شهد موسم رمضان الدرامي هذا العام أعمالًا متنوعة ما بين التاريخي والاجتماعي والتشويقي والكوميدي، منهم من حقق نجاحُا وآخر أخفق. استطاع مسلسل "تحت الوصاية" للفنانة منى زكي" احتلال مرتبة كبيرة للمشاهدة على الرغم من توقيت عرضه في النصف الثاني من رمضان، ومن ثم فأن العمل الجيد يفرض نفسه على الجمهور مهما كان حجمه، فالمسلسل يعتبر من أفضل الأعمال التي عُرضت -والذي ينتمي إلى دراما الـ15 حلقة- نظرًا لأنه مكتمل لجميع عناصر النجاح وأهمها الإخراج الجيد وحسن اختيار مواقع التصوير، وبرع المخرج محمد شاكر خضير في جذب المشاهدين بالصورة الجمالية وإقحامنا في عوالم جديدة لم نراها من قبل مثل عالم تجارة الأسماك، علما بأن العمل كان من الممكن أن يكون قاتمًا فينفر المشاهد من رؤيته نظرا لقسوة أحداثه، كما لم يترك خضير أي تفاصيل لم يهتم بها سواء في شوادر السمك أو الكادرات المتميزة أو إجادة لغة الساحل. ناقش العمل قضية في غاية الأهمية فيما يخص وصاية الأبناء وحق المرأة في تولي وصاية أولادها، خاصا إذا كان أهل الزوج ليسوا محلًا للثقة، بالإضافة إلى أداء منى زكي والتي كانت الأفضل خلال الماراثون الرمضاني، حيث توغلت في أعماق الشخصية بكل تفاصيلها سواء في انفعالاتها أو في مشاعر الأمومة وخوفها على أبنائها واحتضانها لهم، أو في قوتها وصلابتها في التعامل في مهن يُهيمن عليها الرجال. على الرغم من أن مسلسل "سره الباتع" لم يلاقي نجاحًا جماهيريًا كما كان متوقعًا، ربما يرجع ذلك لبعض الأخطاء التاريخية واختيار الملابس والأدوات المستخدمة، أو أن الرواية تعتبر شديدة الدسامة فلم تلفت الانتباه وسط الزخم الدرامي من المسلسلات، إلا أنه يعتبر من الأعمال الهامة والمتماسكة في شهر رمضان، وتعتبر خطوة لا بأس بها للمخرج خالد يوسف في أولى تجاربه في الدراما، بل كانت في حاجة لبعض الاختصار. اهتم خالد يوسف بجميع التفاصيل الخاصة بالعمل ونجح في المزج التاريخي بين فترة الحملة الفرنسية وبين ثورة يناير وسيطرة الإخوان على السلطة بشكل منضبط دون أن تفلت من يديه الخيوط، بالإضافة إلى تطرقه إلى عدة أوتار واتجاهات كلها تمثل سرد حقيقي لطبيعة الشعب المصري وسلوكياته وتصديه كالمارد أمام أي عدوان في أي مرحلة زمنية، حيث تتمتع الشخصية المصرية بتركبيبة خاصة دوُنت من قبل العالم كليمان والذي لعب دوره حسين فهمي، حيث انجذب بشكل كبير وآثار شغفه هوية الشعب المصري، فاختار في النهاية أن يبقى في مصر ولا يعود إلى وطنه فرنسا. استطاع مسلسل "الهرشة السابعة" للفنانة أمينة خليل لمس قلوب كل الناس واقتحام بيوت جميع العائلات؛ نظرًا لشدة مصداقيته وواقعيته والبناء الدرامي الجيد الذي تم بناء القصة عليه فناقش أدق التفاصيل في العلاقة بين الزوجين بداية من مرحلة ما قبل الزفاف مرورًا بجميع مراحل حياة الزوجين من السعادة والخلافات، إلى الأزمات والانفراجة. قدم العمل روشِتّة كاملة حول كيفية الحفاظ على أسرتك ونفسك من لحظات الملل ومواجهة مصاعب الحياة إذا اشتدت الأحمال والمسؤوليات، كل ذلك وسط مباراة تمثيلية كبيرة من طاقم ممثلين العمل. يُصنف مسلسل "الصندوق" ضمن الأعمال المتوسطة والتي جذبت بعض المشاهدين خاصة فئة الشباب، حيث قدم العمل تيمة جديدة أشبه بالأفلام الأجنبية المليئة بعناصر الغموض والتشويق والإثارة، مع إلقاء الضوء على بعض المشاكل الأسرية