"Chef".. قصّة لذيذة عن الشغف

  • نقد
  • 12:29 صباحًا - 24 يناير 2017
  • 2 صورتين



Chef

يحكي فيلم "Chef" عن الطاهي الماهر "كارل كاسبر" الذي يريد الاستقلال بعمله، وتأسيس مطعمه الخاص بعد استقالته من مطعم عمل به لسنوات طويلة، نجح خلالها في بناء اسم كبير له بين الطُهاة المهرة، وتستعرض القصة فترة عُمرية من حياته ينتقل فيها من مرحلة لأخرى مع التغيرات الطارئة من حوله، وفي إطار ذلك يواجه العديد من العقبات التي تقف في طريقه مع رغبته في الموازنة بين كُلٍ من عمله وعائلته.

ربما تعتقد لوهلة أن قصة في قالب الغذاء هذا ستكون رحلة بروتينيّة لاستعراض أطعمة مختلفة الألوان كالبرامج التسجيلية، لكن حقيقةً الفيلم فاجأني وفاق توقعاتي وقدم قصة مثيرة تستحق المُتابعة.

القصة عن شخصٍ مُثابر وشغوف بما يعمل لأقصى درجة، ويريد أن يكون الأفضل في مجاله، يحاول جاهدًا في الحياة تحسين نفسه والاستمرار في ما يفعله. شخصية "كاسبر" هي محور القصة وهو رجل يُسهل التعاطف معه منذ مشهد البداية، دوافعه ومبرراته واضحة، عنده كاريزما مميزة ومُحببه ممن حوله.

القصة تُروى من خلال شقّين دراميين في حياة "كاسبر"؛ الأول هو حياته المهنيّة كطاهي ورغبته في تقديم الأطباق المميزة والمأكولات غير المعهودة، التي يجد في صُنعها سعادة الحياة، والثاني هو علاقته بابنه الصغير "بيرسي" صاحب العشر سنوات، وهما شقّان مُنفصلين في بداية الفيلم، لكن ومع سير الأحداث يتداخلان ويُصبحان واحد، وذلك عندما يُقرر "كاسبر" اصطحاب ابنه في مشروعه المستقل للعمل في مقطورة الطعام كمساعد له.

في الواقع علاقة الأب بابنه هي أجمل ما يجذبك في الفيلم وما أعتبره مكمن الدراما الحقيقية في القصة، الفترة المُضطربة من حياة "كاسبر" التي لا يجد بها كثيرًا من الوقت يقضيه مع ابنه، عدا عندما يكونان في البيت سويًا أو عندما يأخذه من مدرسته، تؤثّر على الابن وتجعله يطلب من والده أن يخرُجا سويًا ليفعلا شيئًا مختلفًا عدا المعتاد، الأب دائمًا ما يقول له "ربما لاحقًا" بسبب أموره الكثيرة، حتى تنقلب الأمور في منتصف الفيلم عندما تسنح فرصة حقيقية مُنتظرة أن يجتمعا، وذلك عندما ينوي "كاسبر" العمل في مقطورة طعام متجوّلة رفقة صديقًا له، ويُكرّس كامل وقت إجازته الصيفية لعمل ما يحب وفي ذات الوقت لتعليم ابنه اليافع من مهاراته في الطبخ قليلًا، وهنا تظهر أبعاد جديدة للعلاقة الحميمة بينهُما، وتتسنّي على كل منهما معرفة الآخر جيداً لتتشكل علاقة قوية بينهُما غاية في الروعة والعاطفية في شكلها السينمائي.

تتجلّى هذه العلاقة في المشهد عندما يُخرج "كاسبر" ابنه من المقطورة في منتصف العمل، ويقول له بنبرة اعتراف بتقصيره تجاهه: "ربما لستُ عظيماً في كل شيء أفعله في حياتي، لكنّي جيد في هذا -قاصدًا الطهي-، وقد مكنني ما أفعله من لمس حياة الآخرين.. وأريد أن أشارك هذا معك"، ثم بعدها يطلب منه ألا يكمل في الأمر معه إذا لم يكن يحب هذا العمل فعلًا والدافع من داخله، لكن الصبي يُجيبه بأنه يُحب هذا العمل ويريد أن يتعلم منه.

