يستعرض أي عمل فني وثائقي دائما حقيقة تاريخية، بشكل درامي لتسجيل مواقف حياتية هامة بصورة حيادية، دون التدخل بإبداء الأراء، ومحاولة تصوير الأشخاص بشكل يُسرد معه كمية هائلة من المعلومات التي يقدمها بنص ممتاز خال من الأماكن العامة، أو التعليقات المجسمة الأخرى التي غالبا ما تلوث أي عمل وثائقي.
وهذا ما قدمه المسلسل الرمضاني عيال المباركية، والذي يتناول قصة نهضة الكويت بيد رجالها منذ عام 1910 وإلقاء الضوء على نماذج من هؤلاء الرجال مثل الشيخ يوسف بن عيسى وفجحان المطيري، وأثرهما على نشأة التعليم وتطوره، مروراً على حقبة الأربعينيات وإلقاء الضوء على الدكتور صالح العجيري، واستعراض قصة نجاح محمد الشارخ في صناعة الحواسيب حتى عام 1982.
مبدئيا المسلسل من إخراج الكويتي سلطان خسروه، والذي شارك سابقا كمساعد مخرج في مسلسل أسد الجزيرة عام 2006، ودار خلال حقبة مهمة في تاريخ الكويت وهي فترة حكم الشيخ مبارك الصباح في الفترة ما بين 1896 و1915، وسرد لبعض الأحداث التي حدثت في تلك الفترة، وقد قام أبطال ونجوم عدة بالمشاركة في عرض أهم تفاصيل تاريخية بدولة الكويت، والذين كان من بينهم الممثل والمخرج الكويتي أحمد الحليل، حيث قدم دور (يوسف بن عيسى القناعي)، أحد رواد النهضة في تاريخ الكويت، وقام بتأسيس المدرسة المباركية التي افتتحت نهاية عام 1911 وعين كأول ناظر لها، وقد استطاع خسروه، أن يقدم عروض وروايات من خلال تضمين لقطات سردية رائعة في صراع يوسف بن عيسى لتسليط الضوء على الاختلافات بين ما يحدث في تلك الحقبة، ومساهمته في افتتاح مدرسة لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، وتعلم القرآن،
ثم كانت الحلقات التالية من مسلسل عيال المباركية، زيارة محبي الأعمال الوثائقية عن الأشخاص الذين أثرو الحياة بمجهوداتهم، وكان التصوير التلفزيوني شهي، والمسلسل ليس تعليميًا فحسب، بل كان دراميا بشكل كبير، حيث زج بحكايات مختلفة وسط تلك الوثائقيات، وجاء وصف حياة عالم الفلك والرياضيات الكويتي (صالح العجيري) من أكثر الحلقات الممتعة، والتي تم عرضها بشكل جيد للغاية، وتمكن مخرجه من القدرة على تصوير شخص يعني من أمر ما، حتى يعاني المشاهد معه من ذلك أيضًا، وصور حياة صالح من خلال الممثل حسين الحداد، الذي برع في توصيل حياة العالم الفلكي الكويتي صالح العجيري وكأنك تراه بالفعل. ولمس السيناريو لقطات هادفة في حياته بدء من تعليمه في المدارس الأبتدائية، ثم تشجيع والده له لدراسة علم الفلك بعد أن اكتشف شغفه وخوفه من بعض الظواهر الطبيعية، ثم دراسته بالقاهرة وتطلعه للبحث والرصد، والعمل على البحوث العلمية الفلكية المتخصصة. وفي الجزء الثالث من المسلسل، زج سلطان خسروه، ببعض المشاهد الدرامية وسط تسجيلات ﻷهم مبارايات كرة القدم التي قادها النجم الكروي الكويتي (جاسم يعقوب)، والتي أدى دوره الفنان الشاب عبدالله البلوشي، بجدرارة ومهارة، واستطاع توصيل معاناة جاسم في إصابته بالملاعب إلى كل من شاهده، وأن يشاركوه فرحته بتحقيق الفوز لبلاده مع صديقه اللاعب (فيصل الدخيل)، ولكن ما قد يؤخذ على تلك الحلقات التطويل الزائد في عرض القصة، بالإضافة إلى الاعتماد بشكل كبير على لقطات طويلة من تسجيلات المبارايات.ثم التحدث بهذه النصوص بوضوح وتميز في الحلقات التي تناولت حياة رجل الأعمال الكويتي (محمد الشارخ)، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة صخر لبرامج الحاسب، والذي أدى شخصيته الفنان المتميز فيصل العميري من خلال الصور والتعليقات المصحوبة بموسيقى أصلية قام بتأليفها إيدو، عارضا مجهودات الشارخ في إدخال اللغة العربية إلى الحواسيب لأول مرة في التاريخ وذلك في حقبة الثمانيات.
أخيرا وليس أخيرا سيجعلك هذا المسلسل الوثائقي الممتاز ترغب في التعرف على كل شاهد على العصر، لآدباء وعلماء كويتين قدموا الكثير لبلدهم وللأمة العربية، وتقديم لمحة موجزة عن بعض الشخصيات الهامة في الكويت.