سره الباتع.. تجربة لرفض الخرافات والتأريخ للاحتلال

  • نقد
  • 06:28 صباحًا - 6 يونيو 2023
  • 1 صورة



المخرج خالد يوسف له ملامح ورؤية خاصة، وهو أحد أكبر التلاميذ في مدرسة الراحل يوسف شاهين، وتميزت جميع أفلامه بطابع خاص، فأي عمل جديد لا يمر مرور الكرام، علمًا بأنه مخرج مشاغب وتعرض لانتقادات كثيرة لجرأة أعماله، والتي كان أشهرها فيلم حين ميسرة حيث كان أول من سلط الضوء على طبقة المهمشين وسكان العشوائيات، مرورًا بفيلم هي فوضى والذي تناول بعض التجاوزات الأمنية وكذلك آخر مشاهده في فيلم دكان شحاتة، والتي تنبأت أيضًا بأحداث الانفلات الأمني عقب ثورة يناير، وبعد فترة انقطاع قرر العودة واقتحام عالم الدراما لأول مرة من خلال رواية سره الباتع، والمستوحاة من رواية حادث شرف، وهي قصة قصيرة للكاتب يوسف إدريس تدور حول بعض الخرافات والمعتقدات في الريف المصري وما يجري مع بناء ضريح لأحد الأشخاص، وهو السلطان حامد، والذي يذهب إليه المريدون والمعتقدون أنه سوف يلبي نداءهم، مما يعكس انسياق المصريين وعشقهم للأضرحة، فبالنسبة للكتاب، تدور أحداثه من خلال الصبي الذي لا يفهم لماذا أصبح مقام السلطان حامد معلمًا أساسيًا من معالم البلد، ثم يكتشف أنه لم يكن سلطانًا حاكمًا لمصر، وأن هناك مقامات أخرى تحمل نفس الاسم في القرى المجاورة ثم يكبر الصبي ويكتشف سر السلطان من خلال عالم فرنسي مشترك في حملة نابليون.

وأما بالنسبة للعمل الدرامي فقد كشف أوراقه مبكرًا بأن السلطان حامد هو الفلاح البسيط حامد، والذي قرر أن يقود الفالحين في مقاومتهم ضد الفرنسيين. لعب خالد يوسف من خلال هذه الرواية على عدة أوتار حيث يتناول العمل حقبتين زمنيتين إحداهما في فترة الاحتلال الفرنسي لمصر وتصدي المصريين ومقاومتهم الشديدة لحملة نابليون بونابارت، والثانية هي فترة ثورة يناير وسيطرة الإخوان على الدولة حتى ثورة 30 يونيو، وتعمد خالد يوسف ربط الزمنين ببعضهما لعدة أسباب أهمها أن مصر مرت بفترات احتلال كثيرة، سواء من الهكسوس أو الفاطميين أو المماليك أو العثمانيين أو الإنجيليز، والأخيرة كانت أقصر فترة احتلال، والتي لم تتجاوز 70 عامًا، ومنها ما وصل إلى 300 عام، وهي فترة العثمانيين، بينما فترة الاحتلال الفرنسي لمصر لم تتجاوز 3 أعوام، والتي كانت نفس الفترة التي سيطرت فيها جماعة الإخوان على جميع مفاصل الدولة حتى ثورة 30 يونيو، وجاء هذا الربط بين الفترتين ليؤكد العمل أن الارتباط بين الفترتين جاء لسبب واضح، وهو أن جميع فترات الاحتلال التي مرت بمصر كانت من خلال الحكم فقط، ولم تحاول أن تغير الهوية المصرية أو تتدخل في طبيعة الشخصية المصرية، ولذلك استمرت لفترات طويلة وعلى الجانب الآخر فترة الاحتلال الفرنسي والإخوان حاولت أن تتدخل في صميم الشخصية المصرية، والتي كانت الهدف الرئيسي للعمل ولذلك لم تستمر، والهوية المصرية كانت المحور الأساسي لمسلسل خالد يوسف والذي قام بتحليلها المخرج خالد يوسف لمطحنة التي كانت تستخدمها هالة صدقي من حين لآخر في العمل، والتي تمثل طحن الشعب المصري والأعباء التي يتحملها على عاتقه، وعلى الرغم من ذلك فإن طبيعته والدماء التي تجري في عروقه لا تقبل الاحتلال من أي نوع وإنه في وقت الشدة يقف كالمارد في وجه أي عدوان، وكذلك مشهد قطع إصبع أهل البلد كلهم ليصبحوا شخصًا واحدًا وهو حامد، والذي أصبح الرمز لجموع المصريين على قلب رجل واحد، وأما خلاصة التجربة عن طبيعة الإنسان المصري فقد قام بتدوينها العالم كليمان، والذي لعب دوره حسين فهمي، والذي يعد أهم شخصية في المسلسل، والذي انجذب بشكل كبير للشعب المصري وقرر البقاء في مصر وترك بلده ليقوم بتدوين كل شيء في مذكراته مع كل موقف جديد يواجهه مع المصريين، ليختتم حديثه في آخر حلقة بتحليل رائع يقول فيه إنه يريد إضاءة شمعة للسلطان حامد وإنه يقصد بكلمة السلطان أنه كيف لسلطان لهذا البلد سواء من المقيمين فيها أو العابرين عليها أو حتى الغزاة أن يقف منبهرًا ليرى كيف تتجمع إرادة هذا الشعب لتفرز أجسادها إكسيرًا سحريًا قادرًا على تحقيق المعجزات. وعلى الرغم من كل المعاني الموجودة في العمل إلا أنه عانى من بعض السلبيات التي جعلت الكثير من المشاهدين ينصرفون عن المشاهدة، أهمها هو المط والتطويل في كثير من الحلقات لأن القماشة الدرامية في العمل لا تتسع لمسلسل يتكون من 30 حلقة فكان من الممكن اختصارها إلى 20 أو 15 حلقة خاصة بالنسبة لأدوار بعض الشخصيات ومنهم عمرو عبد الجليل وأحمد وفيق اللذان يمثلان مافيا الآثار، والمتعاملان مع من يريدون الاستحواذ على تراث مصر، فتكررت مشاهدهما كثيرًا ما بين حفر المقامات للبحث عن الكنز والنزاعات مع الآخرين بالإضافة إلى تكرار مشاهد المظاهرات أو الهتافات، سواء في الفترة الماضية أو الحديثة فضلًا عن بعض الأخطاء التاريخية في الملابس والديكور.

وصلات



تعليقات