"هو أنا مش بنى آدم و لا ايه "
كانت تلك الصرخة الأولى التي أنطلقت من جسد وليس فقط فم بطل حكايتنا بطل يلقب بالوحش ممن لا يشبهونه فهم يخافونه يرتعدون من شكل وجهه وأطرافه التي تعاني بعض الضمور أما من يعرفونه جيدا ويعيشون معه يحبونه، يأكلون معه ويعملون معه فمثله مثلهم مختلف قليوم الدين.. يوم فرار الأسد منكيلا شكلا ولكنه إنسان،عانى فترة من حياته من مرض الجذام وشفاه الله لكن ترك هذا المرض علامات ليتها أقصرت على شكله فقط دون نفسيته، فارق كبير بين أهل المستعمرة التي يعيش بها وتشبه سجن كبير لمرضى الجذام يعيشون ويموتون به،لكن وسط مجموعة من الأناس يتقبلونهم ويعاملونهم على أنهم طبيعيون لا نقص بهم فلا يضعون ذلك الحاجز المرعب الذي يضعه غيرهم ممن يعيشون خارج مستعمرات مرضى الجذام حيث يبنون أسوارا عالية بينهم وبين هؤلاء المرضى أسوار يحيطها مشاعر الخوف والنبذ والإقصاء والنظرة الدونية لهم كما في جملة بطل حكايتنا "هو أنا مش بنى آدم!" تلك الحالة التي نقلها لنا فيلم "يوم الدين"، حالة إنسانية بحتة مليئة بالمشاعر تصل لحد التعايش فيألمك ما يؤلم البطل المجذوم ويفرحك ما يفرحه ويلمسك ضعفه ووحدته في عالم لا يسلك سوى الطريق السهل طريق النبذ والإقصاء لكل من هو مختلف وخاص وينظر لهم بعين الجهل نظرة دونية متعالية تزيدهم وجعا على وجعهم ،مشاعر الوحدة والعزلة والإقصاء هى أبرز ما أكد عليه ذلك العمل الفني من خلال الصورة على سبيل المثال فقد تكرر كادر long -كادر واسع-يظهر فيه البطل المجذوم وسط الشاشة وحيدا حوله فراغ من كل جانب كأنه يعيش في صحراء لا أناس بها كما استخدم مدير التصوير كادر closeup على وجوه كل من قابله ذلك المجذوم خارج مستعمرته تلك الوجوه التى أرتسمت عليها مشاعر الخوف و التوتر من فكرة العدوى منه ،ظهر ذلك أثناء رحلته خارج المستعمرة التى تشبه رحلة حياة يستكشف بها حقيقة كل شىء من حوله لأول مرة فى حياته و التى استخدمها صناع العمل الفنى لتوصيل الفكرة الأساسية ،فكرة في ظاهرها قسوة الأهل في إتخاذ القراربعزل أحد أفراد أسرتهم في مستعمرة لمرضى الجذام مدى الحياة وفى باطنها رغبتهم في مساعدة ابنهم حتى يعيش حياة سوية ويشعر بالتقبل.
كما ظهرت closeups –كادرات ضيقة- كثيرة في بداية العمل الفني على وجه وأطراف البطل المجذوم كنوع من أنواع الإستهلال وتعريف الملتقى بما هو مقبل على مشاهدته ومعايشته إلى جانب براعة الإضاءة في أن تعكس حالة المشهد مثل مشهد المجذوم مع أصدقائه في المستعمرة وسط الصحراء ،مشهد إضاءته خافتة للغاية مصدرها النار الموقدة فقط تعبر عن حالة الحزن و الرفض المجتمعى الذى يعيشه أهل المستعمرة و أكد على تلك الحالة الجملة التى لخصت الكثير "حالك زى حال كل اللى فى المستعمرة ،محدش هنا يعرف أهله " فقد لعب الحوار دورا كبيرا في توصيل رسائل العمل الفنى حيث خرج حوارا قويا مقتضبا لا تطويل به فكل جملة تقول شيئا وتبعث رسالة تعبر عن فكرة العمل الفنى الذى يأخذ المتلقى في رحلة – حاله حال البطل المجذوم- يجعله يرى بعينيه ويسمع بأذنيه ويشعر بقلبه و كل حواسه بكم المعاناة التي يتكبدها أناس طالما تجاهلنا وجودهم ،وحياتهم التى لا تقل شيئا ولا تختلف كثيرا عن حياة أى من بنى آدم.
رغم الجرعة الزائدة من الواقعية المجتمعية التي نعيشها ويجسدها ذلك العمل الفنى مما يجبرك كمتلقى على الغوص فى أعماق كل من يتحرك أمامك على الشاشة فيثير فيك مشاعر الحب وليس الشفقة عليهم،تلك المحبة التى يزرعها بك صناع العمل دقيقة تلو الآخرى كما يخفف من حدة المأسآة التي غمرك بها من خلال الكوميديا وفن الضحك الساخر أو الكوميديا السوداء التى تجذب قطاع كبير من المتلقين ،فيجعلك تضحك من هول المآسى المتكررة التى وضع أبطاله بها ،و هنا تشعر بأنين قلبك الذى يتناقض مع إبتسامة وجهك، مما يساعدك على إجابة تساؤل هام يطرحه العمل الفني وهو "هل بالفعل تفر من المجذوم فرارك من الأسد؟" هل يستحق منك ذلك ؟، وهل هو أسد أو وحش أم هو المنبوذ الذى ليس بالضرورة أن يكون المجذوم بل القزم و المبتورة ساقيه والفاقد بصره، كلهم لم ولن يشعرون بإنسانيتهم إلا يوما ما يوم الدين.