أن يُحدثك أحدهم عن فيلم ما ويؤكد لك على عظمته، وعندما تشاهده تصاب بالإحباط، ليس بسبب أن الفيلم سيء، ولكن لأن حديث أحدهم ذلك رفع من سقف توقعاتك وجعلك تعتقد أنك ستشاهد فيلمًا لا يقل عظمة عن أعظم الأفلام التي شاهدتها.
طاردتني تلك الفكرة عندما شاهدت فيلم "نوارة"، الذي تم إنتاجه عام 2015، وقامت ببطولته منة شلبي، وكتبته وأخرجته هالة خليل التي كنت قد شاهدت لها من قبل فيلم "قص ولصق" الذي قدمته عام 2007، وأعجبني كثيرًا.
تدور أحداث فيلم "نوارة"، بعد أحداث ثورة 25 يناير، حول نوارة (منة شلبي) التي تعمل خادمة في فيلا يمتلكها برلماني ووزير سابق (محمود حميدة ). وعن طريق تلك العلاقة يعرض لنا الفيلم حال الفقراء، ورجال المال والسلطة بعد الثورة.
رجال المال والسلطة، الذين حصلوا على لقب "فلول"، يسيطر عليهم الخوف بعد الثورة على نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وانقسموا بين من يصدق أن الثورة مؤامرة، وآخر يراها إرادة شعب فاض به الكيل، في حين يراها أسامة (محمود حميدة) مجرد "فرقعة" ويؤكد أن كل شيء سيعود كما كان.
ومع استمرار حالة القلق وزيادة الضغوط على الوزير السابق من زوجته شاهندة (شيرين رضا) وابنه، للهرب إلى العاصمة الإنجليزية لندن قبل القبض عليه، يضطر للرضوخ لهما ويسافر، ولو بشكل مؤقت.
وعن الفقراء، فهُم فقراء مطحونين.. نوارة تعيش مع جدتها (رجاء حسين) في بيت متواضع لا تصل إليه المياه، ومتزوجة – مع إيقاف التنفيذ - من علي (أمير صلاح الدين) الذي يعمل في تصليح الأجهزة الكهربائية، ويحمل هم والده المريض الذي لا يجد له مكانًا بمستشفى حكومي ويضطر إلى نقله لمستشفى خاص خوفًا عليه من الموت بعدما عانى من الإهمال الشديد.
تدور أحداث الفيلم وفي الخلفية إما نسمع الأخبار في الراديو أو نشاهدها على شاشة التلفاز لنعرف ما حدث بعد الثورة، ولكن يبدو أن مؤلفة الفيلم لم تنجح في إحداث توازن بين الجانب الروائي للفيلم (حكاية نوارة) والجانب التوثيقي (ما حدث في مصر بعد الثورة).
يبدأ الفيلم على "نوارة" ونراها، بعد أن اصطحبت علي في زيارة والده المريض بالمستشفى، تستقل أربع مواصلات للوصول إلى عملها، في تسلسل يستغرق نحو ثلاث دقائق ونصف الدقيقة ليوصل لنا معلومات عن حال مصر بعد الثورة، أهمها ما قيل وقتها عن المليارات المنهوبة وإمكانية عودتها من الخارج، وهي المعلومات التي كان يمكن أن تصل في دقيقة واحدة أو أكثر قليلًا، إلا أن المخرجة – وكما يبدو لي – أرادت أن تستعرض قدرتها على التصوير في الشوارع المزدحمة، ربما لتعيد إلى أذهاننا مشاهد هامة قدمها المخرج الكبير عاطف الطيب الذي تميز بتقديم هذه المشاهد، أو لتعيد تجربتها المتميزة في فيلم (قص ولصق).
ونرى نوارة، في الدقيقة 18، في طريق عودتها من العمل إلى البيت، في حوالي نصف دقيقة على الشاشة، وبمجرد دخولها البيت الذي تسكن فيه تسمع كلامًا في التلفاز عن عودة الأموال المهربة مرة أخرى، وهو ما يعني أن رحلة ذهابها إلى العمل كان يمكن أن تختزل إلى نصف دقيقة أو حتى دقيقة واحدة. طالما أن المعلومات تكررت مرة أخرى بطريقة تتنافي مع طبيعة الفيلم السينمائي.
ويبدو أن مؤلفة الفيلم ومخرجته، هالة خليل، لم يكن لديها ما تقوله، فتكرار الأحداث دون إضافة كان سيد الموقف، فعلى سبيل المثال، مشاهد ملء نوارة للمياه.
نرى نوارة قبل نزول تتر البداية وهي عائدة إلى بيتها ومعها (جركنين) من المياه التي ملأتها، ونراها مرة أخرى في الدقيقة 25 من الفيلم وهي تملأ المياه، وفي اعتقادي أن المشهدين كانا كافيين لإظهار أزمة المياه التي تعيشها نوارة مع جدتها وباقي الجيران، إلا أن مؤلفة الفيلم كان لها رأيًا مختلفًا، فقد أعادت نفس الحدث مرة أخرى في الدقيقة 68، في تسلسل يستمر لأكثر من دقيقة بعد مشادة بين (جدتها وجيرانها)، وموظفي الحي الذين يطلبون منهم دفع مبالغ إضافية لتركيب مواسير المياه.
التكرار لم يقتصر على مشاهد ملء نوارة للمياه فقط، فقد تكررت مشاهد لها مع الكلب (بوتش) الذي يحرس الفيلا التي تعمل بها، بلا داعٍ.
أعتقد أن هالة خليل لم تأخذ وقتًا كافيًا لتكتب سيناريو الفيلم، وهو ما نتج عنه فيلم لا نستطيع أن نقول إن له قصة متماسكة، أو رسالة واضحة، إلا إذا كانت هالة خليل تقدم الفيلم بإسقاطات يجب على المُشاهد أن يبذل مجهودًا كبيرًا لفهمها، ولكن حتى لو اعتمدت على الإسقاطات – وهو مجرد فرض – فإن السيناريو كان يحتاج منها مجهودًا أكبر لكي يكون متماسكًا وواضحًا أكثر من ذلك.
في النهاية لا أستطيع أن أصف مشاهدتي للفيلم بأنها تجربة سيئة، رغم أنها أحبطتني، ليس بسبب السيناريو السيئ فقط، ولكن بسبب أداء الممثلين الذي كنت أتوقع أن يكون أفضل من ذلك، خصوصًا منة شلبي التي حصلت على جائزة أحسن ممثلة من مهرجان دبي السينمائي الدولي، عن دورها في الفيلم، ولكنني سعيد بوجود فيلم يقول إن هناك ثورة مرت من هنا.