"C'mon C'mon" .. رحلة عن التواصل بين الأجيال

  • نقد
  • 01:51 مساءً - 11 ديسمبر 2021
  • 5 صور



من السهل إنتاج الأعمال المبهرة على المستوى البصري، فهي تجارب ستراها في كل عام بل وأحيانًا كل شهر خلال رحلتك إلى صالات السينما، والأروع هو مشاهدة تجربة درامية صادقة وعاطفية تبني جسرًا من المشاعر الإنسانية بين كافة الأجيال، وهي تجربة بالطبع لن نراها في كل عام.

"C’mon C’mon" يمثل عودة جديدة للمخرج الأمريكي مايك ميلز منذ تجربته الأخيرة الروائية المرشحة للأوسكار "20th Century Women"، ويدور العمل حول جوني المراسل والصحفي الإذاعي المختص في مجال إجراء الحوارات مع الأطفال، والذي يضطر للاعتناء بالطفل جيسي ابن شقيقته بسبب مرض زوجها النفسي، فينطلق جوني وجيسي في مغامرة عبر نيويورك وتنشأ بينهما علاقة قوية. قصة العمل كانت بسيطة في الفكرة ومرهقة في السرد قليلًا، التنقل بين المشاهد في أوقات مختلفة من حياة الشخصيات لم يكن بالأمر السهل على مايلز، ولكنه خرج بالصورة المطلوبة.

استطاع العمل ببساطته رسم الكثير من اللوحات الفنية والمشاعر اللانهائية، وكان اختيار الأبيض والأسود لونًا لهذه اللوحة هو الاختيار الأمثل، أشبه كمرآة مُناسبة لكافة الأزمنة المُعاصرة، تعطي طابعًا مختلفًا، وعادة تصوير الأعمال بالأبيض والأسود في هذه الحقبة المعاصرة يرجع لسببين، ضعف ميزانية الإنتاج أو رغبة المخرج نفسه في تقديم تجربة تُشعرك بصدقها بشكل واقعي بعيدا عن سحر الألوان، وهذا ما أكده مُخرج العمل مايك مايلز أنه لطالما كان يحلم بتقديم تجربة بالأبيض والأسود لما تحمله من صدق كبير، تقديم تجربة أشبه بلوحة فنية قديمة، أو أسطورة منذ زمنٍ بعيد يحكي خلالها الأطفال ما يدور بداخلهم وكيف يستمع لهم الكبار.

ما بين لوس أنجلوس ونيويورك ونيو أورليانز وديترويت، ينطلق جوني وجيسي وسط منازل وطرقات مليئة بالذكريات والشمس الساطعة والحياة، فقدم العمل ثورة رقيقة للأطفال رغبة منهم في إثبات مكانتهم في العالم، من خلال جوني الذي يتجول في الولايات الأمريكية ويُقدم الميكروفون الخاص به للأطفال، فيستمع لما يدور بداخلهم، وهذه بالتحديد كانت ضمن أفضل مشاهد العمل على الإطلاق، بل أن بعض أفكار الأطفال قد تُصيبك بالقشعريرة عند الاستماع لها وتذكرك كيف كانت حياتك بالطفولة، وكيف تغير كل شيء بالنسبة للأطفال بالوقت الحالي، وكيف سيتغير بالطبع في الأعوام المقبلة. هتف العمل من خلال هذه المنظور على ضرورة التواصل بين الأجيال ومدى تأثير الكبار والصغار على بعضهما البعض.

يقود العمل الخال جوني، واكين فينيكس الذي يعود من جديد بعد تجربته الروائية الطويلة الأخيرة "Joker"، وتجربته القصيرة "Guardians of Life"، ومن خلال سلسلة من الأحداث تقود الظروف جوني في النهاية للبقاء مع جيسي ابن شقيقته، والتي تُكافح من أجل الوقوف بجانب زوجها والذي يُعاني مع المرض العقلي. ينطلق جوني مع جيسي في مغامرة عبر الولايات، فبعد سنوات من الوحدة والاكتفاء بعمله الذي يستمع به فقط للأطفال، يجد نفسه بشكل مفاجئ مسؤولًا عن واحدًا منهم، وهي تجربة تظهر من خلال الأحداث سببًا في تهرب جوني من الارتباط والمسؤوليات. تميز العمل في قدرته على إظهار مدى تأثير جيسي على جوني، ومدى قدرة الصغار في التأثير على الكبار بشكل لا يمكننا تخيله.

على الرغم أن العمل ظاهريًا يظهر في محاولة لإعادة التواصل بين كافة أفراد العائلة، يبرز العمل بشكل أكبر فقدان التواصل بين الجميع، ومدى المسافات التي تنشأ داخل البيت الواحد بين أفراد العائلة، فنجد صراعات جيسي وشقيقته فيف بالماضي حول الطريقة الأنسب للتعامل مع والدتهما المريضة، ونجد الخال الذي لا يُجيد التعامل أو التفاهم مع ابن شقيقته، والطفل الذي يشعر بالوحدة والانفصال عن العالم في بعض الأوقات على الرغم أن والديه على قيد الحياة، والأم التي تُكافح من أجل زوجها وابنها على طول الطريق، وهي سلسلة من اللوحات التي تدفع المشاهد في الاندماج مع التجربة وتلقي به في بحر الذكريات العائلية والتي ربما شعر يومًا ما خلالها بالوحدة وسط عائلته. ينجح العمل في إتاحة المساحة للأطفال للتحدث عن أنفسهم وعن طموحاتهم ومخاوفهم المستقبلية، وكيف يتأثر بهم الكبار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

قدم واكين فينيكس كعادته واحدة من أفضل أدواره، فبساطة الدور لا تُعني سهولته بل على العكس تمامًا، نجح فينيكس في تقديم المشاعر والتعبيرات الأنسب للشخصية بمنتهى البساطة والإخلاص، بينما كان أداء الطفل الصاعد وودي نورمان تجربة مميزة بشكل لا يصدق، فعلى الرغم أن مسيرته الفنية لا تتجاوز ال6 أعوام تقريبًا، خطف الأنظار بتجسيده المميز للشخصية واستطاع إثبات موهبته المستقبلية، وعلى الرغم من قدرته على الظهور بشكل مميز في العمل، يبقى فينيكس سببًا رئيسيًا في تألق الطفل الصغير بسبب الكيمياء المميزة التي ظهرت بينهما.
جينيفر فيتشياريلو قدم تجربة جيدة للغاية في المونتاج، واستطاع قيادة العمل نحو التحرر الزمني للمشاهد والتنقل ما بين لحظات متنوعة في حياة الشخصيات، جعلت من العمل فوضى لا غنى عنها، وبجانب المونتاج كان لمايلز الكلمة العليا في تجسيد كافة هذه العناصر والمشاعر ومساعدة الشخصيات على إبراز أفضل ما لديها، فخرج العمل بتجربة إخراجية مميزة أيضًا.

"C’mon C’mon" تجربة بلا شك تستحق المشاهدة، عمل مناسب لكافة الأعمار والأجيال والأوقات، وربما كان ضمن أفضل الأعمال التي عرضت في مهرجان القاهرة السينمائي للعام 2021، ولا شك أن العمل سيكون له حضور مميز ومتوقع في موسم الجوائز المُقبل.




تعليقات