إذا أراد أحد كتابة نقد عن فيلم المواطن مصري لن يعرف من أين يبدأ؟ هل من الموسيقى التصويرية أم تتر البداية؟ هل يتناول قصة الفيلم ويفندها؟ وإذا تناول قصة الفيلم هل سيتعامل معها كأنها قصة درامية عن الجهل والفقر والذل أم كأنها رواية تحكي بطولة محفورة عن حرب لا يعلم أحد إذا كانت ضد العدو الخارجي أم ضد عدو داخلي متمثل في الظلم. ولكن الحقيقة هي أن فيلم المواطن مصري مزيج من هذا وذاك وتزيد عنهم، فهي رواية عن الجندي المجهول الذي حارب على الجبهة وعن الذي قُتل من كثرة الذل داخل الوطن.
بدءًا ذي بدء، يرصد الفيلم قصة عمدة ظالم يُدعى عبد الرازق الشرشابى (عمر الشريف) قبيل عام 1973 الذي ظن أنه ورث الأرض بمن عليها، حين يُطلب ابنه الأصغر توفيق (خالد النبوي) للتجنيد ترفض زوجته (صفية العمري) حيث أنه وحيدها وتقنع العمدة ببذل كل السبل المتاحة والغير متاحة من أجل تجنب ذلك. يقترح عليه أحد الأشخاص بإرسال من ينتحل صفة ابنه ويذهب بدلًا منه. بالفعل بعد ترهيب وترغيب يقنع أب فقير يُدعى عبد الموجود (عزت العلايلي) بارسال ابنه مصري (عبد الله محمود) للتجنيد بالرغم من أنه هو وحيد أمه وأبيه مقابل أن يعطيه خمسة فداديين، ويذهب مصري للجيش بإسم ابن العمدة.
قبل تناول قصة الفيلم المأخوذة عن رواية الروائي يوسف القعيد (الحرب في بر مصر) يجب علينا ألا نغفل تتر البداية والذي يُعد رسالة من المخرج صلاح أبو سيف. التتر ليس فقط حروف على الشاشة تخبرنا بأبطال الفيلم والفريق القائم عليه ولكنه رسالة تنوير عما ستشاهده داخل الفيلم، فالتتر عبارة عن لقطات حية أُخذت عند نصب الجندي المجهول في القاهرة وليس هذا فقط ولكنه مصحوب بموسيقى تصويرية ألفها الموسيقار (ياسر عبد الرحمن) حتماً ولا بد ستقشعر لها بدنك وكأنها أصوات أهات لهؤلاء الذين قضوا نحبهم في سبيل ذلك الوطن ولم يعلم عنهم أحد ولكن يُطلق عليهم "الجندي المجهول".
"الجندي المجهول" في هذا الفيلم مصري عبد الموجود الذي اُستشهد في حرب أكتوبر بعدما تم محو أي ورقة أو شهادة تثبت أنه مصري عبد الموجود، حيث أن كل شيء في أورقة المصالح الحكومية تشهد أنه توفيق عبد الرازق الشرشابي. لكن هناك أمل يبذخ حيث قبل أن يُستشهد مصري يبوح لزميله حسن (أشرف عبد الباقي) بالحقيقة وربما سيعود حقه من جديد ويكرم بين الناس كشهيد.
على الفور يبلغ حسن السلطات المعنية بما أخبره به مصري. تذهب قوة من الجيش لقرية مصري ومعها الجثمان لدفنه ولكن يجب أن يتعرف عليه والده الحقيقي عبد الموجود. نجد أن ربما هناك تعاطف مع عبد الموجود وأُتيحت له فرصة سانحة من أجل قول الحقيقة ولكن ظلم عبد الرازق لا حدود له حيث يعود معه من جديد لأسلوب الترهيب والترغيب. يتم فتح النعش الذي به جثمان مصري في مشهد مهيب وغاية في الروعة والذي يعد المشهد الرئيسي في الفيلم من حيث التصوير والموسيقى والحوار، حيث أن النعش مازال في عربة الجيش أي أن مصري في عهدتهم ومازل دمه لم يبرد بعد.
فور فتح النعش تظن أن عبد الموجود سيصرخ (ابني، حبيبي، قتلوك يا ولدي) أي شيء من هذا القبيل، ولكن تنصدم حينما يسكت ولكن تقول عيناه مليون شيء وشيء، تكاد تنفجر عيناه من الذل والقهر. تظن ثانياً أنه سينطق بعدما يطلب منه من حوله قول الحقيقة. وبالرغم من أن المشهد قصير لكن سكوت عبد الموجود يجعلك تشعر بأنه طويل. تكاد أنت تصرخ معهم (قول يا عبد الموجود ... قول ابني .. قول الحقيقة) ولكن لا حياة لمن تنادي.
يُدفن مصري بإسم توفيق عبد الرازق الشرشابي مقابل خمسة فدانيين من الأرض. يذهب العمدة لعبد الموجود الملكوم وهو جالس في الأرض تحت شجرة ويخبره أنه سينفذ وعده له. ولكن حين يخبر عبد الموجود العمدة أن ابنه مصري قبل وفاته سأله عن تسجيل الأرض بإسمه، يرد العمدة "الأرض ما أنت قاعد عليها .. شفتني سحبتها من تحت رجليك" ويذهب ويتركه. بالفعل تلك هي الحقيقة يموت المواطن المصري بدون مقابل يذكر، بعد حرب أكتوبر والاستشهاد تعود الأرض بشرطة، فلا هي عادت ولا هي لم تعود.
في النهاية أن الجندي المجهول ليس فقط مصري عبد الموجود بل هو أيضاً عبد الموجود نفسه، صحيح أن عبد الموجود لم يمت أو يستشهد ولكنه يموت كل يوم من الحسرة والذل والفقر الذي أجبره على بيع دم ابنه مقابل أرض ليست ملكه بحق، الجندي مجهول هو المواطن الذي يعرق ليل نهار في الشوارع تحت شمس أم الدنيا ولا يعلم عنه أحد، الذي مات في حفر قناة السويس والذي مات في بناء الأهرامات، الذي مات هنا وهناك والذي سيموت دون مقابل دون أي اعتبار لدمائه.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
استشهاد مصري -الجندي المجهول- | Abdelrahman Halawa | 3/3 | 20 ديسمبر 2015 |
المواطن المجهول والجندي الملكوم | Doaa Abd El Dayem | 6/6 | 10 مارس 2014 |
النهاية غير مناسبة للقصة . | محب ميشيل | 0/0 | 12 يناير 2023 |