هل شاهدت مثل هذه القصة في فيلم سينمائي من قبل؟ رجل وامرأة يتظاهران أمام الجميع لإقناعهم بوجود علاقة عاطفية بينهما، وفي أثناء ادعائهما الحب أمام الآخرين، يكتشفان فجأة وبدون أي مقدمات أن لديهما الكثير من القواسم والاهتمامات المشتركة، وتبدأ المشاعر تطفو على سطح تلك العلاقة المزيفة لتنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتتحول بالكامل إلى علاقة عاطفية ملتهبة في نهاية المطاف، إذا كنت من القلائل الذين لم يشاهدوا مثل هذه القصة من قبل، فإنك حقًا محظوظ لأنك ستنبهر حينها بفكرة فيلم "لف ودوران".
تعاني السينما العربية بشكل عام، والسينما المصرية صاحبة الريادة بشكل خاص، من أزمة أفكار متكررة وخاوية من أي إبداع بشكل واضح للعيان، تلك الأزمة التي يبدو أنها في تزايد مستمر، يجعلنا نكتشف في كل عام المزيد من المنتجات السينمائية ذات الأفكار المكررة والمقتبسة من الغرب، ناهيك عن المزيد والمزيد من الإسفاف والابتذال والانفلات وتردي الأخلاقيات، ما أدى إلى انتشار حالة فساد للذوق العام، ولكن إذا دققنا البحث فلابد أن نجد الأفضل بين هذه الأفلام، وهذا الأفضل لابد أن يكون مختلفًا يحمل أفكارًا جديدة، إلا أن الشيء الذي أحزن ﻷجله حقًا هو أن يسقط أحد أفضل أفلام هذا العام والفيلم الأكثر تحقيقًا للإيرادات في تاريخ السينما المصرية، في فخ فكرة مكررة أو بالأحرى فكرة "مهروسة" في عشرات الأفلام الأجنبية والعربية القديمة.
العلاقة المزيفة التي تؤدي في النهاية إلى علاقة حب حقيقية وصادقة، هي فكرة قديمة قدم نشأة السينما تقريبًا، ويمكن وصفها أيضًا بأنها فكرة بالية من كثرة الاستعمال، بل ويستطيع المشاهد العادي أن يشتم رائحة نهاية الفيلم بعد مرور عشرين دقيقة من أحداثه المتوقعة بكل سهولة ويسر، ظهرت تلك الفكرة في أفلام عديدة، كان أولها عام 1934 في فيلم "It Happened One Night" ثم توالى ظهورها في أفلام عديدة أبرزها "Can’t Buy Me Love" عام 1987 و"10 Things I Hate About You عام 1999 و"The Proposal" عام 2009 و"My Fake Fiance" عام 2009، أما عربيًا فجميعنا بالتأكيد نتذكر فيلم "إنت حبيبي" بطولة فريد الأطرش وشادية من إخراج العالمي يوسف شاهين.
العبقري الراحل يوسف شاهين لم يكن سعيدًا على الإطلاق بعمله كمخرج لفيلم "إنت حبيبي"، وقبوله للعمل كان لأسباب مادية بحتة، وقد أطلق بعدها العديد من التصريحات التي توضح عدم حبه للعمل وعدم اقتناعه بفريد الأطرش كممثل، وقرر بعد هذه التجربة عدم الانسياق خلف سينما المقاولات، وعدم قبول أي قصة تحمل قيمة فنية أقل من طموحاته خوفًا من أن تصرفه تلك الأفلام عن حلمه بالوصول للعالمية، وبالفعل حقق حلمه ووصل للعالمية وحصل على جائزة تكريمية من مهرجان كان عام 1997.
نفس هذه القصة التي جلبت الندم لمخرجها عام 1957، يتم تقديمها الآن في 2016 لأفضل المواهب التمثيلية لدينا. أحمد حلمي كالمعتاد عند حسن ظن جماهيره ولم يخذلهم قط في تقديم كوميديا نظيفة وهادفة تحمل رسائل فنية ذات قيمة، أما دنيا سمير غانم فهي الصاروخ الذي تم إطلاقه في سماء الفن من قاعدة إطلاق صواريخ فنية أصيلة، الاجتماع الثاني بعد فيلم "إكس لارج" لحلمي ودنيا معًا تحت سقف فيلم واحد، كان شيئًا رائعًا وممتعًا حقًا للمشاهدة حتى أن فكرة الفيلم كانت جيدة جدًا وبها مزيج رائع من العاطفة والكوميديا في إطار مناخ عائلي مصري مرح ومفعم بالحيوية، إلا أن عتابي الوحيد هو أن تصبح الأفكار المكررة أفضل ما تقدمه لنا السينما المصرية الآن.
بطبيعة الحال، مصر هي القاعدة الفنية الكبرى للوطن العربي في شتى مجالات الفن وخاصة السينما، كما أنها مازالت الدولة الوحيدة القادرة على قيادة العالم العربي فنيًا نحو العالمية، فضلًا عن أن هذا العام شهد انتعاشًا حقيقيًا للسينما في مصر عندما تم اختيار 4 أفلام مصرية أصيلة للمنافسة في سباق ثلاثة مهرجانات مختلفة، أبرزهم فيلم "اشتباك"، والذي شارك في مهرجان "كان"، كما تم اختيار الفيلم أيضًا لتمثيل مصر في سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي، ولكنه لم يستطع إكمال تلك المسيرة المستعصية على السينما العربية، وذلك بعد خروجه من السباق مبكرًا.
ولكن إذا أردنا حقًا اكتشاف موقعنا العربي على خارطة السينما العالمية، وتغيير الصورة العربية المشوهة عند الغرب، فأمامنا أخطاء كثيرة لنتداركها، وأبرز تلك الأخطاء هي التي يسمونها المراهنة على الأهداف الصغيرة، بمعنى أن نتوقف عن تقديم أعمال بهدف أن يشاهدها العالم العربي، ونثق في قدرتنا على تقديم أعمال يشاهدها العالم أجمع وإرغامه على الانبهار بما نقدم، كما ننبهر نحن بالسينما العالمية، ولن نستطيع النجاح مطلقًا إلا إذا اعتقدنا يقينًا أن هذا النجاح في استطاعتنا، لذا فلنتعلم قليلًا من يوسف شاهين ولنجعل من العالمية هدفًا نضعه نصب أعيننا وكفانا "لف ودوران" حول الأفكار القديمة المستهلكة.