فيلم "بين الرمال".. نكسة عابرة تخلق حكاية

  • مقال
  • 09:11 مساءً - 5 اغسطس 2024
  • 1 صورة



لدى المخرج السعودي الشاب محمد العطاوي جدارة كبيرة على إحكام الفيلم السينمائي، فهو ينطلق في عمله من حكاية واحدة ذات حدث واحد ويؤسس على ذلك كل تفاصيل فيلمه، بعكس بعض المخرجين المستحدثين الذين تتداخل لديهم الاستطرادات للفكرة الواحدة، فيضل المشاهد الطريق في تشعبات كل مسار على حدة، فيفقد البوصلة المؤدية إلى نهاية واحدة مقنعة، بينما يثبت العطاوي على راحلته يمشي الهوينا نحو تلك النهاية بكثير من الإقناع والغوص العميق بين الكثبان الرملية، وهذا ما ألزمه أن يبني خيمة متماسكة.

في فيلم “بين الرمال” الذي انطلقت أعمال تصويره عام 2022، وفي العام نفسه تم عرضه في إطار فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حيث مُنح جائزة لجنة التحكيم الخاصة، ومهرجان أفلام السعودية 10، يروي قصة شاب يبلغ من العمر 23 عامًا، ينوي أثناء تواجده في قافلة تسير في الصحراء متجهة نحو قريته أن “ينكس” ويواصل مسيره فيما القافلة تروم أن تحط من رحالها للاستراحة من طول الطريق، كان الشاب “سنام” يرغب في المسير حيث كانت زوجته تُوشك على الولادة بأول طفل لهما، فيقرر مواصلة الرحلة بمفرده، لعلمه بدرب أسهل يختصر عليه المسافة، ليصل قبل أن تلد زوجته، لكنه وهو يسير يتفاجأ بأن ثمة لصوص يتابعونه، فيسرقون طعامه وماله وراحلته ويطرحونه أرضًا، فتمسك بالنجاة متلمسًا طريقه تجاه القرية. يرصد العطاوي - وهو المخرج والمؤلف - من خلال مسيرة “سنام” (رائد الشمري) تفاصيل حياة البدو في الصحراء بشدتها وقساوتها، وجفافها ومخاطرها، فيرسم لنا صورة سوداوية لرجل الصحراء المتعطش للبقاء، فما يكون أمام قاطع الطريق إلا السلب والنهب ليبقى على قيد الحياة رغم ادعائه فضيلة الصوم، غير أنه لا يخلط بين أن يعيش حياة التوحش الصحراوي، وبين معتقداته الدينية؛ الصوم والطهارة والصلاة. ويؤكد الفيلم تلك الرؤية الموغلة في السلبية لحياة بعض أفراد أهل الصحراء، وأن هذا العالم يبدو عالمًا قاتمًا مليء بالصراعات وليست فيه فرجة ضوء تعطي المشاهد أملًا ولو ضئيلًا في تغيير الحال والانتقال إلى حياة أفضل. واكتشف سنام المسالم أثناء سيره أن ذئبًا مهيبًا هذه المرة كان يتبعه فيتملكه خوف ورعب، وحين يواجهه مواجهة حياة أو موت تنصب على الذئب تجاه سنام سكينة وهدوء، وتنمو بينهما علاقة صداقة وانسجام على نحو تستنكره حياة أهل الصحراء، فيثبت أن في البشر تناقضات وصراعات وتباين بين الخير والشر، وكذلك الحيوانات تتخلق بالمشاعر النبيلة والوفاء والخضوع، ومنها كذلك ما هو مفترس وفتاك. حين كان يسير سنام للعودة شاهد أحد قطاع الطرق الذين سرقوه، كان غافلًا، فأراد أن ينتقم فهجم عليه وضربه على رأسه بحجر وفر المجرم هاربًا، واسترجع راحلته وما كان عليها، فشعر ببصيص أمل بين تلك الرمال القاحلة. تصل القافلة دون سنام، فيخرجون للبحث عنه، وفي منتصف الطريق يرون سنام قادماً من بعيد وخلفه ذئب، فيظنون أن الذئب يريد قتله، فيصوبون السلاح على الذئب فيقتلونه. يحزن سنام على فراق صديقه (مخاويه) الذئب، ففي الصحراء كما يقول سنام تحتاج إلى رفيق (مخاوي). فيعودون جميعاً إلى البلدة، فيجد سنام زوجته (أضواء علي) قد وضعت وصحتها طيبة وتنتهي الحكاية. قد يشد الفيلم المشاهد بتدفق حدثه الوحيد المتتالي غير أنه لن يجد ما يدفعه إلى الاستمتاع مع البيئة الصحراوية التي كان من الممكن الاشتغال على هذا الجانب أكثر وإثراء مناظر الصحراء الساحرة وتعرجات الرمال فيها من عدة زوايا، ناهيك عن انكشاف السماء مساء حين تتلألأ نجومها والقمر، ويجعله يعيش تجربة إنسانية عميقة ومفتوحة، خصوصًا وأن التصوير كان في مدينة نيوم. قصص الصحراء يطلق عليها أيضًا قصص المكان المفتوح، عمومًا، وهي قصص حدث أو أزمة تنسحب على ساكنيها ومصائرهم، وترصد ردود فعلهم وبيئتهم الواسعة التي ليس لها نهاية، وهذا ما غاب عن فيلم “بين الرمال” فضاعت اللانهائية حين تم إغلاقها سريعًا. تلك الملاحظات لا تغض من قيمة الفيلم فهو فيلم يتسنم الإبداع ويرقى إليه في كثير من جوانبه، ويشكل إضافة جديدة إلى الأفلام السينمائية السعودية.

وصلات



تعليقات