ضمن دورته السادسة، منح مهرجان الجونة السينمائي جائزة الإنجاز الإبداعي لعام 2023 للمخرج المصري مروان حامد وذلك اعترافاً بمسيرته السينمائية المهمة، ومساهمته الجادة في رسم مشهد صناعة السينما المصرية والعربية المعاصر، بأعمال متنوعة، مثلت نقلة فنية وتجارية في السنوات الأخيرة، حيث أصبح اسمه من أهم أسماء المخرجين في مصر والعالم العربي، خاصة وأنه يشكل مؤسسة فنية متكاملة، تقوم بالإخراج والإنتاج أيضاً.
قدمت الجائزة النجمة الكبيرة يسرا، والتي وصفت المخرج مروان حامد بأنه مخرج كبير بما حققه من إنجازات في عمر قصير.
وقد بدأ مروان حامد خطاب استلامه للجائزة بالتعبير عن شكره ليسرا قائلاً: "شرف كبير أن أتسلم الجائزة من الفنانة الكبيرة يسرا، أود أن أعبر عن شكري وامتناني لما قدمته لي من دعم منذ بداية مسيرتي الفنية".
أهدى مروان الجائزة لوالده المؤلف والمنتج الكبير وحيد حامد ووالدته الإعلامية الكبيرة زينب سويدان. كما عبر عن تقديره وعرفانه للدعم الذي تلقاه من كل أساتذته من المخرجين الكبار الذين تعلم على أيديهم سواء في معهد السينما أو في الأعمال التي شاركهم فيها ومن بينهم الأساتذة سمير سيف، وخيري بشارة، وشريف عرفة.
وجّه مروان حامد التحية والشكر للنجم الكبير عادل إمام قائلاً: "أوقات عملي معه هي أجمل وأسعد لحظات عملي كمخرج، ولا يمكن أن أنسى الدعم الكبير الذي منحه لي أثناء عملي معه في فيلم عمارة يعقوبيان وكذلك النجم الكبير نور الشريف".
كما توجه بالشكر لكل النجوم الذين شاركوه العمل في أول أفلامه، عمارة يعقوبيان، وعلى رأسهم الفنانة الكبيرة يسرا، والفنانة الكبيرة إسعاد يونس، وأحمد راتب وأحمد بدير وخالد الصاوي.
وصف مروان حامد الجائزة بأنها تكريم لكل شركاء مسيرته الفنية ووجه التحية لكل من الكاتب أحمد مراد ومصممة الأزياء الكبيرة ناهد نصر الله، ومصمم الديكور الكبير أنسي أبو سيف ومصمم الديكور فوزي العوامري، ومدير التصوير أحمد المرسي، والمونتير أحمد حافظ، ومصمم الديكور محمد عطية، والمؤلف الموسيقي هشام نزيه، وغيرهم. وفي نهاية كلمته وجه مروان حامد التحية لزملائه من المخرجين والمخرجات المصريين والعرب قائلا أن أعمالهم الفنية هي أكثر ما يشجعه على الاستمرار ومواصلة مسيرته الفنية.
وضمن المهرجان الجونة السينمائي، قدم مروان حامد محاضرة عن صناعة السينما يشارك من خلالها خبرته الواسعة كمخرج ومنتج ذو سجل فني حافل بالإنجازات وخلاصة خبرته الممتدة لأكثر من 20 سنة صنع خلالها عدد من أهم وأنجح الأعمال الفنية في مصر والعالم العربي.
وأقيمت المحاضرة ضمن فعاليات جسر الجونة السينمائي، أحد أقسام منصة الجونة السينمائية. وفي السطور التالية أهم النقاط التي تحدث بها خلال المحاضرة.
