المعروف بمصطلح “كتالوج” هو مجموعة من الصور، إمّا لتدوين الذكريات أو للتعرّف على أشياء جديدة من أجل الاختبار لشيء معيّن. ولكن السؤال: ماذا لو كان الكتالوج هو “روشتة” أو دليلًا معينًا من أجل استمرار الحياة أو الاستمتاع بها لمواجهة أي صعاب أو عوائق؟ لقد نجح مسلسل كتالوج في لمس قلوب المشاهدين منذ الحلقات الأولى، علمًا بأن العمل يعتبر بسيطًا في مجمله، ولا تتعدى حلقاته ثماني حلقات. ويرجع هذا إلى تعطّش الجمهور الشديد وافتقاده إلى اللمسات الإنسانية والوفاء والتضحيات، بعيدًا عن زخم الأعمال التي تشهد كمًّا من العنف والبلطجة والأكشن. تبدأ أحداث العمل حول محمد فراج، الذي يفقد زوجته في الحلقة الأولى (تجسّدها ريهام عبدالغفور) وكان يعشقها بشدة، تاركة له ولدًا وبنتًا لا يعرف عنهما شيئًا بسبب انشغاله الدائم بأعماله الكثيرة لتأمين مستوى معيشي أفضل. ومن هنا تبدأ أول رسالة في العمل: أن الأب لا بد أن يتواجد في جميع تفاصيل حياة أولاده. وهو ما حدث حين تواجد فراج مع ابنه في إحدى المباريات لأول مرة، حيث يتقابل مع عمرو يوسف، وهو أحد الآباء الذين يرافقون أبناءهم دون زوجة، مع أنه ليس أرملًا ولا مطلقًا. ليقنعه بأن الأب لا بد أن يتواجد في حياة أبنائه تحت أي ظرف. ومن هنا يبدأ التحوّل الجذري في حياة فراج، لننتقل إلى المرحلة الثانية من العمل: الصراع الأزلي بين الأجيال في أسلوب التربية بين الحديث والقديم، والذي يساعده فيه كتالوج يعثر عليه شخصية فراج لزوجته الراحلة، تشرح فيه جميع تفاصيل حياة أولادها وكيفية التعامل معهم في مواقف مختلفة. وهنا نشهد عدة مفارقات كوميدية تجمع بين البسمة والحزن.
كما يشهد العمل نموذجًا آخر للتضحية والوفاء متمثلًا في شخصية الفنان خالد كمال، الذي غيّر جلده تمامًا عن أدوار الشر، ليقدّم دور شقيق محمد فراج الذي قرر أن يضحي بمستقبله وحياته ويستغني عن حلمه بأن يصبح لاعب كرة محترفًا في الخارج من أجل تربية شقيقه تارة، وأبناء شقيقه تارة أخرى، بالإضافة إلى تحمله عبء مرضه وإصابته بالسرطان. كذلك شخصية الفنانة سماح أنور التي لعبت دور “الشغالة أم هاشم”، واستطاعت تحويل حلم الأمومة الذي لم تستطع تحقيقه إلى واقع، بأن تكون مربية أطفال في عدة أسر، وقد أدّت الدور بقناعة شديدة وكثير من الرضا، معتبرة أن “أربعًا وعشرين قيراطًا” في حياتها لا تتضمن الأمومة.
ولم يخلُ العمل من الجوانب النفسية، من خلال شخصية بيومي فؤاد الذي يعاني من مرض “الأجروفوبيا” (الخوف من الخروج من المنزل)، وهو مرض يصيب الكثيرين نتيجة صدمة شديدة أو نوع من الاكتئاب. وقد أمضى جميع الحلقات يتحدث إلى جيرانه من وراء باب منزله، وكان لا بد أن يتوقف صناع العمل عند حالته، فخرج من منزله لحضور حفل خطوبة وسط بعض الاحتياطات حتى لا يصاب بالهلع، في مشهد احتفالي جميل مزج فيه المخرج بين الماضي والحاضر عن طريق “الفلاش باك”، ليؤكد أن الحياة لا بد أن تستمر تحت أي ظروف. إضافة إلى مشهد آخر التقى فيه فراج في المستشفى بإحدى المريضات التي تعافت بعد أن كانت زميلة زوجته في المستشفى، واختار المخرج اسم “أمل” ليكون بريقًا لمرضى السرطان.
مع كل هذه المعاني الإنسانية، جاء العمل بسيناريو محكم مكتوب بحرفية عالية، ليعتبر واحدًا من أفضل أعمال السيناريست أيمن وتار، ومع المخرج وليد الحلفاوي الذي لعب خارج ملعبه هذه المرة ليقدّم عملًا يحترم عقل المشاهد، يجمع فيه بين مشهد حزين يمس القلوب، وآخر مبهج يترك الأمل.
وعن أداء النجوم، فقد جاء محمد فراج في المقدمة، حيث كان دوره مليئًا بالمشاعر والأحاسيس التي عبّر عنها بكل إمكانياته. تليه ريهام عبد الغفور، التي أثبتت حضورًا متميزًا رغم قلة مشاهدها. أمّا المفاجأة فكانت خالد كمال، إذ قدّم إمكانيات جديدة بعكس أدواره السابقة. كذلك سماح أنور، التي أعادتنا بخفة ظلها وتلقائية أدائها إلى شخصية “زيبة” في مسلسل سنبل بعد المليون.