كان نجيب محفوظ حريصاً على أن يكتب سيناريوهات لأفلام عن قصص لأدباء آخرين، ويترك مهمة نقل أعماله الروائية للشاشة لكتاب سيناريو غيره ليسوا بالحتم أكبر منه حرفة ولا موهبة! وكان رأيه أن الأديب عندما يكتب روايته فقد أودع خلالها كل ما يريد أن يقوله، من المعاني والصور والشخصيات والأحداث والأراء السياسية والاجتماعية، بحيث أنه يبدو وقد فرغ تماما من تلك الحالة وأفرغ ما في روحه وعقله منها، ثم يأتي كاتب سيناريو يتعامل مع عناصر الرواية ويضيف لها أو يراها بمنظور مختلف أو يستخرج ما كان منها مختفياً ما بين السطور، أو يحذف منها بعض ما يراه عبئا ثقيلا على العمل السينمائي! هذا عن نجيب محفوظ ولكن بالتأكيد في العالم كتاب رواية شاركوا في صياغة سيناريوهات عن أعمالهم الأدبية قبل تحويلها لأفلام سينمائية! أما تجربة أحمد مراد في أفلامه الثلاثة التي قدمها مع مروان حامد فاعتقد أن أفضلها وأكثرها ارتباطا بالشكل السينمائي كانت مع "الأصليين" وهذا لا يعني أن تراب الماس ليس فيلما مهما! بل أنه ممتع حقا ويحتوي على نقاط إجادة وتميز سوف نستعرضها لاحقاً، ولكن سيناريو الفيلم الذي كتبه أحمد مراد نفسه، يزدحم بالتفاصيل والأحداث والشخصيات والأزمنة التي كأنها أحدثت ارتباكا وزحاما أطال مدة عرض الفيلم بلا داع، ومن أول قواعد كتابة السيناريو أن الاختزال في الحدث والشخصيات كلما أمكن يجعل إيقاع الفيلم أكثر اتساقا بحيث لا تتوه الأفكار والمعان التي يريد الفيلم أن يقدمها للمشاهد.
تلعب الصدف دورا كبيرا في فك وحل طلاسم القضية، ويكتشف طه حسين الزهار بين أوراق والده كتيب صغير يحمل أسراراً مرعبة، وعلاقته بأشخاص وعائلات تمتد من الماضي، عاشوا لينشروا فسادهم في قلب المجتمع، وأن من يعتقد أنهم حماة القانون والقيم، هم أصل البلاء، وكما كان "تراب الماس" له مفعول قاتل في التخلص من كل من أفسد أو ساعد على فساد، تستمر الجرائم ويتساقط المذنبون قتلى، ولكن هل بالقتل تتحقق العدالة بحيث يتحول اﻹنسان مهما كان درجة نقائه إلى قاض وجلاد في آن واحد، وما هى الحدود الفاصلة بين تحقيق العدل واقتراف الجريمة؟ الأحداث تبدو مثيرة بعد انقضاء الثلث الأول من الفيلم، وأحيانا تستطيع أن تتوقع ما سوف يحدث وخاصة في طبيعة العلاقة بين الإعلامى الشهير"شريف مراد" أو إياد نصار وبين "سارة" أو منة شلبي مديرة إنتاج برامجه الناجحة!
من مميزات السيناريو أنه لم يلجأ للحلول الأخلاقية التقليدية بأن القاتل لابد وأن ينال جزاؤه وأن الشرطة لابد وأن تقبض على الجناة في النهاية، الحمد لله مفيش الكلام ده ، ولهذا السبب كانت فرحة الجمهور بالنهاية، ذلك أن داخل كل متفرج أو مواطن مصري الرغبة في القضاء على الفساد الذي يرتع في البلاد بكل حرية، وأن من افسدوا حلال فيهم القتل بأكثر الطرق وحشية.
اختيار الممثلين من أهم عناصر جودة فيلم تراب الماس، أفضلهم على اﻹطلاق "ماجد الكدواني" الذي لا يمكن بحال أن تتوقع خطوته أو حركته التالية، سيطرة كاملة على ردود افعاله، وتنقله بين الحالة المزاجية والأخرى بمقدره فائقه، بحيث كان الفيلم يمكن أن يفقد أهم أسباب نجاحه بدون ماجد الكدواني، وفرصة جيدة يستحقها "أحمد كمال" في شخصية حسين الزهار، نقطة التحول المؤثرة، وحامل الأسرار ومحرك أحداث الفيلم حتى بعد غيابه، شيرين رضا مبدعة مهما كان حجم الدور أو نوعيته اختياراتها تدل على ثقة شديدة في موهبتها، محمد ممدوح في شخصية السيرفيس آلة القتل العدوانية، الذي يفتقد للعقل والضمير، في دور لا يمكن ان يقدمه الإ ممثل مرن الموهبة، عاشق لتحدي قدراته، دور صابرين مالهوش أي تلاتين لزمة، وجودها تعطيل للحدث بلا مبرر، ممكن أن تنسى وجودها قبل أن تغادر قاعة العرض، منة شلبي منبع المشاعر والأحاسيس، وخاصة في علاقتها المرتبكة بإياد نصار، وما يمكن أن يطلق عليه العشق المدمر، عزت العلايلي في دور صغير الحجم لعبه بإقتدار رغم قلة الحوار واعتماده على ملامح الوجه، وتقلباته، أما آسر ياسين فهو يقدم الإجادة المتوقعة كأن يحرز محمد صلاح هدفا في مباراة يشارك فيها، فهذا هو المستوى المنتظر والمتوقع منه، ولكن السؤال الذي كان يدور برأسي أثناء متابعة الفيلم كيف ضحى أحمد حلمي بفرصة عمره في إعادة اكتشاف ذاته وتغيير نمط أدواره؟؟ هذا بالطبع لا يقلل من قيمة أداء آسر ياسين لشخصية طه حسين الزهار بكل تطوراتها، ولكن أنا اتحدث عن الفرص الضائعة لنجم مثل أحمد حلمى يقف في منطقة حرجة ومع ذلك يركل فرصة فنية قد لا تأتي كثيرا لممثل.