حتى لمن لم يشاهده في الصغر في نسخته اﻹنجليزية، ربما يكون من الصعوبة بمكان أن تمر طفولة أي شخص خلال عقد التسعينات مرور الكرام بدون مشاهدة أو حتى مجرد السماع عن فيلم Beauty and The Beast، الذي شكل مرتكزًا رئيسًا في طفولة الكثيرين حول العالم، خاصة مع دبلجة الفيلم إلى العديد من لغات العالم، ومن بينها العربية باللهجة العامية المصرية، ما جعله يتجاوز وضعه اﻷساسي كمجرد فيلم رسومي ليتحول إلى أيقونة ثقافية، خاصة ﻷنها مستندة باﻷساس إلى حكاية خرافية شعبية فرنسية كُتبت في القرن الثامن عشر، ما حررها من عنق زجاجة طابعها المحلي لتتحول شيئًا فشيئًا إلى حكاية عالمية قابلة للتمثل عن اسكتشاف معدن الجمال الباطني.
كل هذه المكانة التي حازتها نسخة 1991 في قلوب المشاهدين عبر السنوات، جعلت كل هذا الكم من الترقب والتخوف في انتظار نسخة 2017 الجديدة منذ إطلاق أولى مقدماتها اﻹعلانية في مايو الماضي أمرًا مفهومًا للغاية، خاصةً مع الاقتباس بالغ السوء الذي طال إعادات إنتاج أفلام Alice in Wonderland وCinderella اللذان ظلا لعقود طويلة من أبرز كلاسيكيات ديزني الرسومية، لكن مع الشروع في المشاهدة، سرعان ما تتبدد كل المخاوف وتصير غير ذات أثر يذكر.
في النسخة الجديدة Beauty and The Beast، كان المخرج بيل كوندون وبرفقة كاتبي السيناريو ستيفن تشبوسكي وإيفان سبيليوتوبولوس مدركون لخطورة جحر الثعابين الذي دخلوه بأقدامهم، وخاصةً مع الصعوبة الشديدة والفائقة في إقامة لعبة توازن بين الحفاظ على ما أحبه المشاهدون في نسخة 1991 وبين تقديم نقلة نوعية تحاول التفوق على ما تم تقديمه بالفعل، كيف يمكن تقديم نفس الحكاية التي اعتادها الجميع وبنفس الروح لكن في حلة أفضل ودون أن يستهجنها محبي النسخة اﻷصلية؟
يتجاوز "كوندون" وكاتبي السيناريو منذ البداية أصلًا فكرة "إعادة الإنتاج" بمفهومها الكلاسيكي الصارم، حيث يعمل الفيلم في المقام الأول على توسيع حدود الحكاية أكثر عما كنا نعرفها في النسخة السابقة وعدم الاقتصار على سرد نفس القصة في حلة جديدة فقط، ولا يقوم بحبسها زمانيًا أو مكانيًا، وعن طريق الحراك الزماني الذي تمارسه هذه النسخة، يعطينا الفيلم لمحة أكبر عن الحيوات السابقة لكل من "بيل" والوحش وعدم الاكتفاء بما نراه آنيًا أو بما نعرفه بالفعل عن القصة، حيث يتسنى لنا هنا مشاهدة ما كان عليه حال اﻷمير مع أسرته في الطفولة، أو ذكريات "بيل" البعيدة عن حياتها في باريس.
هذا الحراك المكاني اللحظي الذي يقوم به الفيلم في باريس لنكون شاهدين على طفولة "بيل" المأساوية تعطي دافع إضافي لضيقها من الحياة في القرية التي تعيش بها مع والدها وسكانها المتربصين، المسألة تصير هذه المرة أكبر كثيرًا من مجرد الشعور المعتاد برتابة العيش في القرية أو المعاناة من تربص سكان القرية والتعامل معها بكونها مجرد فتاة غريبة اﻷطوار، هناك توق لا شعوري داخلها لنمط حياة كانت قد خبرته في السابق لكنها لم تعشه بالقدر الكافي وذكريات مبتورة لا زالت تمثل إشكالية عالقة في حياتها، لينتهي بها المقام في كنف أبيها الذي يعيش مع أحزانه وأعماله، مما يمنح الأغنية الافتتاحية أيضًا معنى أكبر من مجرد توصيف لنمط حياتها إلى تعبير عن أحلام كامنة.
كما يقوم الفيلم باستغلال بعض التفاصيل الصغيرة التي تناثرت عرضًا في الفيلم القديم ويقوم بتوسيع آفاقها، وعلى رأسها تفصيلة حب "بيل" للقراءة ويفرد لها مساحة درامية أكبر من المشاهد في الفيلم الجديد، ليفتح من خلالها مجال للتوافق التدريجي بين "بيل" والوحش، والتي تعزز أكثر من الفكرة الكامنة في هذه الحكاية حول تجاوز المظهر الخارجي إلى الجوهر الفعلي الكامن الذي تواري طويلًا وراء جلافته وصلفه وغضبه الشديد دون أن يراه أحد.
