ساعات قليلة تفصلنا عن إعلان نتائج الأوسكار رقم90، وهو الحفل الذي يتابعه الملايين حول الكرة الأرضية، وتنقله مباشرة على الهواء مئات القنوات الفضائية التي تقاتل لتحظي بهذا الشرف!
وكما هو متوقع فإن النتائج لن تخرج إلا في حدود ضيقه عما تابعناه في حفل الجولدن جلوب والبافتا، فكلاهما مؤشر قوي لما يمكن أن تأتي به نتائج الأوسكار، وهو أمر يدل على أن الأفلام المتميزة لاخلاف عليها؛ ولكن على ترتيب أهميتها من مسابقة للثانية، وهو مايقتل عنصر المفاجأة والتوقع، فإذا كنا على ثقة أن جارى أولدمان سوف يفوز بأوسكار أفضل ممثل عن فيلم Darkest Huor الذي جسد فيه بروعة ملفتة شخصية وينستون تشرشل، بنفس ثقتنا أن فرانسيس ماكدورماند سوف تعود لمنزلها حاملة أوسكار أفضل ممثلة عن فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri فلماذا اللهفة، والترقب والحرص على متابعة حفل الأوسكار!
قد يكون السبب ليس فقط متعة مشاهدة فخامة الحفل الذي يحضره كبار نجوم هوليوود، ولكن إنتظار مفاجأة ما قد تحدث وتغير ماهو متوقع؛ لتحقق لكل منا رغبة في أن يحصل النجم أو الفيلم الذي يتحمس له، على فرصة الفوز طالما كان ضمن الترشيحات المُعلنة مسبقاً!
وبين التوقعات والأمنيات مساحة تعكس إهتمامات كل منا، ورؤيته الخاصة حول الافلام، فالسينما ليست مباراة كرة يخرج منها فريق مهزوم وآخر فائز، فالأفلام التسع المرشحة سوف يفوز بينها فيلما واحدا، بجائزة أو أكثر، وهذا لا يعنى هزيمة الأفلام التي سوف تخرج خالية الوفاض، وربما هذا ما دفع أكاديمية علوم وفنون السينما المانحة للأوسكار لتغيير الصيغة من الفائز هو فيلم كذا أو النجم الفلاني ، إلى الأوسكار يذهب إلى فيلم كذا أو النجم الفلاني!
والمؤشرات تؤكد ان جييرمو ديل تورو سوف يحصل على أوسكار أفضل مخرج عن فيلمه The Shape of water الذي كتب له السيناريو بمشاركة فانيسا تايلور، وسوف يحصل فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، على أوسكار أفضل فيلم، وأفضل ممثلة أولى وأفضل ممثل دور ثان لسام روكويل .
هذا عن التوقعات أما عن الأمنيات، فأعتقد أن The Shape Of Water من الأفلام التي يتجلى فيها سحر السينما، وغلبة لغة الصورة، والانتصار لكل ما صُنعت السينما من أجله، وهى الأسباب التي جعلت من La La Land أهم Hفلام موسم جوائز العام الماضي، وهى نفسها التي جعلت من الفيلم الفرنسي The artist مفاجأه أوسكار عام 2011، حيث تتجلى في الأفلام الثلاث على اختلاف صناعها وموضوعاتها عشق السينما والإحتفاء بها كمصنع للأحلام، ولغة تواصل بين الشعوب، مع ملاحظة أن إحداها كان فيلماً صامتاً "the artist"، والأخر "LA LA LAND" يستخدم الاستعراض والغناء بديلاً عن الحوار الذي كان وجوده في أضيق الحدود، بينما فيلم هذا العام The shape of water يقدم قصه حب صارخة بدون أن يتبادل العاشقين أى حوار!
أنه شغف العودة لعصر سيطرة الصورة وعناصرها الإبداعيه بعيداً عن صخب الحوار! ومع ذلك فمن الحُمق التعامل مع الفيلم بوصفه قصة حب خيالية بين امرأة بكماء، وكائن بحرى يجمع بين تكوين الرجل وبين المخلوقات البحرية! واغفال مستويات الفيلم الأخرى التي لا تقل أهمية عن العناصر الجمالية "التمثيل - التصوير - الموسيقى- الديكور - المونتاج" الفيلم نال ثلاثة عشر ترشيحا للأوسكار عن عناصره الفنية.
تدور أحداث THE SHAPE OF WATER فى سنوات الستينيات، حيث الحرب الباردة بين الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي والتسابق العلمي ورحلات الفضاء التي كلفت الجانبين ثروات طائلة، وهى نفس سنوات وحشيه العنصرية ضد السود والملونين في أمريكا، وفي معمل ابحاث فضاء تحيط به السرية الشديدة، نتعرف على عاملة النظافة إليزا سالي هوكينز وهى فتاة بكماء حظها من الجمال قليل، ليس لها أسرة، تحكى لـ"زيلدا " أوكتافيا سبينسر ، زميلتها فى العمل أنها تم العثور عليها وهى طفلة بجانب النهر، تعيش إليزا في شقة متواضعة، يقع أسفلها دار عرض سينمائي، يصل صوتها إلى غرفة اليزا التي تعيش مع قصص الأفلام وتتأثر بها، وتعوضها عن واقعها الأليم الجاف، وحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية، وتربطها صداقة مع جارها الرسام الذي تخطاه الزمن وأصبح عاجزا عن بيع لوحاته الإعلانية ريتشارد جينكينز الذي يشاركها في عشق السينما، ويتابع معها الأفلام الكلاسيكية التي تقدم في التليفزيون!
