عندما يتقابل أسامة أنور عكاشة أحد أعمدة الدراما المصرية، والذي أمضى حياته مهمومًا بفئة العمال والبسطاء، والذي اتسمت بها أغلب أعماله عن الحارة المصرية بجميع تفاصيلها مع المخرج خالد يوسف، والذي يتفق معه بالفكر الناصري وحلم الوحدة العربية في فيلم واحد، فبالتأكيد سوف يكون عملًا مميزًا، ولكن السؤال هو هل تحققت هذه الموازنة أم لا؟ ورواية الإسكندراني تم إصدارها في نهاية التسعينيات، وعندما يعاد طرحها فبالتأكيد سوف يتم تناولها برؤية معاصرة وسوف يتم إضافة بعض التوابل لها. تتلخص رواية الإسكندراني في الهوية المصرية، وهي التيمة المعروفة في أعمال أسامة أنور عكاشة، وعلى رأسها مسلسل المصراوية، وتحديدًا في مدينة الإسكندرية، والتي تعتبر من أهم وأعرق المدن المصرية، حتى أصبحت تشكل عاصمة جديدة بتأشيرة دخول مميزة، والشخصية السكندرية، والتي أصبحت تشكل جانبًا عاطفيًا والكثير من النوستالجيا لأغلب المصريين خاصة جيل فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، والمتمثلة في شخصية حسين فهمي اليوناني المقيم في الإسكندرية معظم حياته، والذي يرفض لقب الخواجه، والذي يعبر عن الإسكندرية المليئة باليونانيين والأرمن، وشخصية الإسكندراني في الفيلم هي شخصية الأب بيومي فؤاد صاحب القيم الأصيلة القديمة والمتمسك بجميع العادات الموروثة، والذي يجامل جيرانه في أفراحهم بالرقص بالسكاكين والذي يتقي الله في جميع تصرفاته، بداية من تنفيذ وصية جاره المتوفى وتزويج زينة لابن شقيقه مرورًا بتربية ابنة صديقه اليوناني حسين فهمي وصيانة عرضها، وفي نفس الوقت يتمتع بوقته مع أصدقائه علي أنغام سيد درويش كل ليلة في المقهى، وعلى الجانب الآخر نرى بطل العمل أحمد العوضي وهو النموذج النقيض لوالده، والذي يسافر إلى الخارج غاضبًا منه بسبب توتر علاقتهما وتمييز الأب بينه وبين ابن عمه حتى أهانه أمام جيرانه، وقام بضربه وطرده ليلجأ الابن للسفر للخارج ويعود شخصية ممسوخة على عكس والده في كل شيء، مستبيحًا لنفسه كل أنواع الشر بداية من تدمير معالم الإسكندرية الأصيلة وتحوليها لمعارض سيارات ومستخلصات جمارك مرورًا بتجارة المخدرات وممارسة اللهو حتى هتك عرض ابنة حسين فهمي. لو تحدثنا عن النصف الأول من الفيلم فقد جاء ممتعًا لنستنشق رائحة أسامة أنور عكاشة في شوارع ومعالم الإسكندرية، والذي اعتاد عليها في أعماله مثل زيزينيا والنوة، والذي أبدع في تقديمها وأبرزها في أجمل صورة مدير التصوير سامح سليم مع أنغام سكندرية مثل (مدد يا مرسي)، مما يجعلك تغوص بشكل أكبر في أعماق الإسكندرية بالإضافة إلى جودة مشاهد الأكشن وألعاب القتال والمزج بين حياة العوضي في الخارج وفي الإسكندرية، ولكن الأمر بدأ يأخذ سياقًا آخر في النصف الثاني من الفيلم، حيث بدأ العنصر التجاري يسيطر بشكل كبير بزيادة مشاهد الأكشن مع تهميش العنصر النسائي، وخاصة في الربع الأخير، والذي تشابه بشكل كبير مع فيلم خالد يوسف الشهير دكان شحاتة، حيث يشتد الصراع بين العوضي و ابن عمه خاصة في تنافسهما على حب فتاة واحدة وهي زينة والتي شهدت بعض الفتور، وجاءت مذبذبة وغير واضحة مع زيادة طغيان الشر على الخير وبالنسبة للأداء التمثيلي فالمخرج خالد يوسف هو أكثر مخرج يستطيع إظهار أفضل ما في الفنان ويضعه في مكانه الصحيح وكان ذلك واضحًا في أغلب أعماله السابقة. وعلى رأس أبطال الفيلم النجم أحمد العوضي، والذي يحتاج إلى مساحة كبيرة للحديث عنه، فقد أدى واحدًا من أجمل أدواره ووضع يده على أولى خطواته السينمائية، فلم يترك مشهدًا واحدًا إلا واجتهد فيه بكل إمكانياته، وكذلك بيومي فؤاد، والذي لا تظهر قدراته إلا في الأدوار الثقيلة، وبالنسبة لزينة فقد أجادت بعض المشاهد وأخفقت بمشاهد أخرى، وأما النهاية فلم تكن باهرة، بينما بها بذرة أمل مع بداية تغير أحمد العوضي ورجوعه إلى صوابه.