تجربة معهد السينما كانت تجربة ثرية جداً لي، حيث تعاملت مع أكبر أساتذو للسينما، لكن هذا لا يعني أن الدراسة هي شرط حاسم لكي تكون صانع أفلام، مثلاً والدي وحيد حامد لم يدرس كتابة السيناريو، هو كان ينتمي لجيل تدور حياته في فلك السينما، لكن يجب تعويض هذا بالاطلاع والمشاهدة المستمرين على كل الأنواع السينمائية لأنه صناعة الأفلام وطرق السرد تتطور، وعلى صانع الأفلام أن يحافظ على فضوله ورغبته في التجربة. خلال التحضير لفيلم تراب الماس شعرت بحاجة لدراسة نوع أفلام الإثارة، فرجعت لمقالات ولقاءات للمخرج الكبير ألفريد هيتشكوك، وشاهدت أفلامه هو وأورسون ويلز لتنشيط ذاكرتي، وهكذا أحاول العودة لاسترجاع ما درسته وأنا طالب، ودائماً ما تفيدني العودة للقواعد الأساسية.
دائماً تكون لديّ شكوك حول صحة اختياري لموضوع الفيلم، لكن ما يحسم الأمر هو أن يكون هذا الفيلم مسيطراً على تفكيري كهاجس قوي ومسيطر وأن يكون قادراً على إحياء شغفي به لسنتين أو أكثر، هي متوسط مدة صناعة الفيلم، كمثال، فيلم إبراهيم الأبيض استغرقت صناعته 8 سنوات كنت خلالها مهووساً بعالمه، وهكذا أكدت لي هذه الفترة الطويلة صحة اختياري له. لا أحد يعرف الناتج النهائي لصناعة الفيلم، ورغم أن هذا يصنع مخاوفاً لكنه أيضاً يفتح مساحات للتجربة.
يستهويني أن يدفعني الفيلم لاستكشاف عوالم وشخصيات لا أعرفها، والدي مثلاُ كانت له تجربة ثرية جداً خلال نشأته في الريف ثم هجرته للمدينة كشاب ثم فترة تجنيده خلال حرب 1967، ولا أمتلك نفس تجربته المتنوعة، وأعوض هذا النقص بالفضول لاستكشاف العوالم التي لا أعرفها، فتتكون لدي أسئلة حوله تقودني إلى الأسئلة الأهم في صناعة الفيلم، مثل لماذا نصنع هذا المشهد؟ لماذا نوحي بهذا الإحساس؟ ولماذا نصنع هذا الفيلم؟
عندما أتى لي المؤلف عباس أبو الحسن بسيناريو إبراهيم الأبيض سألته باندهاش إذا ما كان هذا العالم حقيقياً، وكان رده العملي هو منحي ملفاً يحتفظ به بقصاصات من أوراق الجرائد لصفحات الحوادث، منحني هذا فرصة للتعرف على شخصيات هذا العالم، ثم أجرينا بحثاً ومقابلات لأشخاص من هذا العالم ومعاينات لأماكن مقترحة للتصوير، وهو شيء أحب فعله لأنه يمنحني فرصة لزيارة هذه عالم الفيلم الحقيقي، ثم مع الوقت يساهم فريق العمل في مساعدتنا لفهم آليات تفاعل هذا العالم.
حاولنا في فيلم "عمارة يعقوبيان" أن نصور في العمارة الحقيقية التي شهدت أحداثه، لكن لم نتمكن من هذا لأسباب إنتاجية، ثم لفت نظري مهندس الديكور فوزي العوامري إلى بناية أخرى ستكون مناسبة أكثر من العمارة الحقيقية. هنا أدركت دور الحرية والخيال في بناء واقع سينمائي، في عملنا لا يكون كل شيء مثالياً، وعلينا إيجاد حلول، وقد يكون هذا الحل أفضل في خلق واقع الفيلم، ولهذا يجب أن دائماً ترك مساحة لهذا الحل الأفضل.
"المشبوه" والغول" للمخرج الكبير سمير سيف، أفلام فترة الثمانينات والتسعينات أجدها مدهشة، كذلك فيلم "البداية" للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، بكل ما به من جرأة وخيال، وقدرته على تجديد وتغيير أسلوبه، وتعلمت منه كيف يمكنني التغير والتطور وتجديد شغفي.
أحاول دائماً أن يكون الأكشن نابعاً من واقعنا، مثل مشاهد معارك السكاكين في "إبراهيم الأبيض"، الشرط الأول أن يتم تنفيذ المشهد بطريقة آمنة لجميع المشاركين فيه، وأن يكون مدهشاً، وهذا ما توفره الواقعية، وأخيراً أن يكون صادماً، ففي هذا الفيلم كانت مشاهد الأكشن بالغة العنف لأن الفيلم يحكي عن قسوة الحياة في هذا العالم.
