لم يكن النجار الدنماركي أولي كيرك كريستنسين يدرك وهو جالس في ورشته الصغيرة في مدينة بيلوند عام 1934 أن ألعابه الخشبية الصغيرة سوف تحدث بعد بضعة سنوات الشرارة الأولى لألعاب "الليجو" البلاستيكية التي بدأ تصنيعها على نطاق واسع منذ عام 1949، والتي ستمنح منذ ذلك الحين عاشقي الألعاب من مختلف أنحاء العالم ومن كافة الأعمار إمكانيات لانهائية للفك والتركيب، وذلك بفضل أحجام وأشكال وألوان مكعباتها فادحة التنوع، ناهيك عن الثيمات والمجموعات العديدة التي أطلقتها الشركة منذ انطلاقتها الأولى وحتى الآن.
وعندما فكر الكاتبان والمخرجان فيل لورد وكريس ميلر منذ عام 2008 في صنع فيلم تحريك نابع من عالم ألعاب الليجو "The LEGO Movie"، كان يهمهما في الأساس أن تكون قصة الفيلم متماشية في منطقها مع منطق الليجو، بحيث تكون طيِعة ومرنة لأقصى درجة بما يسمح لصناع الفيلم باللعب على عناصرها المكونة، سواء بالحذف أو بالإضافة، وبدون التقيد بأي تراتبية لعناصر القصة بقدر السير على خط عام وبسيط يسمح بشيء من التماسك للناتج النهائي للصياغة – أو لعملية التركيب - التي رأيناها في الفيلم، وللأمانة، فإن الفيلم قد حافظ بشكل كبير طوال الوقت على تلك المعادلة الصعبة.
يحفل الفيلم طوال الوقت بعشرات الإحالات البصرية والدرامية إلى العديد من الأعمال السينمائية التي لاقت الكثير من النجاح الجماهيري طوال السنوات الماضية، والرائع في هذه الإحالات هنا أنها تأتي على نحو صريح وليس ضمني، لكنها لا توُظف في الفيلم من باب المحاكاة الساخرة – رغم وجودها فعليًا – بقدر توظيفها بهدف الاستفادة من الإمكانيات التي تحملها هذه الأعمال في زيادة جرعة "اللعب" وخدمة عملية "البناء" في القصة.
ومن أبرز الأمثلة على تلك الإحالات، مشهد الدخول إلى العقل الباطن لإيميت (كريس برات) والمستوحى من فيلم الخيال العلمي The Matrix، ومشهد اجتماع البناءون العظام الذي سيذكرك حتمًا بمشهد مماثل في الجزء الأول من ثلاثية The Lord of The Rings، أو حتى مشهد مقتل غرق السفينة التي تقل البناءون (ولن احتاج بالتأكيد لذكر اسم السفينة التي صنع عنها فيلمًا شهيرًا).
الرائع في الأمر أن فكرة الصراع الأزلي بين التجديد والجمود، التي تتردد صداها في صراع إيميت والمجموعة التي تسانده ضد اللورد بيزنس (ويل فاريل) أو في خلاف الابن والأب حول طريقة اللعب بالليجو، هى فكرة بالغة الوضوح في ثنايا الفيلم، لكن صناع الفيلم لا يرهقون هذه الفكرة بالمزيد من التوضيح أو بإظهارها على السطح، بل يحافظون طوال الوقت على التوازن بين المظهر الطفولي للقصة وبين رسالتهم الكامنة في الفيلم ولعبة الليجو على حد سواء.
بناء على ذلك، ليس بالمصادفة أن تكون مهنة بطل الفيلم الرئيسي إيميت بريكوفسكي عامل بناء، وهو ليس بالشخص بالغ العبقرية، ولا يتمتع بقدرات خارقة للعادة، بل كان طوال حياته لا يفعل شيئا إلا إتباع الإرشادات المرفقة، وهو ما يتنافى مع روح اللعبة، لكنه عندما يطلق لنفسه العنان بعد اكتشافه أنه أكثر من مجرد عامل بناء عادي مع تمتعه بثقة أكبر وحرية أكثر في التصرف، يتبين له كم الأشياء التي يستطيع ابتكارها دون أن يتطلب الأمر أي مهارات خاصة بقدر أن يكون المرء منفتحًا على الأفكار الجديدة.
على المستوى البصري، كان التحدي الأكبر أمام صناع الفيلم أن لا تكون صورة الفيلم منسلخة عن عالم الليجو بحيث لا يشعر المشاهدون بالغربة عنه (مثلما حدث للكثيرين من عشاق قصص تان تان عندما شاهدوا The Adventures of Tintin للمخرج ستيفن سبيلبرج)، وهو ما نجحوا فيه بكفاءة كبيرة، حيث قاموا بالمزاوجة بين تقنيات التحريك ثلاثي الأبعاد وتقنيات إيقاف الحركة (Stop Motion) التي نجحت كثيرًا مع الأفلام التي تعتمد في تحريكها على عناصر مشكلة كالصلصال أو الورق، ولكي تبدو الحركة لائقة بشخصيات وأشياء مشكلة بالكامل من المكعبات.
بعد النجاح الساحق الذي حققه الفيلم على كافة المستويات وكم الإشادة الذي ناله، أعلنت الشركة المنتجة عن اعتزامها إنتاج جزء ثان من الفيلم لكي يتم طرحه في عام 2017، وهو بالتأكيد خبر سعيد، إذ سيزيد جرعة الترقب والتوق للمزيد من "اللعب"، والكثير والكثير من متعة "الفك والتركيب ".
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
"فيلم الليجو"... ومتعة الفك والتركيب التي لا تنتهي | Mahmoud Radi | 1/1 | 14 مارس 2014 |
الليجو في كل مكان !! | Benel Aamer | 1/1 | 1 مارس 2014 |