"The Rover".. رحلة بربريّة بصحراء أستراليا المُقفَرة

  • نقد
  • 03:01 مساءً - 27 اغسطس 2018
  • 1 صورة



"الملل هو أحد أسلحة السينما البديلة"

-المخرج التشيلي راؤول رويز

قبل مُشاهدتي لهذا الفيلم بيومين، شاهدت فيلمًا مصريًا بعنوان (الخروج للنهار) وهو فيلم يعرفه كلّ مهتمٍ بالسينما المستقلة في مِصر. وأحد الجمل التي صادفتُها عند قراءتي عن الفيلم بعد مُشاهدته، كانت تقول الآتي: "حالة التوحد التي تحدث في هذا النوع من الأفلام، هي طريقة ذهنية في الأساس: حيثُ طول اللقطات مع كثرة لحظات الصمت، هي مفتاح التوحد مع الشخصية، والتوحد مع الشخصية لا يحصُل ليعيش المُشاهد أزمتهم، بل ليعيش أزمته هو".

أحببتُ أن أفتتح حديثي بذكر هذه الواقعة لأني أراها نفسُ ما يمكن وصفه في حالة هذا الفيلم. فالفيلمان -ذا روڤر والخروج للنهار- خارجان من ذات الصنف الفيلمي: الـ Slow-Paced Cinema، ومُشتركاتِهُما على صعيد الأجواء الهادئة/الصامِتة/التأمُّلية التي يعيش فيها الشخصيات، أكبر مما قد تظُن. حيث في ظلّ هذا الصمت (الذي يترك لنا مساحةً كافيةً كمُشاهدين للتفكير في جُنبات القصة، ومعه التفكير بالأحاسيس التي تقبَع بها الشخصيات) وتحت شكل هذا الإيقاع المُتمهّل، تسري وقائع الحكاية.

فيلم المخرج الأسترالي ديفيد ميشود (The Rover) هو مزيج من العديد من الچونرات؛ الأحداث تدور في عالم ديستوبي أبوكوليبتي مستقبلي، مكان الحدث هو صحراء أستراليا المُقفَرة التي تشبه روح أفلام الويستيرن، إنه أحد "أفلام الطُرُق"، فيلم (Slow-Paced) كما أسلفنا القول، هناك القليل من الأكشن وضربُ البنادق والمُسدّسات.. التشويق.. لكنه في النهاية فيلم درامي بالمقام الأول، حيث (الحكاية) هي أول ما استدعت انتباهي، وهذه الأبعاد هي أقرب لخلفية -هامة وقوية- لتقديم الحكاية.

وحبكة الحكاية هُنا في غاية البساطة، وتتلخص في الجملة الآتية؛ رجلٌ تُسرَق سيّارته في مُفتَتَح الفيلم مِن قبل ثلاثة رجال، فيُطاردهُم ليستعيدها.. هذه هيَ!، لا شيء آخر يحصُل سوى بضعة حبكات ثانوية مِن علاقة أخويّة، وعدوّان سيُصبِحا صديقان مؤقتان، عدا ذلك، لا شيء. بهذه القصة سندلُف للعديد من الأحداث الهامة في ماضي الشخصيات، التي أثرت بشكل أساسي على حكايتنا؛ فنحنُ نرتكز بشكل محوري على الأحداث الماضية التي يعتريها مسحة من الغموض بالنسبة للشخصيات، نفكر ونتخيّل ما الذي قد يدفَع شخصًا لفعل شيئًا كهذا أو سلوك تصرّفًا كهذا.. الماضي والحاضر متجاريان، وبتماسَهُما مع بطء الإيقاع التي يشكّل موود أو غلاف عام تسبح فيه القصة، نُصبح أمام فيلمًا يستند على هدوءه لتشكيل ملامحه وملامح العالَم الذي تدور فيه الأحداث: أستراليا بعد عشر سنينٍ الـ'انهِيار'، كما تُخبرنا الكلمات الافتتاحية قبل ظهور اللقطة الأولى من الفيلم.

