حالة فريدة انتابتني عندما وجدت بالصدفة البحتة بين عيني فيلم " بنتين من مصر " هي حالة تجعلك تجلب منديلا لتمسح دموعك التي سكبتها علي واقعك المرير , لتجد نفسك قبل ان تجلب المنديل تشعر في دوار براسك نتيجة لتتابع الصدمات التي رايتها , لك ان تتخيل شاب في مقتبل العمر يحلم بمستقبل وردي ليجد بين طيات فيلم لم تزيد مدته عن ساعتين قصة تبشره بطريق نهايته مسدودة وبكم الوان يسيطر عليها اللون الاسود , " بنتين من مصر " هو واحدة من روائع السينما المصرية التي يجب ان تتوقف عندها لتسال نفسك لما هذا ؟ هو صدمة بكل ماتحمله المعني فرغم كوني رجل ورغم ان الفيلم كان يناقش العنوسة من وجهة نظر فتاتين الا انني وجدت نفسي ادمع , لا اتكلم عن المشهد الافتتاحي لانني اختلف مع وجهة النظر التي تقول ان المشهد الافتتاحي يجب ان يكون صادما , فالقصة هي بالدرجة الاولي التي تحدد طبيعة المشهد , ففيلم كفيلم " الكبار " بدا بلكمة وانهاه بصدمة حيث ان القصة لا تتناسب مع البداية . لا استطيع ان انكر ان " محمد امين " مخرج ومولف الفيلم يتأثر بواقعية صلاح ابوسيف , فمحمد امين كمولف وضعنا امام سيناريو شديد الاحترافية , شديد السلاسة الاحداث ليست بطيئة الي حد الملل , ولا سريعة الي حد "الكروته " , ولكن ابهاري بالفيلم لايجعلني اغفل ان السيناريو كان مفتعل بعض الشيء, حيث ان محمد امين تشعر وكانه " محفظ " الممثل الدور للدرجة التي لاتُشعرك باداء الممثل بالقدر الذي تشعر فيه بعذوبة الكلمات , السيناريو يعرض لقصة فتاتين في اوائل الثلاثيات من العمر تربطهم صلة قرابة , اعتقد ان العبقرية في المعايشة تكمن في انه نقل الصورة الحالية للعانس, فالعانس لم تعد كما كانت تصورها كاميرات السينما من فتاة امية قبيحة والتي ادتها الراحلة الجميلة زينات صدقي وكذلك نشوي مصطفي , الان المشكلة لاتخص فئة بعينها فالعنوسة شبح اقتنص في طريقه الجامعية والامية الجميلة والدميمة , السيناريو ايضا كان كثعبان ماكر يلدغ دون ان ترأه , فالرقابة المصرية رقابة عقيمة بسبب تحكم الحزب الوطني فيها في اوقات صولاته وجولاته لتحجيم الابداع رفضت ذكر اسم الحزب الوطني في السيناريو , استعاض عنها المولف بالحزب الحاكم ووافقت الرقابة عليه رغم ان الحزب الوطني هو نفسه الحزب الحاكم , تؤكد ميلودراما «محمد أمين» الحزينة أن الكوب فارغ، وأن المركب تغرق وأن التشاؤم هنا هو إدراك للواقع،وهو يصور من خلال لقطة تتكرر قاع سفينة توشك علي الغرق أن هذا هو المصير الحتمي لحالة الإنكار والتجميل التي يمارسها البعض للواقع الكريه , قد ينتقد البعض ان الفيلم كان ككل حالة سودواية والنهاية اكثر سوادا , عذرا لكل هولاء فالسينما ليست وسيلة لتجميل الواقع بقدر ماهي وسيلة لتعريته , لما نخجل من واقعنا , حتي متي نريد ان نذرف دموعنا وحيدين , عنوان الفيلم باللغة الإنجليزية Egyptian Maidens أو (عذراوتان من مصر) وهو العنوان الأقرب لموضوعه، فالبطلتان يشغلهما مصيرهما، هما عذراوتان ترفضان لأسباب دينية واجتماعية إقامة أي علاقات جنسية خارج نطاق الزواج رغم أن بعض زميلاتهما تفعلان ذلك بمبررات وتحت غطاء الزواج العرفي أو المسيار، وفي نفس الوقت شبح العنوسة يخيم علي حياتهما بعد فشلهما في الارتباط أكثر من مرة , الفيلم يضعك بين الاختيار بين الامًرين اما ان تمارسي الجنس تحت اي مسمي سواء مسيارا او زواجا عرفيا او ان تظلي عذراء ويظل سوالا عالقا في ذهنك ماهي الامومة وماهية الجنس ؟ السيناريو ملي بالمشاهد التي تتوقف عندها ,كان ابرزها من وجهة نظري مشهد غرق السفينة ومشهد انتشال الضحايا ومشهد المطار , مر المولف مرور الكرام علي عملاء امن الدولة وعلي صعوبات تمليك الشباب للاراضي والهجرة والبطالة وربطهم بشعرة رقيقة بالفتاتين , لم يحاول محمد امين ان يتجمل في النهاية ولم يحاول ان يجد حل , وهو هنا يعرض لعنوسة وطن من خلال عنوسة فتاتين وليس العكس , كما اراد المخرج بحس عالي ان يوصل لنا ان اساس الانحلال ليس ناشيء عن فساد الحكومة فحسب , بل وفساد المعارضة ايضا فرموز المعارضة في الفيلم هما الطبيبة التي هي تمارس الجنس خوفا من شبح العنوسة , والدكتور الذي هو عميل لامن الدولة , الفيلم بجملة واحدة " هو ان تجد قلبا ينبض بين الحطام , وينبض لا لانه لايريد ان يموت , بل انه ينبض ليعيش اخرين " وهي حالة الفتاتين , لا اجد في الفيلم عيبا سوي انه قد " مط "في الاحداث بعض الشيء , وان الحدث كان ينمو ببطء فقد تمل الفيلم للحظة. لو اردنا ان نرتدي عدسة مكبرة للشخصيات فأن كل شخصية تضيف للحدث لاتنتقص منه , فزينة ادت دور عمرها بعد سلسلة من ادوار البطلة المهمشة في افلام كالشبح والكبار , جعلتنا نتسائل لما تختزن زينة كل هذه الطاقة بداخلها هل هو نقص ورق ام ان مخرجينا افتقدوا للابداع , وصبا مبارك كانت مبهرة في انفعالاتها ادت دور اعتقد انه سيكون علامة فارقة في تاريخها , وكان الناقد طارق الشناوي انتقد ان تكون صبا مبارك بهذا الجمال وتودي دور عانس وانتقد انها في الواقع كبرت سنا علي هذا الدور , استطيع ان اجيب عليه انه طالما وصلك هذا الاحساس فأن محمد امين قد نجح في نقل صورة العانس الجديدة , كما ان صبا في الفيلم عمرها " 30 " عام , قدم كلا من احمد وفيق وعمرو حسن يوسف ادوار اصفها بانها ستكون فريدة في تاريخهم , واذا تطرقنا الي الديكور نجده كان مناسب الي حد كبير فالفتاتان من طبقة متوسطة وديكور منزل احمد وفيق ملائم لشاب عازب . اعتقد ان اي موسيقي اخري غير موسيقي رعد خلف التي ابدع فيها الي حد كبير كانت ستعجز ان تنقل لنا الصورة بنفس هذه الاحترافية . في النهاية اود ان اقول انني قد اكون متحيزا لهذا الفيلم لانني انسان قبل ان ارتدي عباءة الناقد الا اننا بالفعل امام حالة فريدة اتمني الا تتوقف السينما المصرية عن انجاب مثيلات لها , حتي لو اشعرونا باننا نعيش في عالم حالك فجمال السواد في سينما كهذه لهو افضل من نور تجاري .
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
"بنتين من مصر" .. مرثية المجتمع المصرى | Usama Al Shazly | 10/10 | 19 يونيو 2010 |
بنتين من مصر : عندما تعيش واقعك مرتين | بهاء حجازي | 9/9 | 25 ديسمبر 2013 |
بنتين من مصر..ادبحنى يا معلم! | Fady Baha'i Seleem | 11/15 | 6 يوليو 2010 |
فيلم حقيقي يستحق المشاهدة | camelia taha | 6/6 | 25 يوليو 2008 |