"الخط الأبيض".. تجربة كارتونيّة مبكّرة في التليفزيون المصري

في عام 1962 أسّس الفنانان حسام مهيب وعلي مهيب أول إدارة للرسوم المُتحركة فى التليفزيون المصري (التليفزيون العربي حينئذٍ)، وقام التليفزيون بتجهيز هذه الإدارة بأول كاميرا “أوكسبري Oxberry" صُنعت خصيصاً لتصوير الرسوم المتحركة وكان استخدامها يدوياً أو شبه آلي قبل عصر الكمبيوتر، وكان أكبر اختبار للكاميرا هو فيلم "الخط الأبيض" والذي حقق للسينما المصرية إنجازات لأول مرة في تاريخها، وحاز الفيلم على الجائزة الأولى الذهبية في المهرجان الدولي للتليفزيون بالإسكندرية سنة 1965.

الفيلم فكرة وسيناريو الفنان حسام مهيب وكان زمن الفيلم 22 دقيقة بتقنية الأبيض والأسود، والبطولة كانت للفنانة الشابة حينها، نيللي والفنان ماهر العطار ونوال الصغير، وبالإضافة إلى فكرة الفيلم والسيناريو كان الفنان حسام مهيب مديراً للتصوير، والإخراج للفنان علي مهيب وقام المهندس محمد مهيب، الأخ الأصغر للأخوين "مهيب"، بتصميم ديكورات الفيلم، واشتركت فى التصوير السيدة حفيظة الطوبجي زوجة الفنان حسام مهيب، والفنان عادل أنور والفنان الشاب فهمي عبد الحميد، وقام بالتلحين المُلحن الراحل سيد مكاوي والفنان حلمي بكر.

قبل هذا الفيلم جرت العادة في السينما المصرية على استخدام العرض الخلفي "Back Projection" بعرض فيلم للبحر أو فيلم لطريق مثلاً في الخلفية فيُوحي المشهد بأن الممثل على شاطئ البحر أو يقود سيارته على الطريق دون أن يكون هناك علاقة تزامنية بين الممثل والفيلم الذي يُعرض في الخلفية، ولكن في هذا الفيلم قام الأخوين "مهيب" بتحقيق تزامناً مُحكماً في الحوار الغنائي الذي دار بين الفتاة "نيللي" وبين الطيور على الشجرة وبين القلب المرسوم على جذع الشجرة، ليفتح هذا التزامن "Synchronization" باباً كبيراً للسينما المصرية لم يطرقه أحد من قبل.

في فيلم "الخط الأبيض" تم لأول مرة تداخل رسومات الكارتون المتحركة "Character Animation" مع السينما الحية والتزامن المُحكم "Synchronization" بينهما وبدون استخدام العرض الخلفي "Back Projection" كما ظهر أيضاً بين المايسترو الكارتوني والراقصة نوال الصغير وهي تمتثل لحركة العصاة، وهذا التزامن يرجع إلى تفهم الفنان حسام مهيب ودراسته لقدرات الكاميرا وإمكانياتها وكانت الصورة النهائية على الشاشة ثابتة دون اهتزاز وهو ما عانت منه السينما المصرية لسنوات طويلة، وقد فتح التداخل بين السينما الحية والرسوم باباً كبيرا لم يدخله أو يطرقه أحد من قبل.

وكانت السينما المصرية من قبل تعرض لقطات تحمل تعريضات "Super Imposing" لم يتجاوز تعريضين اثنين فقط، واستطاع الفنان حسام مهيب باستخدام الكاميرا "الأوكسبري" أن يُعيد التعريض على نفس الفيلم 5 أو 6 مرات بحيث تظهر البطلة نيللي في حوار غنائي مع نفسها في مواقف حوارية منفصلة متزامنة في كادر واحد دون أن يؤثر أي تعريض على سلامة أو جودة التعريضات الأخرى، وكذلك اللقطات التي جمعت البطلة مع فتاها الفنان ماهر العطار في رحلة خلوية تستعرض مواقع مُختارة تُظهر نهضة وآثار مصر في ذلك الوقت، 5 تعريضات منفصلة متزامنة على الفيلم ذاته مع إتقان مُحكم يرجع إلى حُسن توظيف الكاميرا، ولعل التصوير والإخراج لهذه الأغنية فتح باباً للاستخدام في فن الفيديو كليب Video Clip الذي ظهرت فيما بعد على الفضائيات.

وبعد نجاح فيلم "الخط الأبيض"، أصبح الفنانان حسام وعلي مهيب يمتلكان شهرة كنجوم السينما المصرية، ووظف الفنان فهمي عبد الحميد نجاحه في هذا الفيلم مع نفس الفنانة -نيللي- فى فوازير رمضان بنجاح كبير. وبجانب "الخط الأبيض"، وعلى مدى 6 سنوات فى التليفزيون المصري، قدم الأخوان مهيب الكثير من الأعمال والبرامج التليفزيونية الناجحة حينذاك مثل؛ مقدمة برنامج نافذة حول العالم، خمس خمسات، أمس واليوم، حكاية سبعمائة مصنع، ناس فوق وناس تحت، العسكري والحرامي، فوازير رمضان للقناتين المصريتين الأولى والثانية، وبرنامج الرسم تحت الكاميرا. وقد تم تكريم الفنان حسام مهيب والفنان علي مهيب بوضع إسميهما في لوحة شرف التليفزيون المصري.

بالإضافة لذلك قام الأخوان مهيب بعمل مقدمات العديد من الأفلام، منها: "التلاثة يحبونها" سنة 1965 بطولة سعاد حسن وحسن يوسف وإخراج محمود ذو الفقار، و"أخطر رجل فى العالم" سنة 1967 بطولة شويكار وفؤاد المهندس وإخراج نيازي مصطفى، "السمان والخريف" سنة 1967 بطولة محمود مرسي ونادية لطفي وإخراج حسام الدين مصطفى، "عريس بنت الوزير" سنة 1970 بطولة فؤاد المهندس وشويكار وإخراج نيازي مصطفى، "النمر الأسود" سنة 1984 بطولة أحمد زكي ووفاء سالم وإخراج عاطف سالم، وكان حسام مهيب أول من استخدم تقنية الصورة الهوائية المجسمة Aerial Images سنة 1980 واستخدمها في تصوير مقدمة فيلمي "النمر الأسود" سنة 1984 و"الأونطجية" 1987. وقد استخدم الفنان حسام مهيب هذه التقنية أيضاً في تصوير إعلانات الثمانينيات مثل إعلان سيما (مصاصة) و إعلان لورد (أمواس حلاقة).

---