أفلامها تناقلها مخرجين عديدين وقُدمت أكثر من مرة فكان لباتمان سلسلة من إخراج تيم بورتون وبعدها سلسلة أخرى لـكريستوفر نولان، والآن زاك سنايدر في Batman V Superman وسنراه في فيلم Justice League. ويتهم البعض "دي سي" أنها تحاول "تقليد" مارفل، لكن شخصيات "دي سي" ناجحة وتنقذها في معظم الأحيان ولديها قاعدة جماهيرية واسعة.
5_ الأحداث الحقيقية
هنا سوف نتحدث عن الأفلام التي تُعيد تصوير حدث معين، والأفلام التي تروي قصة أحد الأشخاص أو ما يعرف بالـBiography "السيرة الذاتية". فجملة "مقتبس عن أحداث حقيقية" يمكن أن تدب فينا الخوف إذا كانت تحت عنوان فيلم رعب، وتكون مشوقة كثيرًا في حالة الأفلام التي تروي قصة تاريخية أو حادثة محددة حدثت بالفعل.
ولأفلام الأحداث الحقيقية الكثير من علامات الاستفهام، فمن يعرف إذا ما كانت الأحداث صُورت بشكل صحيح وفق الأحداث أم أنه تم التلاعب بها لخدمة قضية معينة أو نوع من أنواع الـpropaganda أو الدعاية لشيءٍ ما.
نحن نعلم جيدًا أن أي حدث يجب أن تتم معالجته وإعادة كتابته ليصبح فيلمًا، إلا أن العديد من الأفلام وصلت لمرحلة تغيير بالأحداث أو تجاهل أحداث أخرى بهدف خدمة شيء معين. أكثر الأفلام إثارة للجدل كان Argo، الحائز على أوسكار أفضل فيلم لعام 2012، الفيلم يروي قصة احتجاز موظفين من السفارة الأمريكية في أيام الثورة الإيرانية والخطة المتبعة من قِبل العميل "توني منديز" لإخراجهم. الفيلم واجه كمًا كبيرًا من الانتقادات كان أكبرها اعتراض على تقليص دور السفير الكندي في عملية الإنقاذ، مما دفع مخرج الفيلم بن أفليك لتغيير جمل النهاية، كما أن دولة إيران اعترضت على الفيلم، باﻹضافة إلى أن الكثير من أحداث الفيلم لم تحصل مثل المطاردة قبل صعود الرهائن إلى الطائرة، وبعض الشخصيات من اختراع الكاتب كشخصية المنتج "ليستر سيجل" فهل فعلًا أفلام القصص الحقيقية تشبه الحقيقة؟
لائحة أفلام السيرة الذاتية طويلة، وبها العديد من الأفلام الجميلة مثل فيلم The Social Network عن قصة مخترع "فايسبوك"، الفيلم نقلنا إلى عالم آخَر وإن كانت بعض الأحداث تحمل شيئًا من المبالغة، إلا أننا استمتعنا بفيلم متكامل العناصر ومتمكن. ومن الأفلام التي نالت انتقادات كان فيلم A Beautiful Mind بطولة راسل كرو، الذي يروي قصة العبقري "جون ناش" ومرض الانفصام بالشخصية، الذي كان يعاني منه، ولم يمنعه من الاكتشافات وحل العقد الحسابية. أحداث الفيلم ليست كلها صحيحة ولا حتى الشخصيات كلها حقيقية - باستثناء ناش وزوجته اليسيا- مما دفع المنتجون للقول إنهم لم يقصدوا تصوير حياة جون ناش حرفيًا كما كانت.
إذًا أفلام الأحداث الحقيقية ليست كلها "حقيقية"، فخدمةٍ للنص أو الإخراج أو احترامًا للشخصية المقتبسة يتغاضى المنتجون كما الكتاب عن بعض الأحداث غير الضرورية ويستبدلونها بأحداث أخرى تخدم الفيلم أكثر.
موضة الاقتباس ليست وليدة اللحظة بل هي موجودة منذ زمن، لكن المُلفت أنها تزداد أكثر وأكثر حتى أصبحت الأفلام ذات الأفكار الأصلية -تحمل فكرة أصلية للكتاب- نوعًا ما قليلة، فهل هذا ينم عن نقص بالإبداع أم أن السبب مالي بحت؟
6_ إعادة الصناعة والريبوت
الفرق بين إعادة صنع الفيلم "Remake" والريبوت "Reboot" دقيق جدًا، ففي الحالة الأولى يعاد صنع فيلم بفكرة طرحت سابقًا، مثل فيلم Ocean’s Eleven عام 2001 بطولة براد بيت وجورج كلوني، الذي هو إعادة لفيلم بنفس العنوان أُنتج عام 1989 ويروي نفس القصة، مع اختلاف بعض التفاصيل وطبعًا التقنيات التي أصبحت أكثر تطورًا. أما "الريبوت" فو نبذ كل ما تم بنائه في سلسلة سابقة، والبدء من الصفر طبعًا، مع بعض التعديلات والتقنيات الجديدة، مثلًا سلسلة "باتمان" عام 1989 لتيم بورتون تم إعادتها عام 2005 لكن هذه المرة مع كريستوفر نولان في Batman Begins، فتم سرد القصة من جديد مع ممثلين مختلفين وتم بناء ثلاثة أفلام جديدة لا تمت بصلة للسلسة السابقة.
فكرة إعادة الصناعة تُستخدم عادةً مع أفلام قديمة ناجحة، لم تكن التقنيات حينها مناسبة، فيتم إعادتها مع تكنولوجيا جديدة; فيلم King Kong على سبيل المثال صُنع عام 1976 وحينها كانت التكنولوجيا محدودة ولا تقارن بـCGI اليوم، فجاء الفيلم جيد لكن بسيط، وفي عام 2005 قدم بيتر جاكسون فيلم king Kong والفرق طبعًا كان كبيرًا وشعرنا برعب هذا الوحش العملاق ومشاهد المعركة كانت أكثر من جميلة.
وفي المقابل جاءت العديد من الأفلام بمثابة "لعنة" على من تولى صناعتها، ففي عام 2005 قدم المخرج تيم ستوري فيلم Fantastic Four مقتبسًا عن أبطال "مارفل"، الفيلم لم يكن جيدًا وحتى الجزء الثاني منه كان اسوأ. أما في عام 2015 حاول جوش ترانك إعادة صنع السلسلة لكن الفيلم فشل أيضًا وصُنف كأسوأ أفلام العام، إذًا لا يمكن ضمان نجاح الفيلم مع الريبوت كل مرة، فأحيانًا يكون الفيلم الأصلي حتى أجمل من الحديث.
في الحلقة المقبلة من سلسلة هذه المقالات سيتم مناقشة باقِ إستراتيجيات هوليوود في صنع المال..