واحدة من أهم وأعقد مشاكل السينما المصرية، تكمن في عدم تعود الجمهور على نوعيات مختلفة من الأفلام، ولذلك نراه يُعرض عن تجارب سينمائية شديدة الخصوصية والمتعة في آن واحد، ولا يبقى أمامه الإ أفلام الحركة أو الكوميديا، أما بقية الأنواع فهو يقابلها بتوجس وإنكار! أو يترفع عن متابعتها تحت زعم أن مكانها شاشة التليفزيون، مع أن متابع السينما المُخلص يمكن أن تكون لديه حصيلة من مشاهدة أفلام تعتمد على طرح قضية جدلية بين وجهتي نظر في شأن سياسي أو اجتماعي أو إنساني، ومع ذلك فتلك النوعية لاتخلو من القيمة الفنية والمتعة البصرية، مشكلة فيلم "الضيف" في اعتقادي أنه يحمل اسم إبراهيم عيسى، ومعظم من يبدي رأيه حول الفيلم يعتبره أحد البرامج الحوارية التي يقدمها إبراهيم عيسى عن أرائه الجدلية حول مدى اختلاف الأئمة في القضايا الفقهية والفتاوى الشرعية التي كانت أحد أسباب تدهور أمة المسلمين على طول الزمان، والحقيقة أن فيلم "الضيف" فيه من هذا، ولكنه يحوي أيضا كل عناصر الدراما التي تقيم أعمدة أي عمل فني، من تشويق وإثارة ومفاجأة ومفارقة، وانقلاب درامي وشخصيات مرسومة بعناية وصراع يتصاعد ويصل للقمة، ثم يبدأ في لم خيوط السيناريو في اتجاه الحل، والفيلم لا علاقة له بحياة إبراهيم عيسى، فهو فقط مؤلفه وكاتب السيناريو، وعلى أية حال فأي فيلم أو عمل فني هو نتاج منطق وفلسفة ورأي كاتبه، حتى لو كان مجرد عمل فني مقصده التسلية فقط!
"الضيف" فيلم جميل وممتع، يبدأ من نقطة انطلاق ساخنة، حيث نتعرف على رجل فكر ورأي هو "يحيى حسين التيجاني" أو خالد الصاوي، تؤدي آرائه التي يطلقها في برامجه التليفزيونية أو يكتبها في مقالاته إلى صدام دائم بينه وبين الدولة وفريق المتشددين والظلاميين، ويواجه تهمة إزدراء أديان، لأنه يفند آراء بعض الأئمة الكبار، ويحاول أن يدعو الناس للتفكير والاختلاف وهذا ماخلق له فرقا من الأعداء يتربصون به ويجرجرونه من حين لآخر إلى المحاكم!
تدور معظم مشاهد الفيلم في مكان واحد هو فيلا د.يحيى "خالد الصاوي" التي يدل محتواها على نمط ساكنيها، حيث تحتل المكتبة الضخمة مكانا مميزا، يقضى فيه الكاتب الكبير معظم أوقاته سواء بين كتبه أو أمام شاشته العريضة لمتابعة مباريات الكرة التي يعشقها، أو سماع تسجيلات نادرة من جهاز قديم لتشغيل الإسطوانات، رغم كلاسيكية محتوى الفيلا إلى أن د.يحيى ليس رجلاً كلاسيكيا بل هو شخصية غاية في الطرافه يمتاز بثراء المعلومات في كافة المجالات متفتح الذهن يقبل الرأي الأخر ويتفاعل معه ويناقشه بلا عصبية ولكنه يتوقف كثيرا أمام مغزى ومعنى النقد الموجه لمنهجه ولذلك فهو لم ينفعل أو يتوتر إلا في موقف واحد مصيري عندما يجد أن حياة عائلته "زوجته وابنته" في خطر داهم، وان شاب"أحمد مالك" يكاد يكون مختلا عقليا ونفسيا يهدد بقتلهما.
حرص المخرج هادى الباجوري على اختيار أبطاله بعناية بالغة، حتى بدى كل منهم وكأنه يقدم أروع أدواره وخاصة خالد الصاوي وأحمد مالك، ثم تأتي شيرين رضا وماجد الكدواني وحضوره الطاغ في المشهد الوحيد الذي ظهر فيه، فأدى إلى تقليل حدة التوتر التي كانت أحداث الفيلم قد وصلت إليها، وكذلك محمد ممدوح ومحمود الليثي، أما جميلة عوض فلم تخرج من نمط الأداء الذي نجحت به في مسلسل "تحت السيطرة" وبدأت تكرره في معظم أعمالها رغم اختلاف نوعية الشخصيات التي تقدمها وهو عيب عليها تداركه، واستطاعت كاميرا "مازن المتجول" أن تتجول داخل الكاميرا دون أن تشعرنا باختناق المكان الواحد، وخلقت بين ما يدور داخل الفيلا وخارجها علاقة بصرية منطقية تتيح للمشاهد أن يتابع ما يدور خارج المكان، ويمنحه تنوعا بصريا وخاصة في مشاهد هطول الأمطار.
أما "الضيف" أحمد مالك الذي هبط على الكاتب والمفكر د.يحيى حسين التيجاني، فقد كشف خلال ما يقرب من ثلاث ساعات هى مدة الزيارة التي قضاها في منزل الكاتب اللامع والمثير للجدل عن كثير من الخبايا والأسرار في حياه المضيف وعلاقته بأسرته كما كشف عن طبيعة تكوين من يدعون التحدث باسم الإسلام وعلاقتهم بأصحاب الأفكار المختلفة، ويمتاز الفيلم بحوار آخاذ ممتع شديد الذكاء والحيوية، وبمواقف تؤدي إلى انقلابات في سلوك الشخصيات حيث تسقط الأقنعة وتتغير القناعات. الملابس والماكياج من العناصر المميزة في الفيلم ولكن باروكة خالد الصاوي وصلعته المصنوعة كانت في حاجة إلى عناية وإتقان، موسيقى هشام نزيه ساهمت في كريشندو أو تصعيد توتر المشهد الأخير الذي انتهى دون الإفصاح عن مصير د.يحيى وحسنا فعل.