صناعة ملحمة شعبية على شاشة السينما ليست بالأمر الهين ، فيجب عليك توظيف كل شىء متاح لديك و تضعه فى اطار ملحمى : الممثلين ، الموسيقى ، التصوير و زواياه ، المونتاج و القصة نفسها يجب أن تتمتع بقالب شعبى مثير و أن يكون البطل هو محل اهتمام الجميع و أن يكسب تعاطف الناس ... بهذه الطريقة ستضرب - كما يقولون - عصفورين بحجر واحد بمعنى أن هذا الأسلوب - أى الملحمة الشعبية - هو أسلوب تجارى سيضمن لك تجاوب الجمهور معك و فى نفس الوقت سيتيح لك كمخرج التلاعب بأدواتك لتحقيق مستوى و أسلوب فنى متميز ..... هل لهذا علاقة بالفيلم ؟؟؟
أتذكر الآن فيلم " الهروب " لعاطف الطيب كأفضل مثال سينمائى على الملحمة الشعبية فيمكن أن نطلق عليه أفضل ملحمة شعبية فى تاريخ السينما المصرية ، فالأزمة التى وجد البطل نفسه فيها لم تكن بارادته و لكنه كان سببا فيها و نتج عنها جرائم ارتكبها ليصل الى غايته و الغريب أنها كلها جرائم تحدث بمحض الصدفة لكنه أيضا سببا فيها و مع ذلك تعاطفنا معه حتى النهاية الى أن سقط قتيلا .... كيف حقق " عاطف الطيب " هذه المعادلة السحرية فى صنع ملحمة سينمائية بأسلوب فنى فريد من نوعه و فى نفس الوقت فى قالب تجارى جذاب دون أن يهيمن جانب على الآخر ؟؟؟؟ ... هذا موضوع آخر
أعود الى " الجزيرة " و محاولة " شريف عرفة " لصنع ملحمة سينمائية بأسلوب تجارى فنى فى نفس الوقت ، نجد أزمة البطل أنه ولد فى عائلة تعيش على تجارة المخدرات و قد هيئه والده ليكون الكبير منذ أن كان صغيرا رغم اعتراض الكل ، ثم يتوالى بعد ذلك صراع كبير بين عائلتين كبيرتين لينتهى هذا الصراع بانتصار " منصور .. الكبير " ، ثم تأتى الحكومة لتخلق هى الأخرى خطا دراميا جذابا يتيح للمخرج اكتساب عدد أكبر من الجمهور .... حتى الآن فالأمور تسير على ما يرام ....... لكن هل اكتسب " منصور " تعاطف الجمهور أم لا ؟؟ بالنسبة لى لم أتعاطف معه اطلاقا و هذه ليست بمشكلة أن تتعاطف أم لا ، فهذا راجع الى وجهة نظرك أنت ، لكن المشكلة فى النهاية التى اختارها المخرج لفيلمه ، كيف يعقل بعد كل ما فعله " منصور " أن تكون هذه نهايته ، هل لكسب المزيد من الجمهور ؟؟ رغم أن النهاية الحقيقية للشخصية الحقيقية المقتبس منها الفيلم لم تكن كذلك ... ستقول لى أنها رؤية المخرج و هذا أكيد و يجب أن نحترمها بأى حال من الأحوال لكنها ليست الرؤية الصحيحة ، عندما مات " منتصر " فى آخر فيلم " الهروب " جعلنا نتعاطف معه أكثر لو كان قد عاش أو تركت النهاية مفتوحة - كما حدث فى الجزيرة - رغم أنه اذا عاش " منتصر " كانت ستكون نهاية مقبولة أيضا ، لكن عاطف الطيب اختار النهاية الأقرب للواقع و الأصدق فنيا فى حين أن شريف عرفة لم يفعل هذا و فضل الجانب التجارى على الجانب الفنى و ترك النهاية مفتوحة ....... كل ما سبق عبارة عن شوية رغى ، أعلم هذا لكنه العيب الأكبر فى هذا الفيلم - من وجهة نظرى - و الذى انتقص من قيمته بعض الشىء و الذى لولاه لكان هذا الفيلم أحد أروع الأفلام فى تاريخ السينما المصرية على الاطلاق
أعود الى تحليل الفيلم ... باختيار المخرج الصيغة الملحمية لفيلمه تجد أنه وظف كل عناصره لخدمة هذا الهدف ، بالطبع لم ينجح فى ذلك كليا ، لكن بالنظر الى المجمل تجد النتيجة مرضية تماما ، الموسيقى التصويرية كانت على درجة عالية من الكفاءة و قد نجحت فى تصوير كل المشاهد سمعيا فتجدها فى مشاهد الأكشن ذات طابع معين و فى مشاهد " منصور مع كريمة " تأخذ طابع آخر يتناسب مع الحالة الملحمية للفيلم ... التصوير أيضا جاء موفقا تماما فى نقل صورة رائعة للصعيد مع زوايا تصوير تتناسب مع جو المكان و تتناسب أيضا مع جو الحدث و قدرة المخرج و المصور على صنع لقطات ذات هيبة ما و تعطى طابعا ملحميا مؤثرا مثل لقطة خروج " محمود ياسين " من قصره عند رجوع " منصور " و اطلاقه النار لاسكات الناس المتجمهرة بالأسفل و أيضا مشهاهد الهجوم على قصر " منصور " فى نهاية الأحداث ، و هذا يدفعنى الى الحديث عن الديكور و براعة " فوزى العوامرى " على تنفيذ هذا القصر و اعطائه طابعا ملحميا مكن المخرج و المصور من صنع لقطات غاية فى الروعة ... أما بالنسبة للتمثيل فتجد " أحمد السقا " و قد نجح تماما فى تقمص شخصية منصور و هى شخصية صعبة ذات أبعاد كثيرة " نفسية و اجتماعية و الى ما غير ذلك " لكن المخرج نجح فى توجيه السقا و استطاع أن يخرج منه اداءا لم يكن متوقعا أبدا من ممثل متواضع مثل السقا فقد نجح فى اظهار كل الجوانب التى كانت تحيط به من خلال اداءه : صوته و تعبيره الحركى ، و ما أن وصل للمرحلة النهائية و الأصعب فى الفيلم عندما أصابه جنون العظمة تجد أداءه به قدر كبير من الحرفية ، لذلك يجب توجيه تحية كبيرة الى شريف عرفة على المجهود الذى بذله مع السقا ... لكنه يبدو أنه لم يبذل مجهود مع باقى الممثلين فخرجت كلا من " هند صبرى و زينة " بأداء ضعيف باهت لا يتناسب مع أداء البطل ، و رغم تميز " محمود ياسين " الا أن الشخصية قد قدم مثلها من قبل و بنفس الطريقة تقريبا ، فى حين جاء أداء " خالد الصاوى و باسم مسرة و نضال الشافعى " ممتازا
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
الجزيرة فيلما يعيد للسينما المصـرية واقارهـا ومكانتهـا المشهـود | Morad Mostafa | 9/12 | 6 مارس 2009 |
ملحمة شعبية تجارية بعض الشىء !!! | أحمد أبوالسعود | 4/4 | 29 ديسمبر 2009 |