وفتور العلاقات بين الأبناء والآباء. على الجانب الآخر عانى المسلسل من القتامة الشديدة في الحلقات الأخيرة، ومع زيادة مشاهد الشخصيات التي تعاني من مرض شديد. هناك بعض الأعمال التي لم يحالفها الحظ في أن تلاقي الصدى المطلوب وفقًا لتوقعات المشاهد، منها مسلسل "رشيد" والذي يعتبر أول بطولة مطلقة للفنان محمد ممدوح وهو نجم من العيار الثقيل، بالإضافة أن العمل التجربة الإخراجية الأولى لشقيقته مي ممدوح. العمل مأخوذ عن رواية الكونت دي مونت كريستو برؤية معاصرة، ولكنه لم يكن جذابًا كما كان في البداية لافتقاده للكثير من العناصر التشويقية، فبالنسبة للنصف الأول جاءت كل حلقة مقسمة إلى قسمين الأول في الزمن المعاصر برؤية مختلفة لمحمد ممدوح وهو يحاول البحث عن الانتقام، وعانى خلال هذا القسم ممدوح بسبب مشكلة مخارج ألفاظه على الرغم من اجتهاده في السنوات الاخيرة للتخلص من هذا العيب، والقسم الثاني يتضمن سرد مباشر لبعض الملامح من حياته في الماضي؛ حتى بدأ العمل يأخذ نوعًا من الرتابة والملل والبطء في الإيقاع، وفي وقت كان من المفترض أن تزداد الأحداث سخونة وتشتعل حدة الانتقام كما حدث في فيلم "أمير الانتقام" و"أمير الدهاء" مع اختلاف الظروف ولكن لم يحدث هذا، ولو تحدثنا عن نوعية أعمال الانتقام -دون المقارنة مع الأفلام القديمة- فكان من المتوقع أن يأخذ العمل شكلًا مختلفًا، ولكن جاءت نهاية العمل ضعيفة وغير مقنعة. مسلسل "تغيير جو" للفنانة منة شلبي والتي حققت نجاحًا باهرًا في العام الماضي بمسلسلها "بطلوع الروح" والتي كان ينتظر منها الجمهور المزيد من النجاح، ولكن هذا لم يحدث على الرغم من توافر جميع مقومات نجاح "تغيير جو"، مثل وجود المخرجة مريم أبو عوف والتي تتمتع برؤية مميزة ولمسات ناعمة وهادئة في اعمالها وتحديدًا فيما يخص قضايا المرأة، وبجانب وجود كوكبة من النجوم، ولكن يبدو أن الخلل يكمن في ضعف السيناريو والذي جاء بقصة باهتة وغير محبوكة حتى بلغ العمل نصفه الأول والمشاهد لا يزال حائرًا في تصنيف العمل، فهل هو رومانسي؟ أم اجتماعي؟ أم نفسي؟، فضلًا عن البطء في سير الأحداث، فتيمة العمل كانت تصلح بشكل أكبر لفيلم رومانسي خفيف على مدار ساعتين فقط. أما بالنسبة لمسلسل "عملة نادرة" فحدث ولا حرج، حيث يُشعرك العمل بأنك أمام دراما صعيدية مختلفة بالقاء الضوء على ميراث المرأة وبعض صراعاتها في الصعيد، بالإضافة أنه كان الأفضل أداءً في البداية بالنسبة لمسلسلات رمضان وخاصة أنها التجربة الأولى لمعظم الأبطال في دراما الصعيد، ولكن بعد مرور عدة أيام انقلب الأمر رأسًا على عقب بنسبة 180 درجة، فبدأ العمل يتشتت و يسير في اتجاهات كثيرة وحلقات مفرغة، ومع مرور كل حلقة تجد نفسك أمام قضية مختلفة في مسلسل جديد، فمن المستحيل طرح جميع قضايا الصعيد سواء حقوق المرأة والثأر والآثار والدجل والفتن الطائفية في عملًا واحدًا. قدم العمل الصراعات الأزلية التي عفا عليها الزمن وقتلت بحثا في الدراما بعودة شخصية كبير النجع المتحكم والمسيطر بسطوته وجبروته على كل شيء، وهي الشخصية التي جسدها جمال سليمان أكثر من ثلاث مرات بنفس النظرة الطاغية ونبرة الصوت بداية من مسلسل "حدائق الشيطان" مرورًا بـ"أفراح إبليس" و"سيدنا السيد" فضلًا عن حجم وكمية الشر المتبادلة والغير مسبوقة؛ والتي حولت جميع أطراف العمل إلى أعداء في النهاية.