أحاول أن أستخدمها ضمن عناصر واقعية، ولهذا أحاول دائماً الاعتماد على لقطات حقيقية ما لم يكن تنفيذها مستحيلاً. كمثال، استخدمنا الخدع بشكل محدود جداً في سلسلة أفلام "الفيل الأزرق".
علاقة المنتج والمخرج يجب أن تكون وثيقة، فالمنتج هو الشخص الذي يتبنى حلمك في هذا الفيلم، ويحضرني هنا مثال المخرج يسري نصر الله والمنتج جابي خوري لصناعة فيلم ضخم وصهب جداً مثل "باب الشمس"، وكذلك شاهدت نماذج أخرى لهذه العلاقة في أفلام الثمانينات والتسعينات عندما كان ممثلون وكتاب يمارسون دور المنتج وهو ما يعطي حيوية للصناعة، ومن هذا الفهم فهمت أيضاً أنه على المخرج تعلم التنازل عن طلباته أحياناً من خلال فهمه لاقتصاديات الفيلم، فنجاح الفيلم يعني فتح مجال لصناعة أفلام أخرى، وبالتالي المزيد من الفرص لي ولزملائي.
الممثل هو الوسيط الأول بيننا وبين الجمهور، للاقتناع بالفيلم، أياً كانت جودته، عليك أن تصدق الممثل أولاً، أتذكر حالة دكتور يحيى راشد في "الفيل الأزرق"، كان علينا أن نعاين "عنبر 8 غرب" الحقيقي في مستشفى الأمراض النفسية بالعباسية، ثم وفرنا له لقاءات مع أطباء نفسيين ليعرف طريقة تعاملهم، كنا حريصين أن يعايش الشخصية، وفي المقابل منحنا كريم عبد العزيز أداءً صدقه الجمهور، مثلاً في مشهد كان يحكي كيف ارتكب حادث سيارة أودى بحياة أسرته، هو هنا السبب في موتهم، لكننا بحاجة لأن يتسامح الجمهور مع يحيى، كان من المفترض أن نرى فلاش باك للحادثة في نهاية المشهد ولكن أداء كريم الحساس جعلنا نستغني عن مشهد الحادثة لأن أوصل الإحساس المطلوب. يسرا كان دورها في يعقوبيان 5 مشاهد فقط، لكنها اجتهدت في التحضيرات والمعايشات لكي نصدقها، وهند صبري التي عملت معها في 4 أفلام وتدربت على طريقة مشي شخصيتها في "كيرة والجن"، ومنة شلبي التي كانت تجربتها شديدة الحساسية والقسوة خلال تصوير مشهد الاغتصاب العنيف في "تراب الماس" الذي أثر فيها نفسياً، وكذلك أحمد السقا وأحمد عز. لقد عملت مع أجيال مختلفة ومتنوعة من الممثلين، كلهم وضعوا قلوبهم حرفياً أمام الكاميرا لكي نصدقهم.
أسعى في اختيار الممثلين دائماً لإثارة الدهشة، ويجب أن يتضمن فريق التمثيل عنصر المفاجأة دائماً، مثل الفنان عزت العلايلي في دور محفوظ برجاس في "تراب الماس"، وهي الشخصية التي تمسك بخيوط الفيلم كله، ومنحنا من خلالها أدائاً غير متوقع أضفى ثقلاً للفيلم كله. أيضاً مساعدين الإخراج لهم دور كبير في اكتشاف المواهب، مثلاً صفي الدين محمود كمخرج منفذ ومساعد ساعدني كثيراً في ""إبراهيم الأبيض" و"عمارة يعقوبيان".
دائماً لدي هاجس إذا كان ما صورته سيصلح كفيلم بعد تركيبه في المونتاج، خلال الكتابة والتصوير تكون كلنا لدينا تصورات عديدة للفيلم، لكن المونتاج هو ما يضع كل هذا سوياً لأول مرة، ثم اختيار اللقطات الأفضل، والنظر إلى الخيارات الأخرى، وهو ما يتيح لك الذهاب أبعد وأبعد، ولهذا يتزايد اهتمامي بالمونتاج وأجده أمتع المراحل.