خلاويص لعبة كنا نمارسها أيام طفولتنا، وتقوم على اختفاء أحد اللاعبين في مكان ما على أن يقوم البقية بإغلاق أعينهم حتى يتثنى له أن يختبىء ويردد الأطفال خلاويص ولأ لسه، وعندما يستقر الطفل على الاختباء في مكان ما يعتقد أن أحداً لن يكتشفه، يبدأ بقية الأطفال في البحث عنه وغالباً ما يجدونه بسرعة وبدون جهد كبير!
هى لعبة كانت مشهورة ولكنها لم تكن تحمل أى نوع من الإبداع والتطوير ولا تعتمد على المهارات ولا لها أى تلاتين لزمة، ولكنها استهلكت سنوات طفولتنا، واعتقد أن أطفال هذا الجيل الذين يحملون التاب في إحدى أيديهم والموبايل في اليد الأخرى، لا يعرفون لعبة خلاويص والأستغماية وعسكر وحرامية ولا غيرها من الألعاب التي كنا نمارسها بسذاجة نحسد عليها! ولذلك فمن المدهش أن تكون كلمة "خلاويص" عنواناً لفيلم موجه لأطفال الألفية الثالثة، ويتم عرضه في إجازة نصف العام الدراسي، التي تعتبر موسماً سينمائياً مميزا وجمهوره في الغالب من طلبة المدارس والجامعات، وذويهم ومعظمهم لم يمارس لعبة خلاويص وربما لم يسمع عنها!
يعرض في هذا الموسم عدة أفلام مصرية معظمها ينتمي للكوميديا الهزلية، المغرقة في الضحالة والاستظراف، بينما يقف فيلم خلاويص للفنان أحمد عيد مقاوما تيار الهيافة ومحاولا طرح موضوع مختلف وهو بهذا يلعب في المنطقة الآمنة التي يحبها ولا يخرج عنها وخاصة في أفلامه الأخيرة، التي تميل للكوميديا الاجتماعية الأنسانية، فهو دائما الأب الوحيد المهموم برعاية طفله أو "أطفاله"، الذي يعتبره ذخيرته ومشروعه الذي يضحي من أجله بالغالي والنفيس، ورغم أن أحداث فيلم خلاويص الذي شارك في كتابة السيناريو الخاص به كل من لؤي السيد ، وفيصل عبدالصمد يتشابه إلى حد كبير مع الخطوط العريضة للفيلم الإيطالي "الحياة جميلة" الذي لعب بطولته وأخرجه روبيرتو بينيني، وحصل عنه على الأوسكار عام 1998؛ إلا أن الفيلم المصري أضاف خطوطاً وأزاح غيرها حتى يُلائم موضوعه مجتمعنا، والحكاية كما جاءت في الفيلم الإيطالي تدور أثناء الحكم النازي، حيث يتم اعتقال الأب اليهودي انتظارا للحكم عليه بالإعدام، ويصطحب الأب طفله معه في المعتقل، ويحاول أن يقنعه أن ما يراه هو لعبة لطيفة يمكن أن يستمتعا بها، ويظل الأب يتحامل على نفسه ويستقبل التعذيب بالابتسامة والضحكات ويستمر في إقناع الطفل أن ما يراه هو جزء من اللعبة حتى وهو يقاد إلى الإعدام !
أما الفيلم المصري فهو يبدأ بالتعريف بحسن "أحمد عيد" وهو سائق تاكسي مكافح وأرمل يعيش مع والديه وطفله الصغير "علي" آدم وهدان ، ويحدث أن تأتي فرقة من شرطة تنفيذ الأحكام إلى منزل حسن، وتصطحب الطفل "علي" لينفذ حكما بالسجن المشدد خمسة عشر عاماً، ولا يهتم أفراد الفرقة بأن الطفل لا يزال في الخامسة من عمره، وأنه يستحيل أن يكون هو نفسه المجرم المطلوب، وأن هناك خطأ ما أو تشابه في الأسماء، ولكن الحكومة ليس لها إلا تسديد الأوراق وملأ الخانات! ويحاول الأب "حسن" الاعتراض والشكوى للإفراج عن طفله وعندما يفشل يضطر لادعاء قيامه بارتكاب جريمة سرقة، حتى يتثنى له دخول السجن مع ابنه الطفل الصغير ومن ثم العناية به ورعايته داخل السجن وحتى يخفف عنه يحاول إقناعه أنهما يمارسان لعبة خلاويص أو الأستغماية!
طبعا يغيب كثير من المنطق عن الحدث، ولكنك تتقبله تحت بند أن الكوميديا تسمح ببعض التجاوز عن المنطق، ولكن عيب فيلم "خلاويص" الذي أخرجه خالد الحلفاوي أنه يلعب في المنطقة الآمنة، بمعنى أنه يختار لكل دور الممثل الذي سبق له أداء هذه النوعية مراراً وتكراراً، فزعيم السجن هو محسن منصور، وصاحب النفوذ الذي لا يتورع في تلفيق التهم للناس، والزج بهم في السجون هو أحمد فؤاد سليم، والشاب المثالي يقظ الضمير يلعب دوره محمد حاتم، وهكذا لا يحمل الفيلم مفاجأت في الأداء إلا من خلال شخصية الإعلامي الفاسد طارق عبدالعزيز الذي يلعب دائما على إثارة الجماهير وتغييب وعيهم ونشر الأكاذيب من خلال برنامجه التليفزيوني أما آيتن عامر فلم يكن دورها سوى محاولة لخلق وجود لعنصر نسائي دون أن يستفيد الفيلم من وجودها ولم يضف لها أيضا!! وكانت هناك حالة شجن ومسحة من المرارة سيطرت على أداء أحمد عيد، الذي يقدم شخصية مواطن ُمسالم يجد نفسه متورطاً في لعبة أفلتت خيوطها من بين يديه، هنا إنه لا يحاول الإضحاك على حساب قيمة أو معنى الحكاية وطبيعة الشخصية، ولكنه يلتزم بها، وبتصاعدها الدرامي المنطقي.
ويصل الفيلم إلى أهم مشاهده وأكثرها تأثيراً من حيث الإخراج والتصوير وأداء أحمد عيد، وذلك أثناء الاستعداد لمغادرة مصر محتضنا طفله الصغير، على متن سفينه معرضة للغرق بمن عليها ومتجهه إلى شواطىء إيطاليا، وكانت فرصة مواتية لخالد الحلفاوي ليقدم تشكيل جمالي لعشرات الشباب يحملون ما تيسر لهم من أحمال ويتجهون للسفينة في مشهد جنائزي حزين، وكما هو متوقع يأتي الإنقاذ في اللحظات الأخيرة! مع أغنيه النهاية التي تلوم الوطن على قسوته على أبنائه،
فيلم "خلاويص" يحمل كثير من السمات والعناصر الفنية الجيدة مثل كاميرا علي عادل ومونتاج عمرو عاصم الذي حافظ على إيقاع الفيلم وتدفقه، وديكور هند حيدر وموسيقى محمد مدحت، ولكن لم يكن خالد الحلفاوي في حالة الألق التي عرفناها عنه في أفلامه السابقة، فهو هنا يتحرك في المنطقة الآمنة والفن لابد له من حاله تمرد على المألوف والمغامرة واقتحام مناطق غير مسبوقة، أما بالنسبة للفنان الموهوب حقا أحمد عيد فلو جنان إنك تغير تماما من نمط أدوارك وتفاجأ جمهورك بما لا يتوقعه منك في أفلامك القادمة فإتجنن!! هذا أفضل لك ولجمهورك.