أحياناً نكتشف وجود فيلم لم نعلم عنه شيء من قبل، ويعترينا الفضول أن نشاهده لوجود نجوم كبار كأبطال الفيلم ولكنهم وقتها كانوا مازالوا في بداية مشوارهم الفني، وتكون المفاجأة حين نشاهده ونكتشف أنه فيلم رائع، ليجعلنا نتساءل لماذا لم نسمع عنه من قبل. هذا ما حدث معي عند مشاهدتي لفيلم الجريمة الدرامي "حافة النهر"، الذي صدر عام 1986 وفاز وقتها بجائزتي Independent Spirit Award كأفضل فيلم وأفضل سيناريو. قام بإخراجه تيم هنتر وكتب السيناريو نيل خيمينيز والذي إستوحى قصة الفيلم من جريمة قتل حقيقية قام فيها طالب بالمرحلة الثانوية بإغتصاب فتاة وخنقها حتى الموت، ثم إصطحب أصدقائه لمشاهدة جثتها. يعد الفيلم من الأفلام ذات الإنتاج المحدود حيث لا نجد فيه ديكورات ضخمة أو مطاردات ذات تكلفة عالية، حيث يعتمد أكثر على قصة الفيلم المثيرة وأداء أبطال الفيلم الذين كانوا أغلبهم مراهقين غير معروفين وقتها، ماعدا الممثل المخضرم دينيس هوبر الذي قام بدور مميز برغم صغر حجم الدور. تدور أحداث الفيلم حول الشاب المراهق سامسون (دانيال روباك) الذي يظهر في بداية الفيلم وهو جالس على جانب نهر في بلدة بشمال كاليفورنيا وبجانبه جثة صديقته جايمي، ولا يتركنا المخرج نتسأل كثيرًا حول الغموض الذي يحيط بهذه الجثة، حيث نعرف سريعًا أن سامسون قام بخنق صديقته حتى أزهق روحها لمجرد أنها كانت تتجادل معه. حتى الآن قد تبدو القصة ليست بشيء جديد، ولكن مع مرور الأحداث نكتشف مدى إضطراب سامسون حيث أنه ليس فقط لا يشعر بأي ندم أو تأنيب الضمير، ولكنه أيضًا لا يهتم بأن يتم القبض عليه بعد أن قام بإخبار أصدقائه في المرحلة الثانوية بما فعل. تتعقد الأمور حين نجد لين (كريسبين جلوفر) مُصمم أن يحمي صديقه سامسون بأي ثمن بالرغم من إرتكابه لهذه الجريمة البشعة، في حين أن صديقه الآخر مات (كيانو ريفز) يجد نفسه غير قادر على السكوت عن هذه الجريمة. الفيلم يناقش موضوعات هامة تجعل المشاهد يفكر جيدًا في مدى خطورتها حتى بعد إنتهاء الفيلم، مثل التفكك الأسري الذي يجعل الأبناء متمردين وساخطين على والديهم، وإدمان المخدرات التي تجعل المراهقين مغيبين عن العالم حيث يعيشوا في حالة من اللامبالاة والضياع، وإنهيار الأخلاق الذي يجعل الشخص يفقد القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
بالنسبة للأداء التمثيلي فقد برع جميع طاقم التمثيل في أداء أدوارهم بالرغم من أن العديد منهم لم يكونوا نجوم معروفين، ومن الأشياء الطريفة أن يكون الممثل كريسبين جلوفير هو البطل الأول في الفيلم حيث يأتي إسمه في المقدمة ثم يليه النجم كيانو ريفز، وقد كان هذا الدور من أوائل أفلام كيانو في مسيرته الفنية والذي ساهم في إنطلاقه إلى النجومية في أفلام شهيرة مثل My Own Private Idaho وBill & Ted's Bogus Journey.كان أداء كيانو ريفز مميز حيث قام بدور الشاب الثائر الذي يعيش مع والدته المغلوبة على أمرها وأخيه الصغير المتمرد تيم وأخته المسالمة، حيث يقوم دائمًا بالشجار مع صديق والدته الذي يساعدهم ماديًا ولكنه لا يكترث بأحوالهم ولا يحاول أن يقوم بدور الأب الذي يبدو أنه لا وجود له في الأسرة. أما الممثل دانيال روباك فقد برع في دور الشاب المختل الذي فقد القدرة على الشعور بأي شىء، حين يقوم بإقتراف جريمة مروعة ولكنه يمارس حياته بشكل طبيعي وكأنه لم يحدث شىء. أيضًا دور دينيس هوبر والذي قام بدور راكب الدراجات البخارية السابق "فاك" والذي يعيش في عزلة ويقوم ببيع المخدرات للمراهقين، ولكنه حين يقابل "سامسون" يكتشف خطورته بالرغم من كونه قام بقتل صديقته في الماضي مثله ولكنه على العكس لديه مشاعر حيال ضحيته. هناك أيضًا دور الطفل تيم (جوشوا ميلر) والذي يتصرف مثل الجانح بالرغم من محاولات أخيه الكبير "مات" بأن يبعده عن طريق السوء، ولكنهما يعيشان في حالة من الضياع مثل بقية أصدقائهم الذين يقضون أوقاتهم في سماع موسيقى البانك وتعاطي المخدرات. ومن هنا نجد أن أهم رسالة يقدمها الفيلم أنه في غياب المثل الأعلى والقدوة الحسنة يصبح الجيل الناشىء في خطر، خاصة مع تعاطيهم للمخدرات التي تُغيب إدراكهم وتفقدهم السيطرة على حياتهم، بل تجعلهم غير قادرين على الشعور بالحزن حينما يفقدوا صديقة مقربة لهم في حادث بشع.
أما بالنسبة لقصة الفيلم فقد نجح المؤلف في رصد واقع جيل المراهقين في فترة الثمانينات، حيث قدم صورة صادقة لحياتهم العابثة، حيث كان لا يوجد شيء يهمهم سوى: الصداقة، الروك آند رول والإنتشاء من تأثير المخدر.وقد تم تصوير الفيلم في أماكن محدودة أغلبها كانت مابين منازل المراهقين المتواضعة أو مدرستهم ولكن المكان الأهم هو ضفة النهر (والتي يأتي إسم الفيلم منها) والتي يقع فيها حدثين هامين في بداية الفيلم ونهايته.
وبالرغم من أن أجواء الفيلم كان يسيطر عليها طابع الكآبة والقتامة (خاصة التركيز الزائد على جثة الفتاة)، إلا أنه كان شيء لابد منه نظرًا لخطورة المشكلات التي يسلط الضوء عليها والتي تعد بمثابة تحذير بوجود قنبلة موقوتة والتي من الضرورة الإنتباه لها ومعالجتها قبل فوات الأوان.