في الدورة السابعة لمهرجان السعودية.. (عرض الأفلام ليست لتزجية الوقت)

  • مقال
  • 05:41 مساءً - 17 يوليو 2021
  • 5 صور



ثمة فرق جليّ واضح بين عرض الفيلم للجمهور، وعرض الفيلم لزملاء المهنة، أو تقنياتهم، النوع الأول من العرض نمط موجه للجمهور أنفسهم، مطلوب منهم أن يتفاعلوا معه، إذا ما شاهدوا واستوعبوا مضمون الفيلم ومقاصده، كفيلم "الطائر الصغير" في مهرجان الأفلام السعودية السابع. أما النوع الثاني، فهو عرض يتضمن تنظيرًا واستعراضًا لإمكانات صناع الأفلام في عالم السينما الواسع المتنوع، بقصد الإبهار وشد الانتباه بعيدًا عن المضمون، كفيلم "كسح" وفيلم "أرض القبول" اللذان عُرضا في المهرجان ذاته.

النوع الأول يقدم رسالة، والنوع الثاني يقدم المتعة. ولا مراء في أن أهم قضية وأبرز مفردة في عالم السينما هي الإبداع، والإبداع يأتي بدمج النوعين معًا. فإن كان العرض الجمهوري صاحب المضمون مكتمل العناصر بينما العرض التقني ضعيف لا يجدي العرض نفعًا. وإن كان العرض الجمهوري صاحب المضمون ضعيف بينما العرض التقني مكتمل العناصر أيضًا لن يجد العرض الصدى المأمول.

في مهرجان الأفلام السعودية شاهدنا النوعين مندمجين معًا في فيلم "حد الطار"، وفيلم "أربعون عامًا وليلة"، الفائزان بجوائز المهرجان، وشاهدنا التناقض كذلك، فالحاصلين على أفضل الجوائز يفترض أنهم أصحاب الإبداع، دامجون النوعين، كصناع فيلم "حد الطار" الفائز بجائزة أفضل فيلم طويل، وفيلم "سيدة البحر" الفائز بجائزة أفضل صورة فيلم وجائزة أفضل ممثلة بسيمة، وفيلم "أربعون عامًا وليلة" الفائز بجائزة أفضل موسيقى وأفضل ممثل في الفيلم "مشعل المطيري"، وفيلم "الطائر الصغير" الفائز بجائزة أفضل فيلم قصير، وفيلم "بيضة تمردت" الفائز بجائزة عبد الله المحيسن لأفضل فيلم أول، فيما الآخرين (36 فيلمًا) في كفة أخرى.

إن خبراء السينما العرب الذين يستعين بهم مهرجان الأفلام السعودية كل عام، كالمخرج مأمون حسن، وبسام الذوادي اللذان تم تكريمهما والاستعانة بفكرهم في النسخة السابعة ومن سبقهم في النسخ السابقة، يقدمون أعمالًا جميلة من خلال تقديم عصارة تجاربهم للأجيال الجديدة، لتوظيفها بشكل صحيح في عملية التطوير والتجديد والبناء.

انتشرت السينما وبدأ معها تنافس بين المواهب حول العالم حاليًا، ومدارس لكل منها طبيعتها المميزة التي تتشاركها مع غيرها، من الأمريكية إلى الفرنسية والألمانية إلى الروسية واليابانية والعربية.. الخ. وتعاظمت قيمتها عندما شرع المفكرون والمحللون والنقاد يناقشون لغة الجسد وتعبيرات الوجه وتأثيراتهما النفسية والفكرية في الأفلام السينمائية.

توافرت في هذه الأفلام دائمًا سمة فنية لم تتخل عنها، وكانت لكل منها وظيفة تعبيرية ورسائل واضحة لها تأثيرها، فخلالها يدرك المشاهد قيمة العمل ومن قدموه له، وكذلك المشاعر والأفكار والقضايا التي يناقشها، فلكل مدرسة هناك بصمة، ولكل مكان هناك ثقافة، ففي الفيلم "حد الطار" عكس المخرج السعودي عبدالعزيز الشلاحي ببراعة الهوية السعودية وثقافتها بالاستعانة باللون الشعبي من إحدى القصص التي حدثت في مدينة الرياض. وفي فيلم "أربعون عامًا وليلة" للمخرج السعودي محمد الهليل، فيلم طويل، عكس الشيء ذاته غير أنه كان يحكي عن قصة تدور في مدة زمنية قصيرة للغاية، ليلة واحدة، وهي ليلة العيد التي كانت العائلة في استعداد مبكر لها، فأصيب الأب بحادث مروري، وفشى السر بزواجه من زوجة ثانية التي كانت بمعيته في السيارة أثناء الحادث، وقام الأبن الأكبر بتغطية هذا السر عن الجميع، خوفًا على مشاعرهم، خصوصًا مشاعر الأم حين تعلم بخبر زواج أبيهم من أخرى. فتدور الأحداث في هذه الليلة وحوار بين الأبناء في هذا الخضم. في الحقيقة هي تعكس حالة من حالات تحصل في هذا المجتمع، غير أن طاقم التمثيل لم يكن على مستوى واحد في تبادل الحوار فيما بيهم، بخلاف الممثل السعودي مشعل المطيري الذي أجاد دوره بسلاسة، وربما هو الذي قاد الفيلم ورفع من شأنه، فيما البقية كانت حواراتهم غير انسيابية وتنقصها المرونة، أما المكان فكانت النسبة العظمى من الأحداث في منزل الأسرة، أي في نطاق ضيق جدًا، معتمدًا – الهليل – على فكرة التأثير البصري والتعبير الوجداني التي كانت هي الأساس، أي صور تعبيرية متلاحقة تحكي قصة تدور في مدة زمنية قصيرة، ومما ساعده أكثر هو تحرره التعبيري في الحوار دون معوقات، كان ينقص الفيلم المزيد من العمق، والمتعة التي كانت غائبة بعض الشيء، وكذلك أغلب أفلام المهرجان.
ليس أمامنا سوى التفاؤل والشد على يد صناع الأفلام بعمل يعرض للجمهور يحمل مضمونًا وإخراجًا إبداعيًا، أي تفعيل عنصرا القوة الفكرية والقوة التقنية لمزيد من التطور والإبداع المنشود. إن العرض للجمهور سواء في المجال الهادف أو في المجال التقني، أي عندما يعرض لهم، وعن حيواتهم، ربما يحتاج الأمر إلى مزيدًا من الخبرة لطرح اهتمامًا جديًا ونوعيًا بتقديم معالجات ذات عمق وتميّز، بمعنى أن تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسألة ازدهار الحياة ومتعتها، إذ أن العرض للجمهور في كل الحالات ليست ترفًا أو وسيلة لتزجية الوقت ودفع السأم والملل فقط.




تعليقات