أكثر الأفلام المصرية اكتمالا

ربما كل من أسعده الحظ وشاهد تلك التحفة السينمائية قد شعر بهذا.. ذلك الانغماس الكلى فى ذلك العالم الخاص جدا والافتتان بشخوصه ومفرداته..تلك النكهة المصرية التى لا يمكن أن تخطئها عين أو اذن..ذلك الافتتان الباقى أبدا بشخصية الشيخ (حسنى) والتى تبقى فى ذهنك كثيرا جدا بعد انتهاء الفيلم..تلك المتعة البصرية والذهنية والعقلية الخالصة التى تستحوذ عليك تماما طوال مشاهدة الفيلم وربما تدفعك لتعيد النظر فى أمور كثيرة ظننت إنها من ثوابت الحياة..

ولكن السؤال: ما الذى جعل (الكيت كات) يحمل كل هذه الخصوصية والجمال؟ سأحاول الاجابة فى السطور التالية:

1- الحكاية البسيطة الشعبيةالتى صاغها بعبقرية (داوود عبد السيد) استنادا على رواية للمبدع المهضوم حقه (إبراهيم أصلان)..حكاية بسيطة ولكنها ككل أفلام (داوود) تحمل نكهة فلسفية عميقة..فهو يتحدث عن العجز..الحلم..الحياة والموت..إرادة التغيير..إرادة الحياة..يتحدث أساسا (فى وجهة نظرى) عن المسافة الشاسعة بين طموح الانسان اللامحدود وقدراته الأرضية المحدودة..كل هذا فى اطار حكاية بسيطة يمكن لأى أحد أن يفهمها..

2- شخصية الشيخ (حسنى)..ذلك الرجل الحالم الذى فقد نعمة البصر منذ طفولته..والذى يحمل فى داخله خليط عجيب من الفيلسوف والفنان المتشبث بالحياة..مازال غير قادر على الاعتراف بما فقده.يخفى فى داخله أطنان من الحزن ولكنه يأبى الاعتراف بهذا...يحاول الهروب من واقعه المظلم بالعزف على العود الذى ورثه عن أبيه..يريد أن يتحرر من جسده العاجز وينطلق بعيدا .. (نفسى أطير .. أطير)..ذلك المزيج الساحر والذى أداة بعبقرية لن تتكرر (محمود عبد العزيز) فى أروع أدواره على الاطلاق والذى ربما يكون هو أحد الأسباب الرئيسية فى جعل هذا الفيلم لا يقاوم..

3- بالطبع لا نغفل قدرات (داوود عبد السيد) الاخراجية..اختياره للكادرات وحركة الكاميرا المتمهلة تارة (لتسمح لنا بالتأمل) مثل مشهد موت عم (مجاهد), والسريعة تارة لتسمح لنا بالشعور بالانتصار, مثل المشهد الأشهر للشيخ (حسنى) على الموتوسيكل. نجح (داوود) فى اظهار الجوانب المتناقضة للشيخ (حسنى) المتواثبة بين أقصى الحزن وأقصى العبث دون فذلكة اخراجية زائدة أو استعراض عضلات. اختياره أيضا للممثلين كان موفقا..أعجبنى جدا (نجاح الوجى) فى دور (هرم), وبالطبع (شريف منير) فى دور (يوسف) ابن الشيخ (حسنى)..

4- لا نغفل قطعة الموسيقى التصويرية العبقرية لـ(راجح داوود)والتى بدونها أعتقد كان الفيلم سيخسر الكثير..تحمل الموسيقى فى طياتها روح الفيلم نفسه..فهى موسيقى مصرية خالصة..حزينة بعض الشىء..ولكنها ليست كئيبة..كأنها تقول: نعم الواقع مظلم ولكن الأمل موجود دائما..فى مشهد الموتوسيكل بدأت الموسيقى مرحة نوعا لترافق المشهد الكوميدى للشيخ الضرير وهو يقود الموتوسيكل بسرعة وسط الحارة المزدحمة..ثم لم تلبث الموسيقى أن سلكت مسلكا مختلفا أقرب للتأمل وكأن ليس المطلوب فقط أن نضحك مع الشيخ (حسنى), ولكن أن نشعر شعوره..فهو قد حقق حلمه بالطيران على الرغم من كل شىء..

باختصار لم يتوفر لفيلم مصرى (قديما أو حديثا) كل هذه العوامل الناجحة والتى تجعله أقرب للاكتمال.. حتى أفلام (داوود) اللاحقة لم تقترب من المستوى الشامخ لهذا الفيلم..

هذا الفيلم لم يصنع لتشاهده مرة واحدة..بالعكس..كلما تقدم بك العمر سترى فيه أفاقا جديدة لم ترها من قبل..

درجن..درجن..درجن..درجن..

نقد آخر لفيلم الكيت كات

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
أكثر الأفلام المصرية اكتمالا فادى جمال فادى جمال 16/16 30 سبتمبر 2009
كلام عن الكيت كات Emad Maher Emad Maher 3/3 12 اكتوبر 2017