عالجت السينما والدراما كثيرًا فكرة تحدي القدر وعدم الرضا بالمقسوم، وكان أشهر هذه الأعمال رائعة الكاتب محمود أبو زيد في فيلمه "جري الوحوش"، والذي لخص فلسفة الحياة في بعض الجمل والحوارات بأن كل إنسان يمتلك نصيبه في الحياة بمقدار 24 قيراط سواء كان في المال أو البنون أو الزوجة الصالحة، وانتهى العمل بمأساة لجميع الأطراف، وفي هذا الإطار تقترب الفكرة في "جري الوحوش" من أحداث مسلسل "صلة رحم"، والذي كان أحد الأعمال المميزة في شهر رمضان برؤية مختلفة وجديدة، وهي الصراع الدائم بين العلم والدين؛ فالعمل يناقش قضية هامة وجديدة وهي تأجير الرحم، وهي إحدى المستحدثات الطبية التي طرأت على حياتنا على غرار التلقيح الصناعي والحقن المجهري وتجميد البويضات وتجارة الأعضاء، فعملية تأجير الرحم تتم بواسطة زرع البويضة الملقحة في رحم امرأة أخرى قادرة على الإنجاب، ليبقى السؤال: من هي الأم الحقيقية؟، وهو السؤال الذي جاوبه الشيخ أحمد الجندي في ظهور خاص في المسلسل مؤكدًا أن إجراء هذه العملية حرام شرعًا من كل الجوانب.
مع مرور بعض الحلقات نجد أن المسلسل تطرق إلى معاني كثيرة من خلال مفهوم الحلال والحرام، والخطأ والصواب من عدة وجهات نظر، فكل إنسان يرتكب خطأ ما سواء كان غير قانونيًا أو حرام شرعًا يكون لديه مبرره الخاص؛ فيضع المشاهد دائما في مكانة بطل العمل إياد نصار، والذي قدم شخصية على قناعة تامة بأنها على صواب، بجانب لوم النفس على ما حدث لزوجته وفقدانها لحملها لتأخره في إسعافها لانشغاله مع امرأة أخرى، فأصبح بمرور الوقت غافلًا عن كل أفعاله الخاطئة، وداهسًا لكل من أمامه في سبيل تحقيق حلم زوجته.
يُجسد الفنان محمد جمعة شخصية الطبيب الذي يستغل عيادته الخاصة في إجراء عمليات إجهاض غير قانونية مبررًا لنفسه قيامه بعمل إنساني من أجل الحفاظ على حياة هؤلاء الفتيات وإنقاذهم من مصير مجهول على يد أسرهن، وفي نفس الوقت يحتفظ بمبدأ رفض إجراء الجراحة مرتين لنفس المرأة، وتُسانده شخصية الممرضة والتي تُجسدها هبة عبدالغني، وتساعده في إجراء العمليات نظرًا لشدة احتياجها للمال، فتعيش الأخيرة حياة مزدوجة ما بين عملها وبين زوجها الشيخ، والذي يسير طيلة الوقت على الصراط المستقيم.
على الرغم من جميع المعاني والإيجابيات التي تمتع بها المسلسل و بالرغم من أن فكرته جديدة ومثيرة للجدل، إلا أن المخرج تامر نادي تجاهل بعض الأمور، ففكرة العمل مبنية بشكل أساسي على المشاعر والأحاسيس بين السيدتين سواء الأم صاحبة البويضة أو الحاملة للطفل، ولكن ركز العمل بشكل أكبر على الانتصار للجانب البوليسي والتشويقي بين جميع الأطراف؛ سواء بين طليق الفنانة أسماء أبو اليزيد ومطاردته لها وهروبها منه، أو سعي شقيق يسرا اللوزي للانتقام من زوجها، واكتفى المخرج بالحلقات الأخيرة لإنشاء صداقة بين يسرا اللوزي وأسماء أبو اليزيد.
نهاية العمل كانت من المتوقع أن تكون صادمة وقاتمة، وجسدها إياد نصار بشكل يُبرز كامل إمكانياته ليجعلك تتعاطف معه، فلمم يحاول إنقاذ حياته من أجل إسعاد زوجته، ولكن إرادة الله لابد وأن تنتصر، ويبقى مشهد النهاية ونظرة الفتاتين للطفل تجعل القضية مطروحة ومتروكة لخيال المشاهد، بينما تميل بنظرة تمتلئ بالعطف والحنان أسماء أبو اليزيد، وأن الأم الحقيقية هي من تحمل الطفل.