ويصل إلى معمل الأبحاث كائن بحري نادر، وغريب تم العثور عليه في الأمازون، حيث كان سكان الغابات يعتبرونه إلها يعبدونه وذلك لعجزهم على تصنيفه، ويتم السيطرة عليه من قبل بعض العلماء الأمريكان، ووضعه في ناقلة خاصة، حتى يتم تشريحه لمعرفة نوعه، ولكن أحد العلماء يقترح دراسته ومعرفة إمكانياته لأن تشريحه يعني وضع حدا لحياته، ويحدث أن تحاول "اليزا" التقرب من هذا الكائن الغريب، وخاصة أنها لاحظت أنه يستجيب للمؤثرات الخارجية، ويتفاعل مع الموسيقى، ويمكن أن يدرك ماحوله ويتفهم بعض الإشارات، ولكن نظرا لتعسف وغلظة الجنرال المنوط به التصرف في مصير هذا الكائن "الفاشيه العسكرية" فأنه يرفض الاستمتاع لرأي العالم المتخصص في دراسه وتصنيف الكائنات، ويصر على تشريح الكائن البحري.
وعلى الجانب الآخر يقرر العلماء الروس من خلال جاسوس تم زراعته في معمل الأبحاث الأمريكي قتل الكائن البحري حتى لا يستفيد الأمريكان من وجوده بأي شكل من الأشكال! ولكن أليزا التي كانت قد ازدادت تعلقا به، ووجدت فيه ضالتها، وحلمها الضائع تقرر انقاذه من براثن هؤلاء وهؤلاء، وعندما تحذرها صديقتها الزنجية "زيلدا" بأن ماتفعله سوف يجلب عليها الكوارث، تخبرها بلغة الإشارة أنها تحبه لأنه ينظر إليها بشغف دون أن يشعرها أنها إنسان ناقص، فهو يقبلها كما هى، ويشعر بوحدتها واحتياجها له كما تشعر هى بوحدته واحتياجه لها.
التكوين البدني للكائن يجمع بين الرجل صحيح البنيان، وبين الكائنات البحرية جسده مغطى بقشور حرشفية، ولكنه ينفعل ويدرك ماحوله تماما وقابل للتعلم والاستجابه! وتفلح خطة اليزا في إنقاذه والخروج به من معمل الأبحاث، بعد مغامرات مثيرة وبمساعده صديقها وجارها الرسام وزميلتها زيلدا، وهنا ينتقل الفيلم إلى منطقة السحر الخالص! حيث تحاول اليزا أن تخلق عالما يناسب المخلوق البحري فتحول شقتها إلى نموذج صغير للبحر، بحيث يتمكن الكائن من المعيشة في بيئة أقرب لبيئته الطبيعية، في انتظار أ يرتفع منسوب مياه البحيرة، فتنقله إليها وأثناء فتره الانتظار تهيم به عشقا ويهيم بها، وتعيش معه لحظات حلم تتمنى ألا ينتهى، يراقصها كما يحدث في الأفلام الاستعراضية التي تشاهدها، وتعوض معه كل سنوات الحرمان، وعندما تسألها زميلتها في العمل عن طبيعة العلاقة بينهما وأن كان يعاملها مثلما يعامل الرجل إمراته تحكي لها "اليزا" بلغة الإشارة مايحدث بينهما، وتبلغ "سالى هوكينز" قمه الإبداع في الأداء وهى تعبر عن مشاعر امرأة تعشق رجلا وتتمنى ألا تفارقه!
قدمت السينما عده أفلام عن علاقات حب وعشق وتواصل بين كائنات لا تنتمى لنفس النوع، في EXMACHINA علاقة بين عالم برمجيات شاب، وروبوت تم اختراعه بواسطة عالم مهووس، وهو ما حدث في فيلم الذكاء الاصطناعي الذي أخرجه ستيفن سبي حيث يتم صناعه روبوت على هيئة طفل لديه قدرة على تبادل المشاعر، ويعيش مع أسرة فقدت طفلها الذي يعيش فى غيبوبه، ويرتبط الطفل الروبوت بأمه الإفتراضية ويتعلق بها ،ولكن بعد أ يتم شفاء طفلها الحقيقي تقرر التخلص من الطفل الروبوت الذي يرجوها في بكاء حار ألا تتركه! وهو من المشاهد المؤثرة الموجعة، التي لا يمكن أن تسقط من ذاكرة السينما! في رحلة الإنسان مع تعقيدات الحياة التي تعزله أحيانا عن بقيه البشر سواء برغبته أو دونها فهو لا يتوقف عن احتياجه للتواصل مع أى كائنات حقيقية أو افتراضية ليشبع احتياجه لمن يشعره بالأمان، والحب والتواصل، وماكنا نعتبره درباً من المستحيل صار واقعا الآن، فالعلاقات بين بشر لم يلتقوا إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون أكثر ثباتا وقوه وتأثيرا من علاقات يفرضها الواقع! وربما يأت يوما قريب أو بعيد ويجد اﻹنسان وسيلة للتواصل مع كائنات بحرية أو فضائية فنحن لسنا وحدنا في هذا العالم الفسيح، والمستقبل قد يحمل الكثير من المفاجأت والغرائب.