أهم ما يميز الفيلم استخدامه للغة عصره الحديثة، المتمثلة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" كعامل أساسي في سرد القصة، وهو ما يبرُع في خباياه الصغير "بيرسي"، ويُفيد أبيه عن كل صغيرة وكبيرة بالتكنولوجيا الحديثة، أباه على الجهة الأخرى لا يعلم شيئًا عن كيفية استخدامها والتعامل معها. النص جعل "بيرسي" أداة رئيسية في تطور الأحداث وهذا فقط بعلمه لعالم الإنترنت من هاتفه الخاص، وهو أمر مثير جداً للإعجاب والدهشة، وقد نفذ الممثل الصغير إيمجاي أنتوني الدور بصورة تعبيريّة أكثر من رائعة، أظهر برائته وعفويته بلا مُبالغة وباتزان ملحوظ.

من الأشياء البارزة في الفيلم روح التعاون وأجواء العائلة والأصدقاء التي تغلُب عليه، الجميع أخوةً يُحبون ويقِفُون مع بعضهم بعضًا عند حدوث مشكلة، أبرز تلك المشاعر بين ثُلاثي مقطورة الطعام الذي يقوم كل شخص بها بمهمة مختلفة تمامًا عن غيره، لكنهُما كالجسد الواحد في تعاونهم وتناغمهم. هناك الطباخ الماهر الذي يعُد طلبات الزبائن وهو القائد الأعلى للفريق، وهناك الرجل المساعد شخصية "مارتن" من الممثل جون ليجويزامو، الذي يتحدث الإسبانية بطلاقة ويتولّى مهام جلب المُتطلبات، وهو صاحب الحل عند حدوث أزمة للفريق، وهناك العقل المُدبّر الصبي البارع في استخدام "تويتر"، حيث يقوم بمهمة التغريد وإعلام الناس بمكان توجههم بالمقطورة على مُختلف ولايات أمريكا، وأيضاً يُسجل ويلتقط الصور لأحداثهم اليومية لتكون ذكرى لهذه المغامرة العائلية.

هناك نُقطتان جعلت العمل يفقد قليلاً من تماسكه وهُما أن الدراما والمنعطفات في القصة كُلها في النصف الأول، بينما النصف الثاني يسير كُله في صالح الفريق ولم يكن الأمر واقعيًا، كأن الأجواء أصبحت فجأة جميلة ورائعة، وليس هناك أيه مشاكل تقابل رحلتهم في العُطلة الصيفية، وإن كنت أتفهم أن الجانب الأكبر الذي يُريد المخرج إظهاره هو نتائج الجزء الأول من معاناة الشخصية البطلة للفيلم. الشيء الثاني أنه يُقال منذ بداية الفيلم أن "كاسبر" طاهٍ مشهور ذو صيت وأطباقه مميزة، لكننا لا نختبر أحدًا من الجمهور يُبدي برأيه عنه أو يُظهر ردة فعل تجاه مأكولاته، ليس هناك مشهد واحد يؤكد هذا القول، وهو ما أفقد إثراء الشخصية وإيماننا أكثر بها وتعلقها في الأذهان.

الفيلم من تأليف وإخراج جون فافرو، وهو أيضاً الممثل الرئيسي بشخصية "كارل كاسبر"، وهو ما يُفضّله الأغلبية مع الأفلام، والتي عادةً ما تكون جيدة فعلاً وتُعبر عن رغبة أصحابها الشديدة بتقديم قصة ما، في واقع الفيلم هو أمر عجيب ومُلهم حقيقةً أن تجد شخص واحد يحمل على عاتقه الفيلم بأكمله بهذا الشغف، وبأداء تمثيلي مُصدَّق وتقمص جيد للشخصية. أيضاً لابد من الإشادة بالموسيقى التصويرية ذات النغمات المكسيكية البديعة، والتي أعطت طابع قويٌ بالأجواء الصيفية المرحة، وألوان الكادرات الصباحيّة الصفراء الموحية بفترة الحر الشديد في الصيف، وهو ما شكّل نموذج مثالي للفيلم الباعث على السعادة، الذي يندرج تحت فئة أفلام "Feel-Good Movies".

"Chef" لا يقتصر على كونه فيلمًا مُسليًا، مرحًا، ولذيذًا، بل هو مغامرة درامية لعالم لا يُستعرض كثيرًا في الأفلام، بقصة مُحفزة تحوي العديد من القيم والأمثلة، تؤكد على ضرورة تمسك الإنسان بما يُحب، وتُبيّن أهمية كون المرء شغوفاً ومولعًا بشيءٍ ما في الحياة، تجعله يحتمل ويتقبل الصعاب من حوله، ليرى العالم بصورة مختلفة، وتجعل من حياته قصة سعيدة، ربما تستحق أن تُروى يومًا ما.

وصلات



تعليقات