نفس الشيء يتكرر مع شخصية "جاستون" الذي يقدمه هذه المرة كبطل حرب مخضرم، مما يجعلنا واعين أكثر لسبب التفاف جميع أهالي القرية من رجال ونساء، بما فيهم "ليوفو" الذي ينجذب إليه جنسيًا، وذلك بسبب انشغالهم -على العكس من "بيل"- بما يبدو لهم من الخارج من جاذبية وقوة جسدية وقدرة على التجييش والحشد عند الضرورة بدون أية مبالاة أنه يفعل ذلك في اﻷساس استغلالًا لهم.
لا يقتصر التوسيع في الفيلم على التفاصيل الدرامية فقط، بل يمتد إلى عدد كبير من الشخصيات المساعدة التي لم تنل قسطها الكافي دراميًا على الشاشة في نسخة 1991 مثل الثنائي "جاردروب" و"كادينزا" البيانو الذي أثبت طرافة لا تقل إطلاقًا عن طرافة الثنائي "كوجسوورث" و"لوميير" من الفيلم السابق، كما لا تقتصر مساحة الساحرة على مقدمة الفيلم كما كان الحال في الفيلم السابق، وإنما تمتد لشخصيتها جذور أكبر في الحكاية على امتدادها بدون أن يقحمها عنوة لتكون هي صاحبة الحل والربط، وإنما يُدخلها في اﻷحداث بشكل محسوب دون أن يكشف عنها بشكل مباشر كورقة درامية يلعب بها.
أهم ما قدمته هذه النسخة الجديدة أنها سدت عدد كبير من الثغرات الدرامية التي تواجدت في النسخة السابقة بحلول درامية فائقة الذكاء: كيفية اقتحام الساحرة لقصر اﻷمير في مفتتح الفيلم، تحويل وجه "لوميير" ليكون من نفس خامة الشمعدان بعد أن كان وجهه من الشمع، التغاضي عن مكتبة البلدة التي لا يلجأ إليها في البلدة بأسرها سوى "بيل" نفسها لتتحول إلى مجرد ركن صغير للكتب داخل الكنيسة، حل إشكالية تقدم السيدة "بوتس" في السن مع مفارقة وجود ابن صغير جدًا في السن بأن جعل زوجها هو اﻵخر في نفس عمرها مما يضع احتمالية أنهما قد تزوجا في سن متقدم، أو أنهما قد أنجباه في الكبر.
ولا تنفذ جعبة الفيلم من المفاجأت، فحتى مع معرفة أغلب المشاهدين بتفاصيل الحكاية وسيرورة المشاهد، إلا أن العبرة تأتي في التنفيذ النهائي لعدد غير قليل من المشاهد المحورية التي استخرج منها "كوندون" عدد من اﻷفكار البصرية الجديدة: لاحظ مثلًا كم التيمات البصرية التي أدخلها على استعراض Be Our Guest الشهير، أو طريقة توظيفه لحليات الديكور في تتابع رقصة الجميلة والوحش، أو حتى مشهد مشاجرة سكان القرية مع سكان القصر.
أما "ضربة المعلم" القوية في الفيلم فهو اختيار إيما واتسون نفسها ﻷداء شخصية "بيل"، وهو اختيار يلعب على أكثر من وتر في الوقت ذاته، حيث يرسخ أكثر من أيقونية شخصية "بيل" لدى المشاهدين اعتمادً على مواصفات شخصية إيما واتسون نفسها في الحقيقة كمتحدثة لبقة وفتاة رقيقة ومحبة للقراءة، مع ارتباطها في المخيلة منذ طفولتها بشخصية "هيرموني جراينجر" التي كنا نراها تكبر يومًا بعد يوم في سلسلة أفلام Harry Potter، وبالتالي يستغل العمل هذه الجوانب المتداخلة الموجودة في "بيل" كشخصية خيالية وإيما واتسون كممثلة لها رصيد جماهيري كبير لدى شرائح بعينها ممن عاصروا فترة صعودها ونضوجها، ويزيل تمامًا الفواصل بين المتخيل والواقعي لديهما مساهمة في التأكيد على أيقونية كلاهما: الممثلة والشخصية الخيالية وإقامة علاقة لا تنفصم بينهما.
Beauty and The Beast يحقق لكل من انتظره أكثر مما كان يحلم به: تقديم نفس الحكاية الكلاسيكية التي يعشقها مع توسيع آفاقها أكثر، والحفاظ على كل ما أحبه في نسخة ديزني الرسومية مع تقديم أفكار أفضل وأكثر رشاقة، والتغلب على عيوب النسخة السابقة، بل يمكن اعتباره هو أفضل إعادة إنتاج قدمته ديزني منذ أن فكرت في إعادة تقديم كلاسيكياتها في نسخ غير رسومية.