العبقري هُنا هو وجود حبكة بسيطة، لكن معها تكثيفًا ملحوظًا على كثير من الأحداث الحاصلة هُنا وهُناك، بحيث كانت سهولة التواصل مع حبكة بسيطة شيئًا مهمًا في قاموس الفيلم. أيضًا الفيلم يتعامل مع (الموت) تعاملًا يستدعي الانتباه، فكلّ شخصيات الفيلم قتلت أرواحًا بالخطأ، والشخصية الرئيسية تحمِل ماضيًا مليئًا بالأشياء المُشينة التي اقترفتها يداها. الموت في كل مكان، إما يحدث أمامَك على الشاشة، أو أنّ الشخصيات تُعاني مِنه وتحاول البقاء، أو، أن تسرد وقائع عنه على لسان إحدى الشخصيات.

"جاي بيرس" ممتاز في دور الشخصية البَطَلة. النَدَم في عيناهُ ومقدار الازدراء الملحوظ على ملابسه ولِحيته يُخبران الكثير عنه، تعامله مع الناس حوله بعقلانية تُخفي تحتها عصبيّة واضحة تُعطيك فكرةً عما قد تذهب إليه هذه الشخصية حتى تفعل ما تريده. أما "روبرت باتِنسون" فإن لم أكن قد شاهدت فيلمه الرائع العام الماضي (Good Time) الذي أخرج فيه جُلّ موهبته، لقُلت أن هذا الفيلم هو أفضل أداءاته التمثيلية. "باتِنسون"موهوبٌ بحق وأتمنى أن يُحسن اختيار أدوارٍ كهذه في المستقبل تُخرج ما في جعبته من إمكانيات..

أيضًا الكاميرا لها دورٌ مهم في هذا الفيلم؛ بالتحديد في تصوير مشاهد مطاردة السيارتان بالرُبع ساعة الأولى الرائعة للغاية، والتي لم تكن لتأتي بطريقة أفضل مما كانت عليه.

هناك من شبَّه عنفوانية هذا الفيلم بأفلام سلسلة (Mad Max) المجنونة، نظرًا لتشابُه كلًا من مكان الحدث وجزئية سيرڤايڤال الشخصيات بهُما، كما أن صُنّاع هذا الفيلم يريدون على المُشاهد أخذ شيئًا مِن هذه الفكرة بوضع جُملة كـ""خِف مِن رجلًا لا يملك شيئًا ليخسرهُ" في العنوان الوصفي أو الـ (Tagline) على البوستر، وما يُزيد من ميل الفيلم لصنف الأبوكوليبس هو الاهتمام الملحوظ من المخرج بإنشاء (عالَم) لفيلمه، حيث رأينا أشخاصًا من قارات مختلفة (كيانات ثقافية) وجميعهُم يملكون أسلحةً في جيوبِهم الخلفية كدلالة على مدى خطورة مُحيطَهُم. أما أنا فأظنه أقرب لفيلم المخرج ديڤيد ماكنزي الصادر العام قبل الماضي (Hell or High Water) لأن مُشتركاتهِما كبيرة على صعيد عناصر القصة ومكان الحدث (ولاية "تكساس" في الفيلم الأمريكي)، وأيضًا جزئية الصراع اللامُنتهي لأخوان، وغيرها من نقاط مُشتركة. وبالأصل، لأن القصة هي التي لها الوقع الأكبر على كون الفيلم فعلًا يحمل بصمة أبوكوليبسيّة واضحة.

"ذا روڤر" أو "المتجول" فيلم ساحر في كل شيء، بالأخص في أجوائه الهادئة وإيقاعه البطيء رغم أن هذا لا يمنَع وضع الفيلم في خانة (التشويق) أولًا قبل (الدراما). هو من تلك الأفلام المظلومة الـ (Underrated) التي لا يعلمُها الكثيرين. شخصيًا، لم أرَ أحدًا يتحدث عنه مُسبقًا، ولا أتذكر أني صادفتُ مقالةً نقديةً واحدةً عنه قبلًا. لذا، فلعلّ السبيل لمُشاهدته يأتي عبر هذه المقالة التي أنهيّتُها توَّك قارئي العزيز. فإن لم يكن، فربما مُشاهدة إعلان الفيلم الدعائي أدناه يكون له المفعول!


وصلات



تعليقات